يداعبنى الشوق من حين إلى أخر ويأخذنى الحنين إلى الماضى الجميل، أتذكر أيام الطفولة فتحملنى الدروب إلى بيتنا القديم، بيت صغير تقبع أمامه حقول خضراء تلمع تحت أشعة الشمس الذهبية، وبالرغم من أن بيتنا الجديد مساحته أكبر ويقع فى نفس المنطقة وعلى مقربة منه لكن الأول كان له تأثير خاص فى قلبى، ما إن أقف أمامه حتى أشتم روائح الذكريات وما أعذبها من روائح، البيت الذى ولدت فيه وهللت جدرانه فرحاً بصوت نبضات قلبى مرحبةً بقدومى إلى الحياة، ليفتح نوافذه الكبيرة التى كانت تحيطه من كل مكان وتدخل أشعة النور إلى قلبى وعينى، فى هذا البيت عشت سنين الطفولة البريئة، كان أكبر همى فيه هو واجبات المدرسة الكثيرة، التى ما إن تنتهى حتى أذهب إلى شقة جدى التى كانت فى الدور الأعلى من شقتنا لأشاهد التلفاز، لم نكن نملك فى ذلك الوقت تلفازاً، فألفة الأهل والأقارب كانت تغنينا عنها، بجوار البيت كانت شجرة الجميز شاهدة على مراحل عمرى فهى فى مكانها منذ وعيت الحياة، على أغصانها بنت الطيور والعصافير أعشاشها، كنت أسترق السمع إلى صوت تغاريدها الذى كان يملأ المكان وقت الشروق والغروب، أحلم حينها بأحلام الطفولة البريئة أن أطير يوماً مثلها، نظرت إلى بيت الجيران لم يتغير كثيراً، كنا نتشارك جميع المناسبات الحزينة منها قبل السعيدة، فى رمضان كنا نجتمع فى الشارع نعلق الزينة والفوانيس، وفى العيد كنا نجتمع لنعد الكعك والبسكويت، مشاعر كثيرة تربطنى بذلك المكان أمل .. طموح .. فرح .. حزن ووداع، رغم أن هذه الأشياء أمست ببعيدة لكنى ما زلت أتذكرها بوضوح كأنها حدثت منذ فترة قريبة، لا أدرى أين إختفت هذه الأيام الرائعة ولا فى أى فجوة ابتلعها الزمان، لكن شذى عطرها مازال يفوح بداخلى، فنحن دائماً ما نزور الذكرى ونبحث فى رمادها عن بعض الجمر ليشعل الحياة فينا من جديد.