في الوقت الذي يفترض على الامة العراقية؛ أن تكون قد تحررت فيه من قبضة السلطات الغاشمة والحكومات الدكتاتورية ؛ ومنزلقات الطائفية والعنصرية ايام الزمن الاغبر والوقت العصيب ، متجاوزة بذلك مراحل العنف والخوف والظلام ودوائر التعذيب الصدامية وحلقات العذاب البعثية ؛ والارتقاء من اوحال الهزيمة النفسية والتخلف والامراض النفسية والجهل والغباء والقسوة والعنف ... ؛ الى مكارم الاخلاق النبيلة , وقيم بلاد الرافدين الاصيلة , ومثل الحياة المدنية والديمقراطية , والرحمة والغيرة والحمية العراقية , وتطبيق حقوق الانسان في واقعها العملي وسلوكها اليومي ... الخ ؛ نصيب بخيبة الامل ؛ اذ من المؤسف للغاية بعد كل ما تقدم أن نرى ونسمع اليوم ما آل إليه السلوك الإنساني غير الطبيعي للبعض ، فقد صار حديث الجرائم الجنائية المقززة ولاسيما تلك التي ترتكب بحق العائلة الواحدة من قبل احد ابناءها او اقرباءها او ذويها او المسؤول عنها ؛ حديث الساعة في الإعلام والمجالس الشعبية ، إذ حظت هذه الجرائم بقدر كبير من الاهتمام ؛ من قبل رجال الصحافة والكتاب : رصدا ومتابعة و تحليلا وتفسيرا وقلقا على مصير الامة العراقية في ظل هذا الانهيار المخيف للبنية الاجتماعية والتحول الغريب في حياة الفرد والمجتمع بعد الانفتاح الكبير , وفتح الحدود , والاختلاط بمختلف الجنسيات وتوافد العمالة الاجنبية وانتشار المخدرات وتداعيات الاحتلال وزمر الارهاب وشراذم التخريب من القتلة والذباحة والفاسدين والعملاء والخونة .
لذا نشاهد ارتفاع وتيرة ارتكاب الجرائم في المناطق الطائفية والعنصرية والتي كان ابناءها يشكلون العمود الفقري للأجهزة الصدامية الاجرامية ودوائر القمع والتعذيب البعثية , والذين انخرطوا بعد سقوط نظام الاجرام , في المجاميع الارهابية والجماعات المسلحة التكفيرية , وشنوا الاف العمليات الانتحارية والاجرامية بحق ابناء الاغلبية والامة العراقية , وبعد ان فرضت الحكومات العراقية سطوتها على تلك المناطق , هرب البعض من هؤلاء بينما قتل البعض الاخر , وتم اعتقال البعض الثالث منهم ؛ الا ان الكثير منهم لا زال حرا طليقا يمارس امراضه النفسية وعقده الاجتماعية على ذويه وعائلته وجيرانه وابناء مجتمعه ؛ فهؤلاء يعيشون انحرافا اخلاقيا بحيث يترك أثرا مأساويا في الفرد نفسه ؛ فالجريمة نابعة من الرغبة المتجذرة للشر عند الإنسان المريض حين تبلغ دوافعها حدها الأقصى، إذ لا يبقى للمجرم خيار غير تنفيذ رغباته تلك بعد أن تثور شهوتها فيتعذر عليه أو على الجهات المختصة قمع جموحه ، فيكون المجرم لحظة الجريمة في حالة من التوحش والانهيار العصبي والجنون الذهني ، فاقدا إمكانية ضبط انفعالاته أو التحكم بنفسه أو التفكير في مخاطر أفعاله، أو حتى النظر إلى الصلات والروابط والعلاقات الاجتماعية بينه وبين ضحاياه؛ لهذا تجد معظم ضحايا المجرمين أقرب الناس إليهم...!! (1)
بين الحين والاخر , نسمع ونشاهد جريمة هنا او هناك , ومن هذه المدن الموصل , وقد تألمت كثيرا عندما تناهى الى سمعي وقوع جريمة مروعة , حدثت في مجمع الزهراء بسهل نينوى , اذ كشف القضاء العراقي، يوم الأربعاء 24 / 4/ 2024، جريمة قتل نفذها زوج وزوجته بحق ابنتيهما الطفلتين في محافظة نينوى ، وفقاً لمصدر أمني... ؛ وأخبر المصدر الاعلام ، بأن "القضاء العراقي اكتشف جريمة قتل تُحقق فيها شرطة نينوى في ناحية برطلة شرق الموصل ضمن مناطق سهل نينوى، والمتهمين بها رجل وزوجته"... ؛ وعن تفاصيل الحادثة، أوضح المصدر أن "الشرطة تلقت امس بلاغا من المستشفى بتسجيل حالة وفاة لطفلة بعمر ثلاث سنوات في ناحية برطلة"، مبيناً أن "الشرطة تلقت بلاغاً مشابها للعائلة ذاتها بوفاة ابنة اخرى بعمر سبع سنوات قبل خمسة ايام ادعت فيها انها توفيت"... ؛ وأضاف، أن "فريق التحقيق تولدت له قناعة بعد ورود تقرير الطب العدلي الذي أكد ان وفاة للطفلتين كانتا خنقا باستخدام (وشاح ) او (حجاب)"، مردفاً بالقول: في التحقيقات الاولية انكر الابوان ضلوعهما بالحادثة الا ان التعمق بالتحقيق وبعد مواجهتهما بالأدلة اعترفا بارتكاب الجريمتين"... ؛ وأوقف القضاء، الأبوين وفق المادة 406 من قانون العقوبات العراقي"، بحسب المصدر ...!!
وهكذا وبكل بساطة انهى هذين الابوين المجرمين حياة بنتيهما البريئتين , وليت شعري كيف استطاع هذين المجرمين ارتكاب الجريمة الاولى , ثم ارتكبا الجريمة الثانية , وكأن شيئا لم يحدث ...!!
ان هذه الجرائم والسلوكيات الشاذة حتى الوحوش والحيوانات لا تفعلها , وعليه لابد لنا من تفعيل دور الشرطة المجتمعية ومنظمات المجتمع المدني التي تعنى بحياة الاطفال , وابعاد الاطفال عن العوائل المجرمة او المصابة بالأمراض والعقد الاجتماعية الخطيرة , بالإضافة الى تفعيل الاعلام الارشادي الذي ينشر الوعي بحقوق الانسان ويحث على الانسانية بين الناس ... ؛ فضلا عن تشريع القوانين الصارمة التي تعالج هذه الجرائم والسلوكيات .
...........................................
- على هامش الجريمة الجنائية / بتصرف .