1438/10/6 هـ

الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى ... أما بعد:

فلئن كان في صَنْعة البضائع مُقلِّد،

و في سَكِّ النقود مُزيِّف،

وفي علاج الأبدان مُتطبِّب،

وضررهم جميعا لا يخفى على العامي والعالم..

فإن في ساحة العلم من هو أخطر من ذلك ... إنه طويلب العلم:  المتعالم.

المتعالم: الذي يقتحم أموراً ليس من رجالها، ويلبس ثياب الكبراء متعثراً بأذيالها.

علمه وبال ، وسعيه ضلال.

يصدق فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم :

«إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جُهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا» متفق عليه.

المتعالم: لسياج الدين خارق ولحرمته هادم،

يعلو كرسي العلماء، ليخاطب الناس البلهاء،

ويقتحمُ بجهلٍ مسائل العلم والفتوى، لا يصده عن ذلك ورع ولا تقوى.

وفي الحديث :" إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر ". وصححه الالباني (الصحيحة 695)

وتراه يستطيل على منازل العلماء ويَتجنَّى، ولو طُلِب أن يقرأ سنداً من أسانيدهم لم يُحسن أن يتهجَّى!

ولا عجب أن تراه مفتياً في برنامج إعلامي، أو ضيفاً في منتدى ثقافي، بأعلى أوسمة الدرجات والفضائل، وهو - حتماً - لم يبلغ تلك المنازل.

ولا عجب أيضاً أن تجد من يحتضن عالمَ الشقاق، ويرفع له العلمَ  الخفاق، وينشر صيته في الآفاق.

وحُقَّ للشيخ بكرٍ أبو زيد أن يُحذِّر في كتابه التعالم فيقول:

" وهنا أقول بكل وضوح إن هؤلاء - وأمثالهم كثير -  على طُرق ومشارب يرفضها الإسلام، وإن في جوانبهم رماة ، وهم يُثقِّفون لهم الرماح ... ونحن الهدف". ا.هـ والتثقيف: تسوية المعوج.


إنهم حقاً آفة العلم، يُقصِّرون سُمو أهله، وامتدادَ ظله، حتى ينطوي الحق، ويمتد ظل الباطل.

وفي الاحتساب عليهم استصلاح الأديان، وهو أولى من الاحتساب في استصلاح الأموال والأبدان.

وفي ردعهم وفضحهم كفاحٌ عن بيضة الإسلام، وصيانةٌ لذويه عن التذبذب والانفصام، والتبدد والانقسام.

ورحم الله ربيعة الرأي بنَ عبد الرحمن حين قال: " ولبعض من يفتي ههنا أحق بالحبس من السُّراق".

أيها القارئ الكريم:

إن لعلماء الشريعة الربانيين صفاتٍ بها يُعرفون، وعلاماتٍ إليها الناس يهتدون..

(ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون)

عالمُ الشريعة الذي يستفتى : هو المشهور بالعلم والصدق، وَيَكُونُ مَعَ ذَلِكَ حَسَنَ الطَّرِيقَةِ، مَرَضِيَّ السِّيرَةِ، عَدْلًا فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، ظَاهر الْوَرع، مَشْهُوراً بالديانة الظَّاهِرَة والصيانة الباهرة ؛ ثِقَةً مَأْمُوناً، متنزِّهاً عَن أَسبَاب الْفسق وخوارم الْمُرُوءَة، فقيهَ النَّفس، سليمَ الذِّهْن، رصينَ الفِكر، صَحِيح التَّصَرُّف والاستنباط .

(إنما يخشى الله من عباده العلماء)

عالم الشريعة الذي يستفتى : من قد شهد له أهل العلم الكبار بالأهلية لذلك؛ كما قال الإمام مالك: " مَا أفتيتُ حَتَّى شهد لي سَبْعُونَ أَنِّي أهلٌ لذَلِك ".

عالم الشريعة الذي يستفتى : من شهدت له حلقاتُ العلم ، وكتبُهُ  ومحابرُهُ ، أنه أحدُ فرسانها، وحاملُ لوائها:

وقد جالس نعيمٌ المجمر أبا هريرة رضي الله عنه عشرين سنة.

وحضر عبد الله بن نافع مجلس الإمام مالك خمسا وثلاثين سنة.

وقال الزهري رحمه الله: " مست ركبتي ركبة سعيد بن المسيب - وهو شيخه - ثماني سنين " أي في حلقة العلم.

وكان الإمام النووي يحضر في اليوم الواحد اثني عشر درسا.

وصدق القائل:                            ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب

ولقد بليت الأمة في هذا الزمان ببعض من سبق وصفه ، ينهى الناس عن صيام ستة أيام من شوال محتجاً بضعف حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه الوارد في فضلها والمخرج في صحيح مسلم! ، وفيه يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال، كان كصيام الدهر»...

ولئن كان أهل الصنعة الحديثية في القديم والحديث قد تولوا الإجابة عن ذلك في الكتب والرسائل، وكذا في مواقع التواصل بما يسهل إيجاده ، ولكن يطول إيراده..

فإن العجب لا ينقضي من قتال أولئك لإماتة هذه السنة، ووصفها بالبدعة!

وقد مضى على عمل الناس بها قرون، وصحح القول بها الأئمة المجتهدون، ممن نور الله قلوبهم بالمعرفة، وخلق فيها تمييز الحديث بعد طول الممارسة.

 فما ضَرَّك أيها المتعالم إذا الناس صاموا بدليلٍ صححه من لا تستطيع مجاراتَهم، ولا تحسنُ السيرَ في ركابِهم؟؟

يا ويحه من واهم مغترِ

يفزع الليث بوجه الهرِ

إسفنجة جاءت لشرب البحرِ

وشمعة ضاءت لشمس الظهرِ  !!  

اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع ...

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...