انسلخ من كيانك كالشبح وقف جانباً وتأمل هذا الشخص الواقف أمامك ( كأنك غريب التقيته صدفة ) تأمل قامته وتعابير وجهه ولون بشرته اقترب منه وألقِ التحية ، ثم تخيله يرد عليك بالرد المعتاد الذي تعرفه جيداً ، ثم حاول أن تبدأ حواراً معه ، أسأله :

ما معضلة حياته ؟

ما أكبر أحلامه ؟

وانتظر إجاباته المعتادة التي يكررها على نفسه دون أن تُحرف شيئاً فيها ثم تأملها وكأنها صدرت من شخص قابلته تواً .

يا ترى بماذا كنت ستحكم عليه ؟

 بأي التصانيف كنت ستنعته ؟

ذكي ، ساذج ، متكبر ، مثير للإعجاب أم غريب أطوار ، مظلوم ، أم يعيش في عالمه الوردي

أحسست بضغط كبير في دماغي لمجرد محاولتي التخيل ! عملية ذهنية صعبة بالفعل !

أن تحكم عليك دون أن تتحيز لك هو أمر مجهد .

عد إلى الشخص الماثل أمامك واسأله إن كان يعرف نفسه جيداً وانتظر إجابته فإن أجاب بلا ونادراً ما سيفعل !

فقل له أن يكتب يومياته ويتأملها نهاية كل أسبوع مثلاً ليعرف الإجابة، كما أن الاستعانة بسؤال من يعيش معهم أغلب يومه كفيلة بأن تدهشه .

ولكن إن أجاب بنعم فباغته بسؤال آخر :

 لو كنت زميل عمل هل سيكون العمل معك مريحاً ؟ ولماذا ؟

وانتظر إجابته المنمقة التي تعرفها سلفاً .

ثم باغته بسؤال آخر :

لو كنت شريك حياة هل ستكون ممن يحلم بهم العزاب والعازبات حول العالم قبل المنام  ؟ولماذا ؟

ثم انتظر الإجابة المنمقة التي تعرفها سلفاً ،ولو كان عازباً فاضحك عليه هذه المرة كردة فعل وأنت تسأل السؤال التالي :

 لو كنت صديقاً قريباً لي مالذي يجعلني أهرع إلى رقمك في هاتفي بعد جريمة ارتكبتها خطأً دون أن أخاف إخبارك ؟

ثم انتظر إجابته المنمقة عن كونه شخص يعتمد عليه ويحفظ السر ، ثم باغته بسؤال عن أصدقائه المقربون ، ماعددهم ولماذا هم أصدقاؤه ؟ 

ثم اصمت هذه المرة كردة فعل وتأمل .. فقط تأمل إجاباته عن أي أنواع البشر تحكي ؟

السذج

أم الأذكياء

أم المسضعفون

أم من يرون الحياة بعيني فراشة

أم بعيني ثعلب

أو قد يكون ممن لا يعرف كيف يجيب لأن أحداً لم يسأله هذا النوع من الإسئلة من قبل ..

لو استطعت الحكم عليه ثم قابلته يوماً :

 هل ستصطاده كصديق في الحياة ؟

 هل سترضاه شريك حياة لابنك أو ابنتك ؟

هل ستدخل في شراكة مالية معه لتجارة أو (قطة استراحة ) على أقل تقدير !

ولماذا ؟

 الإجابة تكمن خلف ( لماذا ) في الأسباب التي تعرفها عن نفسك بعيداً عن الكبر ووراء الأقنعة وخارج مدينتك الفاضلة التي ربما جهلاً أو هرباً من مواجهة عيوبك شيدتها بيديك وأغشت عينيك عن رؤية الواقع والحقيقة التي للأسف قد تكون ظاهرة كالشمس في أعين من تقابلهم ويجربون التعامل معك .

نعم نعتز  بالجانب المشرق من هذا الشخص الذي نحن عليه وبخصاله وحسن نيته وطيبة قلبه التي صرعنا الناس بها عند تحدثنا عن أنفسنا ، ولا بأس في ذلك !

بشرط أن  يقابله على الأقل نصف الإعتراف الداخلي و- التقبل بصدر رحب - للجانب المظلم من هذا الشخص الذي نحن عليه .

إن لم تتقبّل - وليس تَقْبل - وجود عيب فيك فستلجأ لا إرادياً للنكران والكبر ولا أعتقد أنك ترغب في العيش من شخص ينكر أو يتكبر على وجود مشكلة ما ، قد لا تدرك أبعاد فعلتك هذه ولكن زميلك في العمل ،وشريك حياتك ،وصديقك يدركونها تماماً ويتحملون تبعاتها أحياناً ( من تْم ساكت ) وقد يتوقفون عن التحمل يوماً ما .

وكما قيل : ( رحم الله امرئ أهدى إليّ عيوبي ) ، فقد تأخذنا العزة بالإثم ولا نستطيع إنصاف أنفسنا لذلك استعن وتشبث بمن يعاتب تكبُرك على الخطأ رحمة بك وحباً فيك ، وانتبه من المتملقين نافخي الرؤوس فهم غشاوة أخرى قد تعميك عن رؤية حقيقتك .