ليس علي أن أخلّد أيامي مهما بدت، حزينة كانت أو فرحة، هكذا أفكّر حين تهجم علي فكرة الكتابة إليك بشكل مُلحّ كل ليلة، لستُ البنت التي تستطيع أن تكتب كل هذا الذي يحدث وتخلده للمستقبل كذكرى أو وثيقة. لا أستطيع لأن كل هذا الذي يمر بي لا يستوعبه قلبي ولا عقلي ولا حتى جسدي الذي بات ينهار مرضا مني. 

كيف أخلدها، وما الذي أخلده منها ومعظمها لا أستطيع التأكد من معرفة ماهيته، ماهذا الذي يحدث؟ وكيف ولماذا يحدث؟ يتعلق عقلي بالسؤال ويتوقف عنده. تحوّل صارخ في عمق ما كنت أؤمن به، تحوّل يشدني نحو الرغبة في الفرار لا أدري ممن ولا إلى من! 

تعجّبٌ مني قبل الآخرين، من هذه التي أقف أتأملها أمام المرآة ولا أكاد أعرفها ولا أحبها، هذه ليست البنت التي أعرفها أبدا، هذا وجه مشوّه وروح مقتولة، هاتان عينان منطفئة، أين ذهبت لمعة عيني التي كانت تقول عنها صديقتي أنها نور القلب الصافي في عين كل إنسان، لقد ذهبت. 

سأسجل هنا أن زمن الحروب يشبهنا جدا، قُتلنا مع القتلى ألف مرة ولم نمت ولم نحصل على شرف القبر، فقُبرنا أحياءً تحت وطأة الصمت وشعور الذنب وشعور الخطيئة، تحت سكين حادة تقطع الذات بالذات قبل الآخرين، نعم يئسنا واختلطت الدروب فما عدنا نعي المسلك فذهبنا لا نعلم أين! لقد تبدل كل شيء ونسينا حتى من نحن، لقد انتصر بجلالٍ الظلم، وسادت الوقاحة، وأماتنا الخزي، و ولد للشر ألف إبن، لقد ساد منطق أن لا اتجاه ولا بوصلة للحق و لا للباطل وأن البقاء فعلا للأقوى لم تكن عبارة رمزية سخيفة فقط. 

نعم يئست من مُثلي، من رفاقي، من كتبي، من موسيقاي، من كل ما يجعل للاتجاهات معنى وقيمة. نعم يئست من الناس، من هذه البلاد، من النضال، من الصبر، من فكرة الأمل والانتظار والتطلع لأي شيء مهما قدسته. يئست يأسا متعبا ومرهقا أفقدني عقلي الذي كنت أتمترس خلفه معتدّة به. ومن قلبي الذي لا أراه أكثر من أداة غبية تقودني نحو الهلاك كلما استعملتها. لقد يئست من جمالي الذي صار تمثالا ليس لي منه حظا سوى نظرة إعجاب وقحة من غرباء متنوعين. 

أكتب هذه اللحظة بلا تفكير وبلا منطق وتسلسل، أكتب لأشعر نفسي أنني ما زلت قادرة على فعل شيء من الماضي الذي أحن إليه الآن وكأنني عشته وانفصلت عنه منذ زمن بعيد جدا، أكتب لك، ككل مرة كنت أكتب ولكنني لست أنا التي تعرف، أكتب لك وحسب، أي شيء،  لأن روحي تكاد تجنّ مما أنا فيه الآن، ومثل هذه الكتابة اليائسة قد تشعرني بقليل من الأمان، لأنها موجهة إليك، ربما.  

هل سننجو؟ أم سنتحول لمسوخ؟ هل ستثمر تلك القناعات التي آمَنَّا بها وسقيناها بعدد سنين هذا العمر؟ هل سنموت شجعانا أم جبناء من القهر؟ هل للطريق نهاية غير هذا الظلام؟ وأينه كل ذلك السراب حتى الذي كنّا نتكئ عليه؟ هل ينتصر عقلي الذي كان متأكدا يوما مّا من أنه يعرف الحق والجمال والخير أم أكتشف أنه محض وهم وهراء؟ هل سيفيدني إيماني حقا؟ هل سأكون يوما ما أريد بدون أن تتبدل روحي على الأقل؟ 


الاربعاء. ٥/٧/٢٠١٧.