يتعاقب ملوك أوروبا في القرون الوسطى ويستمر الطغيان في التعاقب معهم فكانت جميع مظاهر السلطة والوانها تتجمع في يد الملك فيكون قاضياً يفصل في المنازعات وينزل العقوبات ومشرعًا يسن القوانين و منفذاً لها ناهيك ان ملوك أوروبا في تلك الحقبة كانوا يعاقبون الإنسان والحيوان و الجماد و الشجر اخذاً بالنظرية المادية للعقوبات.

 واستمروا لقرونٍ في ضلالهم يعمهون غير ابهين بما للإنسان من حقوق وقد خيل لهم وهم في غمرتهم هذه ان عدالتهم في تقدم فإذا بهم يزيدون ضلالاً على ضلالهم وفساداً على فسادهم وظلماً على ظلمهم وبأس الملك على شعبه شديد و كُره الشعب لظلم الملك شرٌ يورث الحقد والكراهية فجعلتهم طبقاتًا وشيعاً تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى حتى نهض المفكر الفرنسي مونتسكيو (Montesquieu) وابلغ أنواع الظلم ينخر في أجهزة الدولة حاملاً لواء نظرية فصل السلطات متوصلًا لأليه تمنع الاستبداد وتكفل الحريات والحقوق الشخصية وتضمن مبدأ الشرعيه وتقسم العمل وتزيد الفعاليه وتستقل بالسلطات وتجعلها متساويه ومتكامله وهذه كانت المحاور الرئيسية التي خطها في كتابة روح الشرائع ١٧٤٨ De l'esprit des lois الا انه لم يتم العمل بها حتى عام ١٧٧٦م حينما تأثر بهذه الأفكار الإباء المؤسسون للولايات المتحدة الامريكية the founding fathers اثناء صياغتهم للدستور الفدرالي و الفرنسيين في اعقاب الثورة الفرنسية ثم باقي دول أوروبا تباعاً الا انهم عندما حاولوا الأمريكيين تنفيذها على ارض الواقع لقوا فشلاً ذريعاً في تطبيق الفصل المطلق بين السلطات الثلاث و ان التعاون النسبي بصورةٍ او بأخرى ضرورةٌ لا غنى لهم عنها لاستمرار عجلة المنظوم السياسية في الدوران وعلى تعثر الإباء المؤسسين للولايات المتحدة  توصل الفرنسيين لهذا الاستنتاج بعد مضي أعوام على ثورتهم وكذلك الأمريكيين بعد ان تبين لهم استحالة تطبيق مبدأ الفصل التام بجماده الذي ابدوا حماسةً تجاهه وهذا الذي جعلهم يخففون من التشدد في الفصل المطلق ولكن دون المساس بنصوص الدستور الذي يشعر الامريكيون تجاهة بحساسية حادة تجاه التقويض بها 

وفي نهاية المطاف تبينوا أن مبدأ استقلالية القضاء يعد من المبادئ الأساسية الواجب توافرها لضمان حياديته ونزاهته الا ان ذلك لا يعني الانفصال الكامل عن السلطتين التنفيذية و التشريعية فالاولى هي التي تصدر القوانين التي يعمل بها القضاء و الأخيرة هي الكفيلة بتنفيذ الأحكام القضائية

وكما ان السلطة التشريعية تسن القوانين وتنظم عمل هيئات الدولة و في المقابل تقوم السلطة القضائية بالحكم ببطلان القوانين عندما تتعارض مع نصوص الدستور باعتبارها الحامي الأول لنصوص الدستورية من الانتهاك

 ويرتكز عمل السلطة التنفيذية بتنفيذ التشريعات الصادرة من السلطة التشريعية و الاحكام القضائية من السلطة القضائية كسجن المدان بحكم جنائي عبر ما تملك من وسائل و أجهزة دون التدخل في شؤون القضاء حفا ًظا لحياديته و استقلاله وتتولى السلطة القضائية مراقبة تصرفات السلطة التنفيذية - بطريق ٍة مباشر ٍة كانت او غير مباشرة – تأمينًا للحقوق التي يقرها القانون للأشخاص من أية انتهاكات قد تقترفها أي جهة تابعة او محسوبة للسلطة التنفيذية. والى حينه تستمر الدول بتطبيق هذا المبدأ و العمل به

وبهذا نرى ان الفصل النسبي بين السلطات قد اثمر بثماره حاملاً في طياته وسائل التقدم و التطور المستمر للمجتمعات لأنه يرمي في كل الأحوال الى قيام كل سُلطةٍ بدورها دون التدخل المخل بعمل سلطةٍ أخرى و التعاون بين السلطات قد اصبح بنتيجه للتجربه من ارض الواقع فعالا ومحققاً لغايته وان اغلب الدساتير المكتوبة تتضمن نصوصا تتعلق بأوجه ذلك التعاون ولكن درجته وماهيته تختلف من نظام سياسي لاخر.