جر الاحتلال التركي العثماني الطويل العراق الى دوامة الويلات والنكبات والازمات , بدءا بالتفريط في الأراضي العراقية التاريخية لصالح دول الجوار , والتهاون بحماية الحدود الرافدينية المعروفة ؛ ومرورا بتحويل العراق الى حاضنة للغرباء والدخلاء والاجانب والمماليك والسبايا والغلمان والمرتزقة من مختلف الاصقاع ؛ وملجأ وملاذا للمجرمين , والمطرودين ,والمهاجرين المتسولين , والزوار المتدينين القاطنين قرب المراقد الدينية ؛ ومنذ ذلك الوقت نشأت عوائل ( الچي ) وارتبط وجودها في العراق فضلا عن مصالحها بالدولة العثمانية , وبعد افول نجم الامبراطورية العثمانية ؛ بعضها انسحب مع القوات العثمانية المندحرة الى تركيا , والبعض الاخر هام على وجهه , متنقلا بين مدن وعواصم العالم , والبعض الثالث وهو الاكثر ؛ فضلوا البقاء في العراق , وغيروا القابهم وجلودهم , وتشبثوا بأذيال المحتل البريطاني ؛ فهم كانوا ولا يزالون عملاء مزدوجين لأكثر من جهة ؛ وسنلاحظ تكرار امثال هذه التصرفات من قبل هذه العوائل والشخصيات الهجينة ذات الجذور الاجنبية والاصول غير العراقية ؛ وقد تعاونت هذه الشراذم وشذاذ الفئة الهجينة مع تركيا طوال 83 عام تقريبا - 1921 / 2003 - , وقدموا للأتراك مختلف التنازلات والامتيازات ؛ بدءا بالاستيلاء على الحدود والمناطق الشمالية العراقية و مرورا بحصة تركيا من نفط كركوك ؛ وصولا للاتفاقيات والامتيازات الاقتصادية بين الجانبين والتي تصب في صالح الجانب التركي , وانتهاءا بالتدخل التركي السافر في العراق وخرق اجواء العراق والتعدي على حدوده واراضيه ؛ بحجة الاتفاقيات الامنية المبرمة مع نظام صدام ؛ لمطاردة عناصر حزب العمال الكردي .
واستمرت عمالة هؤلاء الشراذم للأتراك الى هذه اللحظة , فهم وعلى الرغم من خلافاتهم واختلافاتهم وتعدد ارتباطاتهم الخارجية واجنداتهم السياسية ؛ يجلسون جلوس الاتباع الاذلاء , مطأطؤ رؤوسهم عند ولي نعمتهم القديم الجديد , وقد وضعوا ايديهم على ارجلهم وكأنهم تلاميذ في مدرسة ابتدائية ؛ اتباعا لحركات الوفد التركي المرافق لاردوغان ؛ حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ؛ صامتون هادئون لا يتحركون ؛ كأنهم خشب مسندة ؛ وقد اختفى صراخهم وتبخرت غطرستهم ومعارضتهم , وخبا صوت وطنيتهم وقوميتهم التي طالما صدعوا رؤوسنا بها كذبا وزورا وتمثيلا وتدليسا ... ؛ ليت شعري ان كانت هذه الصورة لا تعكس مفهوم الذيول ومعنى التبعية ؛ فكيف تكون العمالة والتبعية والخيانة ؟!
لأول مرة اشاهد مضيف اشبه بالضيف ؛ ولسان حال القوم كما قال الشاعر : يا أردوغان لو زرتنا لوجدتنا ... نحن الضيوف وأنت رب المنزل ...!!
في عقر دارنا يجتمع عدونا التركي الذي طالما جرعنا غصص المشاكل والويلات والاعتداءات ؛ وصدق اسلافنا عندما قالوا : (لا يأتي الشر الا من ارض الروم - تركيا الحالية - ) بالساسة والمسؤولين والموظفين المحسوبين على العراق والطائفة السنية الكريمة ؛ وخلفه العلم التركي , وكأنهم رعايا اتراك او جالية عثمانية في عهد السلطان العثماني ؛ وان كان البعض منهم هكذا في حقيقة الامر ؛ الا انهم الان يصرخون ليل نهار: بأنهم اولاد قحطان وابناء عدنان وحماة الديار ...!!
وبما ان السياسة الخارجية قائمة على مبدأ التعامل بالمثل ؛ لعل سائل يسأل : هل يستطيع السياسي الشيعي العراقي ان يجتمع بالشيعة الاتراك ؛ او السياسي الكردي العراقي بالاكراد القاطنين في تركيا – مثلا - ؟!
وماذا لو اجتمع الرئيس الايراني بالساسة الشيعة في بغداد ؛ وبهذه الطريقة والكيفية وخلفه العلم الايراني فقط ؛ وماذا لو تزينت الكاظمية بالأعلام التركية مثلما تزينت الاعظمية بالأعلام التركية ... , هل سيسكت السنة والاكراد ؛ ام تقوم الدنيا ولا تقعد , وكيف ستكون ردة فعل الاعلام العربي والمحلي ...؟!
ومن سمح للرئيس التركي ان يتعامل مع العراق والامة العراقية ؛ بمنطق القوميات والاعراق والطوائف ؛ وهل يقبل اردوغان , قيام الحكومة العراقية بتشجيع النعرات القومية والطائفية في بلاده ؛ وان كان اردوغان يقبل بذلك ؛ فلماذا جاء للعراق للتنسيق مع العراقيين من اجل مكافحة الحراك الكردي التركي ومحاربتهم والتضييق عليهم ...؟!
ولعل ثمار هذا الاجتماع الطائفي المغلق ؛ ستظهر بعد حين , لاسيما وان تركيا لا تخفي اطماعها في الموصل وكركوك ؛ وان لم تتحرك الحكومة العراقية الان لسد كافة الثغرات الامنية والتدخلات السافرة التركية ؛ فمتى تتحرك ؛ عندما يحمد القوم السرى ...؟!