طوال سلطة الحكومات الهجينة ولاسيما في العهد الملكي ؛ وكذلك تسلط الغرباء والدخلاء الطائفيين والعنصريين فيما بعد ؛ انتشرت العشوائيات ومدن الصرائف واحياء ( التنك) في بعض مدن العراق ولاسيما بغداد ؛ فقد استقبلت بغداد ابناءها الاصلاء و المبعدين عنها قسرا وظلما ؛ شر استقبال ؛ اذ لم تهيء لهم سبل العيش الكريم ولا ظروف العمل الانساني ؛ بينما استقبلت المغول والتتار والغزاة الاتراك ومرتزقتهم وغلمانهم الاجانب , واقوام ايران المهاجرين , ورعايا الاحتلال البريطاني من الغرباء والدخلاء ؛ بالورود والاحضان ...!!
وحديثنا لهذا اليوم عن منطقة مهملة من مناطق الاهمال السياسي المقصود , وتعيش على هامش الحياة في بغداد ؛ وتقع خلف السدة و تم تشييد السدة في العام 1963 وكانت تسمى السدة الشرقية ؛ وحي ( التنك ) طارق هو منطقة تجاوز سكني فيما وراء السدة الشمالية في المحلة 573 في مقاطعة تلول السديرة رقم 17، في بلدية الصدر الأولى في قضاء الصدر أقصى شمال شرق بغداد ؛ و معنى التجاوز السكني أن صنف الأرض فيها زراعي وصار يُستعمل لغير ذلك، مساحتها 55.08 هكتار، وهي ثلاثة أقسام، حي طارق القديم جنوباً، وطارق الوسط، وطارق الشيشان شمالاً ؛و كانت أرض حي طارق مرمىً للنفايات وأنقاض البناء، وفي سنة 1975 بدأ الفقراء بالسكن فيها وبنوا بيوتهم من أنقاض البناء وغيرها ؛ وكانت تسمى بحي ( التنك) ثم سميت بحي طارق ؛ وسميت بحي (التنك) لانتشار البيوت المبنية من صفائح ( التنك) والطين , حيث كانت تعيش الالاف العوائل العراقية الاصيلة والمظلومة والمسلوب حقها في مساكن جميع غرفها من الصفائح المعدنية التي يطلق عليها بالعراق مصطلح (التنك) والمأخوذ من صفائح البانزين والزيوت التي لها علاقة بوسائل النقل وليس البشر.
وليت الامر اقتصر على هذا البلاء ؛ اذ كانت تلك المناطق المعزولة بالعزل الطائفي والعنصري والعرقي والمناطقي ؛ والمهملة والمهمشة ؛ والمليئة بالمستنقعات والأوساخ والأتربة والأطيان المحاطة بالدور بل وداخلها احيانا ... ؛ تعج بمقالب ( مقالع ) القمامة ومختلف انواع ( الزبالة ) ومعامل الطابوق سيئة الصيت , و ( كور صب الصفر – النحاس – والفافون ...الخ ) والتي تعد من اهم عوامل التلوث الصناعي والبيئي , بالإضافة الى اخراج الاطارات القديمة من المقالع في عقد التسعينات من القرن المنصرم ؛ وحرق البلاستك لاستخراج بعض المعادن , فكان المواطنون يعيشون وسط سحب الدخان و روائح الغازات المنبعثة من حرق القمامة و ( الزبالات ) والنيران الملتهبة في معامل الطابوق و ( كور الصب ) ؛ ناهيك عن انتشار الحيوانات السائبة والاهلية ؛ كالخيول وعرباتها والحمير والكلاب , و انتشار فضلاتها في كل ازقة واماكن الحي البائس وقتذاك ..!!
لقد اضطر هؤلاء العراقيون المظلومون الى العيش في هذه الاماكن الموبوءة , وفي ظروف اقتصادية قاسية وصعبة للغاية ؛ وقد نسى هؤلاء العالم وفي المقابل نساهم العالم ؛ وقبعوا في زوايا الاهمال والنسيان ؛ وفي احدى المرات ضاقوا ذرعا بالأوحال والبؤس وانعدام البنى التحتية وغياب الخدمات ؛ وتوسلوا بالسلطات البعثية والدوائر التكريتية والصدامية ؛ وارسلت لهم السلطات الغاشمة المجرم لطيف نصيف جاسم للاطلاع على معاناتهم وايجاد حلول لها ؛ و قبل مجيء المجرم البعثي لطيف نصيف جاسم ؛ امر زبانية البعث بجمع التبرعات من الاهالي البائسين و( المكاريد ) المظلومين ؛ لبناء ورسم صورة جدارية كبيرة للمجرم صدام ؛ وتم ذلك , وجاء المجرم الصدامي لطيف نصيف جاسم الى حي ( التنك) طارق , وازال الستار عن صورة صدام , وسط التصفيق الحار من قبل شراذم البعث ؛ والقى نظرة خاطفة في المكان الذي هو اشبه بالجحيم وقتذاك , و ولى هاربا , ولم يحصل الحي على اية خدمات تذكر , فلا ماء ولا كهرباء ولا مراكز صحية ولا مدارس ولا دوائر حكومية ؛ سوى صورة المجرم صدام والتي تحيط بها اكوام القمامة من كل حدب وصوب , والفرقة الحزبية الاجرامية في منطقة السدة ...!!
طوال 83 عام من الحكم الهجين والغريب والحاقد - من عام 1920 و الى 2003 - ؛ عجزت جميع الحكومات الملكية والجمهورية التي تعاقبت على العراق من توفير السكن اللائق للعراقيين الاصلاء القاطنين بهذه المناطق والاحياء ؛ أسوة ببقية الجنس البشري في دول العالم ... ؛ وهو ما يعكس سوء إدارة البلاد اقتصاديا ؛ بالإضافة الى الحقد الطائفي والعداء العنصري والاضطهاد السياسي .
وبعد زوال الطغمة الهجينة الحاقدة عام 2003 ؛ تنفس الناس الصعداء , وتغيرت الحال بالتدريج البطيء , وانتشرت بعض الفصائل والتيارات الدينية المسلحة والمتعصبة , وانتمى ابناء تلك المناطق والاحياء البائسة اليها , وجاءت بعض المنظمات الدولية ولاسيما الالمانية لإغاثة حي طارق وافتتاح محطات تحلية المياه الصالحة للشرب وغيرها من الخدمات , الا ان تلك الفصائل عارضت تلك التحركات واوقفت تلك المشاريع التنموية ؛ بحجة ارتباط تلك المنظمات بالصهيونية والماسونية ؛ علما ان اغلب هؤلاء لا يعلم حقيقة هذه الامور ولا يستطيع التمييز بين الامور البسيطة فضلا عن القضايا السياسية المعقدة ..!!
ثم انخرط ابناء تلك الفصائل في مقاومة المحتل الامريكي , والحكومات العراقية الجديدة , وسقط المئات منهم في تلك المواجهات ؛ فضلا عن ضحايا الارهاب والعمليات العسكرية والمفخخات والتفجيرات الانتحارية ؛ واستمرت الماكنة الجهنمية بإنتاج المزيد من جيوش الايتام وقوافل الارامل والعاطلين عن العمل والمرضى والمعاقين ... ؛ وارتفعت معدلات السكن في هذه المناطق والاحياء ومنها حي طارق والاحياء القريبة منه والتي انشئت بعد سقوط الصنم صدام , بسبب التهجير الطائفي والنزوح , والقتل على الهوية , وازدياد هجرة المحافظات الى بغداد , وبعد فرض القانون ولو بصورة جزئية , والاستقرار النسبي , بدأت عمليات الاعمار والتنمية في حي طارق , وتم تمليك بعض البيوت (طابو) من قبل حكومة المالكي , وبلطت بعض شوارعها ووضعت لها أرصفة بتبرعات جمعها الاهالي ؛ ثم مارست الدوائر البلدية وامانة بغداد دورهما في حي طارق , واستغل الساكنون في حي طارق ضعف الرقابة الحكومية وشقوا السدة وطمروا نهر ( شطيط ) وبنوا عليها البيوت , وانشأوا طرقا واسواقا ومدارس اهلية ... ؛ وفي بداية المنطقة هنالك محلات لبيع المواد الإنشائية؛ تُسمّى ( سكلّات ) تُسبب اختناقات مرورية , فضلا عن تطاير الاتربة والغبار .
وفي فترة الحكومات العراقية الجديدة , ولاسيما حكومة السوداني ؛ تطورت البنى التحتية في حي طارق , وارتفع المستوى المعاشي لأبناء الحي , وحظي الحي بتقديم مختلف الخدمات الحكومية ؛ بدءا بمجاري الصرف الصحي وتقديم خدمات الماء والكهرباء , وتعبيد الشوارع وتنظيم الارصفة , وإضاءة اعمدة الكهرباء العامة , وصولا الى بناء المدارس الحديثة والمراكز الصحية , وانتهاءا بوجود محطات الوقود الحديثة والمحلات الجميلة ؛ فضلا عن وجود الاف الموظفين والطلبة واصحاب الشهادات العليا والكفاءات والكسبة والعمال الماهرين ؛ وهذا ما اثار حفيظة قناة الشرقية البعثية الحاقدة , والتي رأت ان الفرق بين حي ( التنك) في عهود الحكومات الطائفية الهجينة الغابرة وبين حي طارق في العهد الجديد ؛ كالفرق بين الارض والسماء ؛ وعلى ضوء هذا الفرق انتجت مسلسل ( شلش من حي التنك ) للانتقاص من اهالي الحي الاصلاء وللتنفيس عن حقدها الطائفي والعنصري المزمن .
لكن هذا لا يعني خلو الحي من السلبيات والظواهر الشاذة والتي نتجت عن عقود القهر البعثي والظلم الصدامي ؛ فضلا عن تداعيات العمليات الارهابية وارهاصات الواقع المضطرب ؛ ومن هذه السلبيات انتشار العناصر المسيئة والتي تتدعي انتمائها لهذه الحركة وذاك الفصيل ؛ ففي يوم الاربعاء الموافق 24/ 4/ 3024 , حدثت مناوشات مسلحة بين شخصين مما ادى الى اصابة بعض المواطنين في حي طارق , بسبب احدى المقاولات .
فقد استلم احد المقاولين مشروعا من امانة بغداد , يهدف الى تعبيد فروع بعض مناطق حي طارق وصب الارصفة , بالإضافة الى اعادة مجاري الصرف الصحي و عمل ( المقرنص ) ... الخ ؛ وانجز المقاول نصف المشروع الموكل اليه , وفي هذه الاثناء خرج المدعو ( س) من احدى السجون وكان محكوما لمدة 7 سنوات , ويدعي انتماءه لاحد التيارات , وبمعية احد الاقارب (ص ) والذي ينتمي لنفس التيار , ومارسا الضغوط والتهديدات ضد المقاول , وطلبا منه تشغيل الشباب من ابناء عشيرتهم ؛ فاستجاب لهم , ولم تتوقف الضغوط عليه من قبلهما ؛ مما اضطره الى التنازل عن المشروع لهما وبصورة قانونية , وحزم حقائبه وذهب بلا رجعة , واستلم هؤلاء المشروع واكملا العمل فيه , وذهب المدعو (س) الى الامانة لاستلام باقي مبلغ المشروع , وعندما استلمه جاءه قريبه المدعو (ص) يطالبه بحصته من المبلغ , فتشاجرا وتطور الشجار الى استخدام الاسلحة والرصاص الحي ؛ مما ادى الى اصابة بعض المواطنين ومنهم احد المنتسبين للقوى الامنية ... ؛ وتوقف العمل في المشروع والناس تنتظر النتائج كالعادة .
هذا الحي عانى بما فيه الكفاية ؛ ولابد للحكومة من الضرب بيد من حديد , وتطهير الحي من العصابات والشخصيات الخارجة عن القانون , ومكافحة تجار المخدرات والقاء القبض عليهم , ومراقبة ورصد كافة التحركات المشبوهة للبعض والمرتبطة بالأعداء والخارج , وهذا الامر لا يختص بهذا الحي بل يشمل الكثير من المدن والاحياء في بغداد والجنوب والوسط والغربية .