البتاويين بورصة الانشطة الاقتصادية الممنوعة والمحرمة
إن الولوج من شارع السعدون الرئيسي نحو الأزقة الضيقة للبتاويين أمرٌ لا يخلو من المخاطرة إذا كان الزائر غريباً... ؛ دورة حياة المنطقة لا تسير بانسيابية وهدوء ، وهناك نظام هرمي لإدارة كل شيء هنا ، يمثل الأطفال قاعدته لاستخدامهم كعيون تنقل كل شاردة وواردة... ؛ ثم اصحاب الدكاكين والبسطات ؛ ثم رواد المقاهي والملاهي والكوفيات ؛ فتجار المخدرات وحبوب الهلوسة والمشروبات الكحولية و الدعارة والجنس ؛ بالإضافة إلى المتاجرة بالأعضاء البشرية ؛ فضلا عن رأس الهرم المتمثل بالمجرمين العتاة والارهابيين والقتلة المأجورين و زعماء عصابات الخطف والجريمة المنظمة والقتل والسلاح والممنوعات والمرتبطين بالمافيات الدولية والاقليمية ؛ فكل هذه الجرائم والموبقات تشكل رأس المال الحقيقي للأنشطة الاقتصادية في بورصة البتاويين الاجرامية ... ؛ ولا سلطة تعلو سلطة تجارها ، فلكل شيء ثمن وفق دستور هؤلاء، حتى القانون يصبح مطاطياً بوجود المال والسلاح ... ؛ على الرغم من مداهمات الشرطة المستمرة، لكنها لا تسيطر على الوضع، وتُعد تلك المنطقة الأخطر ضمن تصنيف قيادة عمليات بغداد، التي تعتمد على الجهد ألاستخباري الضئيل مقارنةً بمستوى الجريمة فيها.(1)
قد يختلف مساء حي البتاويين عن سواها ، فما أن تدخل أزقة الحي حتى تجد نفسك بمواجهة، اناس تجمعوا من طول البلاد وعرضها لا يجمعهم سوى الضياع , فضلا عن صعاليك الدول وشذاذ الافاق من الاجانب والغرباء ، فهذا الجسد الذي يتوسد الرصيف ويغط في غيبوبة بعد جرعة من المخدرات والمشروبات الكحولية ليس سوى شاب فقد الامل و استسلم أمام الصعوبات الجمة التي رافقت رحلته في البحث عن عمل شريف ؛ ما دفعه الى تقديم تنازلات من أجل مواصلة العيش ، بيد أن الاحباط سيطر عليه ودفعه رويدا رويدا الى سكة الضياع على أرصفة البتاويين المؤلمة ، فصار يمضي أيامه مخدرا مستسلما لقوانين البتاويين القاسية ، بعد أن عجز عن أن يحيا حياة كريمة في بلده المنكوب ... ؛ وعليك أن تتفحص جيبك جيدا قبل دخولها، ولا تستغرب من الريبة التي تعتريك وأنت تشاهد نساء يفترشن الأرض أو يقفن وهن يعملن على استمالة المارة لغرض الدعارة... ؛ كل شيء فيها يوحي بأنها منطقة مقتطعة من العاصمة وأن الخروج منها ليس كدخولها... ؛ فمَن يدخل "البتاويين" سيُصاب حتما بداء ؛ كون شوارعها موبوءة بالجريمة والامراض وما المحاولات الامنية السابقة لتطهيرها إلا هباءً منثورا، اذ لم تحقق نتائجها ؛ فقد استمرت العمليات الاجرامية وارتفعت وتيرة معدلات جرائم الخطف والقتل وغيرهما ؛ فما يمر يوم والا وترتكب جريمة قتل في منطقة البتاويين ؛ وقبل عدة اشهر جاء ثلاثة شباب مراهقين الى صاحب فندق في المنطقة وتشاجروا معه , وضربوه ضربا مبرحا ثم طعنوه بالسكاكين , حتى خر صريعا , ولاذوا بالفرار ؛ واما عمليات خطف الاطفال فحدث عنها ولا حرج , ولا زلت اتذكر حالة اقربائي في منطقة البلديات في بداية سقوط النظام عام 2006 ؛ حيث تم خطف طفله الوسيم والبالغ من العمر 6 سنوات ؛ وقد بحثوا عنه في كل مكان فلم يجدوه , وتوفت امه بعد 5 سنوات من اختطافه حسرة وحزنا عليه , وعصابات الجريمة وتجار البشر والاعضاء البشرية ؛ يخطفون الاطفال , لتسخيرهم للعمل في مهنة التسول , او اعدادهم للقيام بعمليات السرقة والاجرام مستقبلا , او الاتجار بهم جنسيا او للخدمة , او بيع اعضائهم البشرية ... ؛ وهذا الامر يؤيده المواطن (ع . هـ) الذي تم اختطاف ابنه في منطقة حي العامل قبل عدة سنوات ... ؛ اذ قال (هـ) لـ /المعلومة/، ان : "متسولات يعتقد انهن من البتاويين اختطفن ولدي الذي كان يلعب امام المنزل، قبل ان يضيع اي اثر له"... ؛ واضاف، انه : "رغم تشخيص التحقيقات بان من اختطفه هن بعض النسوة المتسولات الا انه لحد الان لم نعثر على اثره او اي اشارة تدل على وجوده"... ؛ بل وصل الامر بخطف الشباب والمراهقين ؛ والكل يعرف قصة فندق المدعو (ابو حذيفة المصلاوي ) - فندق لجين - ؛ اذ كانوا يستدرجون شباب المحافظات والمراهقين من بغداد والهاربين من اهلهم ؛ بطرق شيطانية , واقناعهم بممارسة الجنس في الفندق , وعندما يدخلون للفندق , يتم تخديرهم , و سرقة اعضائهم البشرية ومن ثم قتلهم واخفاء جثثهم , وقد قتلوا 13 ضحية , ولاذ المجرم بالهرب كالعادة ؛ فبعض الفنادق هناك لا تمتهن السياحة بل الدعارة والاتجار بالممنوعات ...!!
وفي احدى الايام خرج احد الشباب من منزلهم في منطقة المشتل ؛ متوجها للبتاويين ؛ واختفى اثره , بعدها , وبعد متابعة الاهل للموضوع وتتبع الاتصالات الهاتفية بينه وبين احد الاشخاص ؛ تبين ان احدهم قنعه بالمجيء الى البتاويين , وبحجة جلسة سكر وممارسة جنس مع احداهن ؛ قاموا بقتله وتسليبه ودفنه في نفس البيت ...!! (2)
و يقول طعمة ناصر- وهو سوداني الجنسية ويسكن المنطقة منذ تسعينيات القرن الماضي- : أن أغلب القوادين مطلوب قانونياً أو عشائرياً ، وهم يتنقلون بأوراق ثبوتية مزورة... ؛ و يتحدث طعمة عن تنوع أعمال النساء حيث إن لكل عمل مقومات وضوابط يجب إتباعها، فعملهن في بيع الجنس يتطلب وجود شخص محدد يتمتع بنوع من السلطة والنفوذ وسط هذا السعير... ؛ و طعمة صاحب دار يؤجر الغرف للوافدين من محافظات أخرى، ويمتلك مطعماً شعبياً وسط المنطقة، وفي مطعمه تكتسي حياة زبائنه بلونٍ آخر، فيبدون فحسب فقراء وطيبون ، و يتحدثون بشكل يعكس الحزن والحرمان الذي يؤطّر ذاتهم ... ؛ فهم لا يُجيدون الحديث في السياسة والدين والطائفية، همومهم مشتركة وأيامهم متشابهة، وأحلامهم بسيطة تتلاشى مع دخان سجائرهم ... ؛ يبدأون يومهم باحثين عن "العلاگه" - (تعني باللهجة العراقية القُوت اليومي) - ، والكحول ملاذهم الوحيد لتخفيف ألامهم واوجاعهم ؛ و لكل منهم حقيقة مرة وذكريات أليمة لا يود سردها ، يستعيرون قصص بعضهم حين تسألهم عن موطنهم الأصلي ، فيذكرون موت ذويهم في الحروب أو إبان "أيام الطائفية" واحداث المفخخات والتفجيرات الارهابية ... ؛ وهي وجه الشبه بينهم... . (3)
وطوال السنوات الماضية كانت القوات والاجهزة الامنية المختلفة ؛ تعلن بين الحين والاخر , وتصرح بين الفينة والاخرى ؛ عن عمليات امنية في منطقة البتاويين , والقاء القبض على اعداد من المجرمين والارهابيين والمطلوبين للقضاء والخارجين عن القانون , وتفكيك شبكات للدعارة والاتجار بالأعضاء البشرية والمخدرات والخطف ؛ وحبس مروجي الحبوب المخدرة والأقراص الإباحية ... الخ ؛ الا ان المراقبين ومنظمات المجتمع المدني تشكك بهذه الاحصائيات والأرقام ؛ وتتهم الشرطة في منطقة السعدون بل والاجهزة الامنية بالتواطؤ مع المجرمين , وحمايتهم وتوفير الغطاء الامني لهم مقابل الحصول على رشى كبيرة ؛ وقلتها واكررها وللمرة الالف : والله ما أريقت قطرة دم من دمائنا , وما حصل خرق امني هنا او هناك , وما ارتكبت جريمة او نفذت عملية ارهابية , او انتهكت حقوق الانسان والمواطن العراقي في هذه الدائرة او تلك , وما هرب مجرم او ارهابي من قبضة العدالة ... الخ ؛ الا بتواطؤ العناصر الفاسدة في وزراتي الدفاع والداخلية وباقي الاجهزة الامنية ؛ او تقاعسهم عن اداء واجبهم الوطني والاخلاقي والانساني .
فعلى الرغم من أهمية موقع حي البتاويين الاستراتيجي , ومناشدات المواطنين , واحتجاجات العراقيين على الاوضاع المزرية في هذه المنطقة الا ان الحكومات السابقة لم تحرك ساكنا ؛ وكل العمليات الامنية السابقة كانت شكلية و روتينية ولم تحقق اهدافها ؛ بل على العكس من ذلك ؛ فقد زادت الطين بلة ...!!
وأكد المتحدث الرسمي بأسم امانة بغداد عبدالحكيم عبد الزهرة لـوسائل الاعلام : (( ان منطقة البتاوين منطقة مهمة وتقع في قلب العاصمة بغداد، لكن وفقا للقوانين العراقية لا تعد البتاوين من المناطق التراثية كما هو حال شارعي الرشيد والنهر اللذين طرح مشروع تطويرهما على شركة امارتية ، مستدركا القول ومع ذلك فأهمية المنطقة وعمرها الطويل واقترابها من العمر التراثي يجعلها من ضمن اولى الاهتمامات، فقد سكنتها عوائل لعبت دورا مهما في تاريخ العراق كعائلة الاورفلي وعائلة المعمارية زها حديد وغيرهما من الشخصيات الفنية والسياسية فضلا عن موقعها المهم يضعها في اولوية خططنا ودراستنا لتطويرها ... ؛ وقال : “ ان موضوع تطوير البتاوين متشعب ويحتاج الى اموال ونحن نريد عرضها على شركات عالمية لتطويرها ،لكن رغبتنا تصدم بمعوقات عديدة بينها المعوقات المالية”...)) .
................................................
- 1-براونزفيل بغداد .. بؤرة العنف والمخدرات والاتجار بالبشر / محمود المفرجي الحسيني/ بتصرف .
- 2- البتاوين من حي “ارستقراطي” الى معقل للجريمة والضياع/ اياد عطية الخالدي/ بتصرف كبير .
- 3-حي البتاويين في بغداد : بؤس قاع المدن / محمد المحمودي / بتصرف .