تحدثت إلى صديقتي وأوردت إلي خاطرا أوردته إلي نفسي ملايين المرات من قبل، خاطر عزيز جدا على النفس، نعرفه حق المعرفة، وهو حقيقة أنني فشلت يوم كذا في كذا عندما حدث كذا في الساعة كذا.
وهذا التركيب اللغوي لا يوجد ثمة احتمال لتأويله، إذا فشلت فقد فشلت! وهنا تسألك نفسك عن مدى اقترابك من حقيقة الفشل حتى تخاف أن تتلبس بها، كلا هي لا تنتظر اقترابك، فمجرد ملابسة هذا الجزء اليسير يضيق أنفاسها ويهيج أحزانها، أتراني في هذا الكون عدم؟ أتراني لا قيمة لي؟ أتراني أهون من الذر؟ أتراني أسحق كلما دارت عجلة الحياة؟
تعال نراك وأنت تطالع نتائج اختباراتك وقد رسبت وكتب هنالك "دون المستوى" ووجهك شاحب، أو عندما أقلت من العمل وكلك حسرة، أو عندما انفصلت عن شريك شاركته شيئا منك فكأنما مسك منه ما يمس الإنسي من الجني، وعندما فشل مشروعك الذي شرعت فيه معتمدا على ذاتك وسببته وسببت ذاتك، قس على ذلك ما هو أكثر، لن تستطيع أن تمنع تلك الحقيقة سواء كانت راسخة لديك أم لا من الظهور في خلفية دماغك " أنا فاشل"، علم النفس سيحاول تلطيف الأمر ويخبرك أن فشلك لمرة واحدة لا يعني أن تحكم على نفسك بالفشل وليس هذا ما يعنينا هنا.
حقيقة الفشل حقيقة صعب قبولها مثل الموت ومن ثم الوقوف والمحاولة من جديد تحتاج قدرا زائدا على القبول، وتلك هي حكاية الفشل تبدأ من حيث نقطة عدم قدرتك على القبول وتنتهي ببرد الرضا.
والآن لنعد إلى ما قبل هذا الفشل، الحقيقة أنك عقدت العزم على أمر ما بقوة ساعدك وكنت جادا جدا وبذلت كل الوسع وخططت جيدا، كنت قويا وبذلت من القوة ما يكفي لذا لا تعرف من أي جهة وبأي زمن تداخل الخطأ على طول الخط.
والعجب العجاب أن الخطأ هنا حيث المنطق الذي تظنه صوابا من صميم قلبك وهو " أنك عقدت العزم على أمر ما بقوة ساعدك وكنت جادا جدا وبذلت كل الوسع وخططت جيدا كنت قويا وبذلت من القوة ما يكفي".
الأمر هو أن مثلك مثل كل ذرة في بناء هذا الكون، كل شيء في هذا الكون متساو القدر من ناحيتين، الأولى أنه مخلوق محتاج والثانية أنه لا يملك من أمره شيئا.
بالنسبة للناحية الأولى فحاجتك هنا أصيلة تماما، لا يمكنك أن تفلت منها وليست نسبية بل كاملة، أنت فقير محتاج ضعيف أحوج ما تكون ولكن المسألة ما أو من تحتاج؟ فإن عزيت احتياجك للجهة الصواب فقد نجحت وها أنت ذا تنجح! هل أنت بحاجة لعزم أكبر، أم لطلب المساعدة من خبير أم إلى تفوق ونبوغ أكبر ثم ندخل دائرة جديدة مفرغة فشلت بسبب نقصي ونقصي في أصيل فإذا سأفشل من جديد، أم أنك بحاجة إلى الرب الذي يربي كل ما صنع بعلمه وقدرته، رب جليل ذو العزة.
أنت مما صنع وما أردته مما صنع وهو الصانع الفرد وهذه حقيقة لا مراء فيها أنه الصانع وأنك محتاج، الجميع يعلم ذلك، لكن ماذا ستفعل بهذه الحقيقة؟
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ». متفق عليه[1]
ونجد ورثة الأنبياء أرباب السلوك والتزكية وأهل العرفان يقولون أن عمل هذا القلب أن يتوكل، يعتصم، يحتاج.
أنت فقير جدا، كان دعاء سيدنا موسى عليه السلام: رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير، وليست المشكلة في هذه الحقيقة البتة، المشكلة هو أنك برغم علمك بها تعول على نفسك كثيرا، تظن أن الزمام بيدك، بينما أنت والزمام عالم سوى الله ربه الله.
التوكل هنا يعني أن تعقد العزم وتبذل الأسباب حتى آخرها ولكن الفرق الكبير هو ما يداخل تلك المضغة التي بجوفك، هل هي متعلقة بهذا المجهود أم بالذي فوق العرش، وأيضا هل تركت كل شيء لمن هو فوق كل شيء؟ لذا إذا نجح الأمر أو فشل قلت: حتما خير، أم أنك تركت كل شيء لتخطيطك أنت فإذا فشل قلت: تبا هذه هي المهلكة!
إذا وكلت الأمر لله اطمأننت وعرفت أن العاقبة محمودة فلم تخف ولم تبال بالخسارة، أولست تعرف رب العرش؟ ماذا تظنه صانع بك؟ وليس هذا تعصبا وميلا محضا بل أنت قبل اليوم كنت عدما وهو رباك حتى اليوم ، والآن أسألك أشاء ربك شيئا ولم يكن؟ هل ضيعك قبل اليوم؟ هذا الكون كله علام يقوم ومن يمسكه ألا يفنى؟ ومن يقيم حياة الذر فيه؟
ثم ألم تكل إليه كل شيء؟ فها هو قد صنع ما شاء أتراك تكره صنيعه؟
أما الاعتصام فأنت تلوذ بالله.
وأما الحاجة فلا تظنن أنها عباءة تخلع، بل هي جلدك وجلد أبيك وجدك، هذا الفاقة التي خلقت بها هي خير ما أعطيته فأنت بها تتعبد، وكلما كنت أفقر كلما كنت أعبد، والعبد لا يروم شيئا في الحياة سوى رضاء سيده أن يراه محبا ذليلا له فيمن عليه بقبول يحييه.
فالأمر أعقد إذا من أنك قد خلقت قادرا وأن الأسباب هيأت، الأمر أنك عبد.
إذا نظرنا إلى الناحية الثانية منك وهو أنك لا تملك من أمرك شيئا، فهذا يستدعي منك أن تقف أمامها وتقبلها كما هي، وجزء منها أنك ساع مكابد لم تطأ الجنة بعد، كل سعي لك سعي إلى الله، وهكذا شاء ربك.
والله على ما نقول وكيل.
استغفر الله.
.......
[1]- رواه البخاري في كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه 1/ 28 [52]، ومسلم في كتاب البيوع، باب أخذ الحلال وترك الشبهات 3/ 1219 [1599].