الحمد لله .. وبعد ..

فقد قرأت مقالاً لبعضهم يدور بين الجهل و الكذب وكلا الأمرين مذموم !!.

• أولاً : القول بأن جواز كشف المرأة لوجهها هو قول الجمهور كذب وجهل .

إنّ الباحث في كتب الفقهاء، والعارف بالمنهج الفقهي، يعلم أن هذا القول فيه تدليس على القراء ، حيث زعم من كتب في هذه المسألة أن القول بكشف وجه المرأة هو قول جمهور العلماء!! !

وهذا المنهج منهج بغيض، وطريقة رخيصة في الكذب في النقل، وتصّيد لشواذ أقوال الفقهاء ، ( وهذه هي طريقة الليبراليين )

وهؤلاء – ومن سار على طريقتهم - لا يفتأ الواحد منهم يكتب .. ويكذب .. ويدلس .. حتى ينقلب الباطل حقاً .. والكذب صدقاً ..

والحق أنّ الباحث في مذاهب الأئمة الأربعة يعلم – إن كان طالباً للحق – علم يقين أنّ القول بوجوب تغطية، وماعداه فهو قول ضعيف .. وأن القول بجواز كشف وجه المرأة حال وجود الفتنة وفساد الزمان هو قول شاذ فقهياً .

وإليك بعض أقوالهم، ومن خلال هذه النقول يتبين للقارئ الحصيف رأي الفقهاء في هذه المسألة .

المذهب الحنفي :

قال شمس الأئمة السرخسي، رحمه الله: حرمة النَّظر لخوف الفتنة، وخوف الفتنة في النَّظر إلى وجهها، وعامة محاسنها في وجهها أكثر منه إلى سائر الأعضاء (المبسوط 10/152)، وقال علاء الدين الحنفيُّ، رحمه الله: وتُمنع المرأة الشابَّة من كشف الوجه بين الرجال.

المذهب المالكي :

قال القاضي أبو بكر بن العربيِّ، والقرطبيُّ رحمهما الله: المرأة كلُّها عورة، بدنها وصوتها، فلا يجوز كشف ذلك إلا لضرورة أو لحاجة، كالشهادة عليها، أو داء يكون ببدنها، أو سؤالها عمَّا يعنّ ويعرض عندها. ( أحكام القرآن 3/1578)، والجامع لأحكام القرآن (14/277).

المذهب الشافعي :

قال إمام الحرمين الجوينيُّ، رحمه الله: اتفق المسلمون على منع النِّساء من الخروج سافرات الوجوه؛ لأنَّ النَّظر مظنَّة الفتنة، وهو محرك للشهوة، فاللائق بمحاسن الشرع سدُّ الباب فيه، والإعراض عن تفاصيل الأحوال، كالخلوة بالأجنبية.

(روضة الطالبين 7/24)

وقال ابن رسلان، رحمه الله: اتفق المسلمون على منع النِّساء أن يخرجن سافرات عن الوجوه، لاسيما عند كثرة الفسَّاق (عون المعبود 11/162).

المذهب الحنبلي :

قال ابن قدامة في المغني (ج1/ص349): ( ولو كان الوجه والكفان عورة لما حرم سترهما ولأن الحاجة تدعو إلى كشف الوجه للبيع والشراء والكفين للأخذ والإعطاء) .

وكذلك قاله المرداوي في "الإنصاف"(1|452): (الصّحِيحُ مِنْ الْمذْهبِ أنّ الْوجْه ليْس بِعوْرةٍ. وعليْهِ الأصْحابُ. وحكاهُ الْقاضِي إجْماعًا).

ويتَّضح مما سبق جلياً ظاهراً أن قول الجمهور هو القول بعورة وجه المرأة :

بل حكى الإجماع على تغطية المرأة وجهها أئمة يعتمد نقلهم للإجماع وهم:

1. ابن عبد البر من المالكية المغاربة.

2. والنووي من الشافعية المشارقة .

3. وابن تيمية من الحنابلة.

4. وحكى الاتفاق السهارنفوري.

5. والشيخ محمد شفيع الحنفي من الحنفية.

فهل يبقى بعد ذلك حجة لمدعٍ أن قول الجمهور خلاف ذلك ؟.

ثانياً :حقيقة من يدعي القول بجواز كشف الوجه من الكتاب ؟!

إنّ الادعاء بأن القول بعدم وجوب تغطية الوجه وأنه رأي الفقهاء الثلاثة ورواية عن أحمد! هذه أكذوبة علمية ابتدأها دعاة السفور قديماً أيام قاسم أمين ومحمد عبده وغيرهماولا يزال المحاسب احمد الغامدي يرددها إلى اليوم، والحق عكس ذلك تماماً، وهو أن رأي الجماهير هو وجوب تغطية الوجه، وأما القول بالجواز فلم ينتشر إلا بعد الاستعمار والهدف منه ليس ذات القول والخلاف الفقهي بل الهدف منه هو جعل الخلاف سلماً لتبرج المرأة وتحللها من الحجاب وستر الوجه وهو الحاصل الآن وهذا مما يجب أن ينتبه له .. فإن الذي يحصل اليوم في الإعلام والمستشفيات والمطارات والأمكان العامة ليس هو من باب الأخذ بالقول بأنه يجوز للمرأة كشف وجهها .. بل هو تبرج وسفور يدل عليه فمن قال أنه يجوز للمرأة أن تخرج متجملة وقد كشفت وجهها وشيء من شعهرها ويديها ووضعت المساحيق ؟ أبداً لم يقل بهذه أحد من الفقهاء ؟

ولهذا فقد ظهر من يدعو وينادي بالسفور عبر الصحف , والقنوات الفضائية باعتبار أن كشف الوجه مسألة خلافية، حيث نظروا في تراث الإسلام، فتتبعوا مسائل الخلاف، وأفادوا منها في تأييد وإسناد دعواهم . فكانوا – كما يقول عنهم د لطف الله خوجه – شبهاً بالمستشرقين ؟!!والفرق بينهم أن المستشرقين بحثوا، وفتشوا للطعن في الإسلام نفسه، وهؤلاء بحثوا، وفتشوا للتشكيك في أحكام مستقرة، جرى عليها العمل ، ومن ذلك : حجاب المرأة المسلمة، وبخاصة كشف الوجه !! .

ولهذا فقد ساق غير واحد من أهل العلم الاتفاق العملي في ديار المسلمين على أنّ تغطية الوجه هي الشعار المعروف بين المسلمات وأنّ السفور وكشف الوجه هو حادث بسبب الاستعمار، قال العلامة بكر أبو زيد: معلوم أن العمل المتوارث المستمر من عصر الصحابة -رضي الله عنهم- فمن بعدهم حجة شرعية يجب اتباعها، وتلقيها بالقبول، وقد جرى الإجماع العملي بالعمل المستمر المتوارث بين نساء المؤمنين على لزومهن البيوت، فلا يخرجن إلا لضرورة أو حاجة، وعلى عدم خروجهن أمام الرجال إلا متحجبات غير سافرات الوجوه، ولا حاسرات عن شيء من الأبدان، ولا متبرجات بزينة، واتفق المسلمون على هذا العمل المتلاقي مع مقاصدهم في بناء صرح العفة والطهارة والاحتشام والحياء والغيرة، فمنعوا النساء من الخروج سافرات الوجوه، حاسرات عن شيء من أبدانهن أو زينتهن.

ثالثاً :لاخلاف بين أهل العلم على استحباب تغطية المرأة وجهها.

ووجوبه حال الفتنة ؟!اتفق العلماء بلا خلاف على وجوب الستر عند خوف الفتنة من نحو الشابة الجميلة - وأنى لامرأة أن تنفي عن نفسها الجمال! - ومن يزعم أنه لا فتنه اليوم، فقد كذب.

كما لاخلاف بينهم في استحباب ستر المرأة لوجهها، وأنه هو الأفضل .

ولهذا نقول لمن أجاز كشف الوجه:

إن كنت قد اقتنعت بهذا الرأي تماما عن دين ويقين دون اتباع لهوى، فيجب عليك إذا أفتيت بهذا القول أن تقيده بما قيده العلماء المجيزون من قبلك، بأن تجعل كشف الوجه مشروطا بما يلي:

1- ألا يكون في زمن فتنة، يكثر فيه الفساق.

2- ألا تكون المرأة شابة.

3- ألا تكون المرأة فاتنة جميلة.

فهذه الشروط واجبة، لا بد من ذكرها، إذا ما أفتيت بجواز الكشف..

أما أن تقول بكشف الوجه، هكذا بإطلاق، وتنسب ذلك لأهل العلم القائلين بكشف الوجه، فهذا تدليس، فإنهم ما قالوا بجواز الكشف، هكذا بإطلاق، كما يفعل من يفتي هذا اليوم، بل قيدوه بالشروط السابقة.. فالكاتب [ ومن على منهجه ] وجدوا أقوالاً لطائفة من العلماء [ تجيز كشف الوجه ] ولا تحرمه، ولكن بشرط أمن الفتنة !! فأخذوا أقوالهم، وتركوا شروطهم ؟!! كما أخذوا قولهم بالجواز، وتركوا قولهم بالاستحباب [ وهو التغطية ] .. فهم لم يحفظوا أمانة الأداء، ولم يحرروا نسبة الأقوال، ثم زعموا أن هذا القول هو قول جمهور العلماء .

فهو دائرٌ بين الجهل بأقوال العلماء .. والكذب في نسبة الأقوال ؟!!

وثمة أمر آخر وهو أن هناك فرق بين العلماء الذي قالوا بجواز كشف الوجه مع القول باستحباب التغطية، وبين هؤلاء الكتاب .

فالعالم – كالألباني مثلاً – يقول بما أدى إليه اجتهاده وهو مأجور عليه عن شاء الله ويدل على حسن قصدهم، أنهم مريدون للحق، أنهم يبينون الأقوال الأخرى ويقيدون قولهم بأمن الفتنة، ويذكرون أن الأفضل للمرأة هو التغطية، إلا انه لايجب عليه . [ وأتحدى أيٌ من هؤلاء الكتاب أن يأتي بقول لهؤلاء الأفاضل يقول بأنّ كشف وجه المرأة يجوز مطلقاً ] .. إنهم يخشون الفساد، ويحتاطون للإعراض ..

أم هؤلاء الكتاب فلهم مقصدٌ آخر، ومنهج مدروس، وطريقة متبعة، الهدف منها ليس البحث عن الحق، بل المقصود هو حب الفساد، والتلذذ ربما بوجه الناس،والجاهل منهم يظن أنّ هذا المنهج التنوير بزعمه ..

رابعاً : قاعدة لا إنكار في مسائل الخلاف محرفة .

هذه المسألة مما أرودها الكاتب محتجاً بها على أنه لاينكر على من كشفت وجهها ؟!!

ولقد جعل هؤلاء الكتاب والليبراليين على وجه العموم من الخلاف حجة لنقض أحكام الإسلام عروة .. عروة !! [ وحجتهم أن مسائل الخلاف لا إنكار فيها ]، والصحيح أنهم أخذوا من الخلاف ما يوافق أهواءهم من الأقوال وتركوا ما يخالفها، ولم يكن لموافقة الدليل أي اعتبار عندهم .

ورداً على هذه الشبهة نقول : إن المسائل التي اختلف فيها العلماء قسمان: قسم ينكر فيها على المخالف والقسم الآخر لا يُنكر فيها،

قال الإمام ابن القيم، رحمه الله، مبيناً سبب هذا اللبس الحاصل: "وإنما أدخل هذا اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد، كما اعتقد ذلك طوائف من الناس ممن ليس لهم تحقيق في العلم". (إعلام الموقعين (3/ 300).

وللشيخ الدكتور فضل إلاهي بحث ماتع مهم في هذه المسالة (حكم الإنكار في مسائل الخلاف ص72).

يقول فيه : "إن المسألة الاجتهادية هي المسألة التي لم يثبت فيها نص صريح، والمسألة الخلافية هي المسألة التي اختلف فيها علماء الأمة، وهي على نوعين:

1-المسألة الخلافية غير الاجتهادية:

وهي المسألة التي فيها خلاف بين علماء الأمة، لكن ثبت فيها نص أو نصوص صريحة تدل على صحة أحد الأقوال فيها، ولا مجال للاجتهاد فيها حيث (لا اجتهاد مع وجود نص).

2- المسألة الخلافية الاجتهادية:

وهي المسألة التي اختلف فيها علماء الأمة، ولكن لم يثبت نص صريح يدل على صحة أحد الأقوال فيها، ومستند آراء العلماء فيها اجتهاداتهم أو اجتهادات غيرهم من العلماء.

ولكل من النوعين حكم مستقل للإنكار فيه، وذلك على الوجه التالي:

فالنوع الأول: يُنكر فيه على من خالف نصا أو نصوصا صريحة دالة على أحد الآراء في المسألة المختلف فيها.

أما النوع الثاني: فلا يُنكر فيه على أحد؛ لأن المخالف لم يخالف نصا، بل خالف اجتهاد مجتهد، واتبع اجتهاد مجتهد آخر، ولم يعرف المصيب من المخطئ في المسألة المختلف فيها. ولا ينبغي الإنكار على من خالف رأيا لم يثبت بالقطع صوابه" أ. هـ

قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله: "إن ما فيه خلاف إن كان الحكم المخالف يخالف سنةً أو إجماعاً وجب الإنكار عليه، وكذلك يجب الإنكار على العامل بهذا الحكم، وإن كانت المسألة ليس فيها سنة أو إجماع وللاجتهاد فيها مساغ فإنه لا يُنكر على المخالف" [الفتاوى (20/ 207)] أ. هـ.

والإنكار في الحجاب قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله: "وكشف النساء وجوههن بحيث يراهن الأجانب غير جائز، وعلى ولي الأمرِ الأمرُ بالمعروف والنهى عن هذا المنكر وغيره، ومن لم يرتدع فإنه يعاقب على ذلك بما يزجره" (مجموع الفتاوى 24/ 382). [ وينظر كشف الوجه للحيدان ] .

خامساً : أجمع أهل التفسير على أنّ أمر في آية الحجاب هو في تغطية الوجه ولاخلاف بينهم في ذلك ؟

مما يحتج به القائلون بجوازكشف وجه المرأة لوجهها، الخلاف بين أهل التفسير في ذلك،والأرداء الواردة عن بعض السلف، خاصة ابن عباس – رضي الله عنه – وهو من أشهر من ينقل عنه الخلاف .

والحقيقة أنّ من ينعم النظر في الروايات الواردة في هذا الباب .

سيجد أنه لا خلاف بين أهل التفسير في وجوب تغطية المرأة وجهها، وأنّ آية الحجاب دالة على ذلك وإنما الخلاف بينهم هو من باب خلاف التنوع لا أختلاف التضاد، وبينهم فرق كما هو معروف عند أهل العلم . [ وللاستزادة راجع كتاب كشف الأسرار للشيخ باللحمر فقط بسط المسألة وفقه الله ] .