أجلسُ أحياناً في ساعةٍ متأخرة من الليل كأي شاب بدأت مسؤوليات الحياة ومواقفها تأخذُ من وقتهِ القليل والكثير وتستنزفُ من صحته وعافيته الشيء الوفير أثقلته بهمومها ومتطلباتها حتى جعلته يفكر فوق مستوى تفكير سن الشباب بأشواط متقدمة أُراهن بأنها أفكار سن الخمسين لذلك عليك بسؤال الله عز وجل الحياة الطيبة والعيشة الرضية وراحة البال وذلك بشكل دائم.

تَدخل أُمي لغرفتي كعادتها وبمحاولات شتى تطلب مني أن أكف عن السهر لوقت متأخر من الليل وهي تعلم علم اليقين أن إطالة السهر ما هو إلا محاولة فاشلة للعبث بالماضي بمختلف محطاته ومواقفه إلا أن محاولاتها تبوء بالفشل وأنهي الحوار بجملة "طيب حاضر ماما نص ساعة وبنام فورا" طالباً منها إغلاقَ باب الغرفة خلفها بهدوء.

هنا ومن نافذتي التي تَطل على الشارع العام الذي بدا شبه خالٍ من المارة أُراقب وأتأمل النجوم في السماء بعلاقةٍ خاصة بيني وبينها أسألها وتجيبني أطرح أفكاري عليها وترشدني إلى الطريق الصحيح. أحاول أن أمنع نفسي من استحضار هذه الأفكار كونها أصبحت قديمة وبالية في قاموس حياتي وإيماني المطلق بأن هذه الدنيا لا تقف على ذكرى شخصٍ معين ولأنني إنسان يحب الحياة ونظرتي تتسم بالتفاؤل لمواقفها الصعبة إلا أن معاتبة النفس حاضرة في كل وقت وحين وترفض مغادرة الفكر وأشد أنواع الندم قسوة هو الندم على الثقة التي وضعناها في أشخاص لا يستحقونها ولكن أيضا أن تكون خفيف الظل على هؤلاء الأشخاص رغم الطعنات الموجهة إليك هو أمر في قمة الروعة.

ما يميزنا عن أصحاب القلوب السوداء أننا نسامح ونطوي صفحاتهم القديمة نسير في هذه الحياة باحثين عن الخير والإحسان في كل مكان أكثروا من الاستغفار فإنه يريح القلب ويزيل الاكتئاب والضيق عنكم وتمتعوا بحسن الخلق والكلمة الطيبة

هذه المواقف الصعبة والانكسارات التي تأتينا من أشخاص كانوا الشيء الكثير في حياتنا وفي تفاصيلها جعلتني أستذكرُ مقولة للدكتور ابراهيم الفقي رحمه الله وهي لا شيء يؤلم أكثر من سقوط قناع ظنناه يوماً وجهاً حقيقياً. نعم بعد مُضي يومٍ كامل من التعاملات والخوض فيها أستحضر مواقف وأناقش تفاصيل وأقومُ بإعادة جدولة بعض العلاقات بيني وبين الآخرين أُحدد علاقتي بهم ليس لشخصهم وإنما لمواقفهم معي.

أذكُر أنهُ ليس هناك موقف أو علاقة بشخص آخر إلا وبدأت بابتسامة وترحيب بهذا الشخص كتعامل أغلبيتنا مع مثل هكذا مواقف تتسم بالعفوية وتخلو من أي مصلحة أو منفعة ومن أي محسوبية أو نوايا سيئة تجاهه هذا من ناحيتي وربما أتعامل معهم كما تربيت في بيتي وكما تربيت على مبادئ والدي ووالدتي في حب واحترام الآخرين والابتعاد عن الخبث في التعامل إلا أن الواقع يفرض نفسه لا محالة.

علاقة عابرة مع هذا الشخص الذي كان في يوم من الأيام من أقرب الأشخاص بالنسبة لي وكانت تجمعنا أجمل اللحظات هو صاحب هذه الابتسامة والقلب الخبيث. وفعلاً كنا عندما نلتقي نبتسم ونشعر بالارتياح ونتبادل الحديث الشيق ونتبادل المجاملات وعبارات المزاح بالإضافة لبعض النظرات السريعة على مجموعة من الفتيات في الشارع وبعد النظر إليهن ينتابنا شعور العنفوان الشبابي الممزوج بالضحك على هذه الغريزة ونقول جملتنا الشهيرة يعني لازم كل بنت تمرق بالشارع نختمها يعني ننظر إليها نَفتح قلوبنا لبعضنا البعض ونتحدث بكل شيء عن هذه الحياة كأي شابين جمعهما القدر كأخوة والمودة والمحبة بيننا سيدة الموقف.

 

لم أكُن أعلم أن ما تُخفيه النفوس أعظم من أي شيء قد تُظهرهُ الابتسامة وإن ظاهر الأشياء يختلف عن باطنها اختلافا كلياً فأنا أتعامل بالنية الصادقة ولكن القدر جعل مني الضحية أمام كل هذه المواقف التي تبنيتها أمام هذا الصديق الذي رأيتُ فيه سنداً ورفيقاً في ممرات هذه الحياة وتأملتُ فيه خيراً ورسمتُ أجمل اللحظات المستقبلية معه متجاهلاً أن القدرَ مكتوب وأن الأحلام ستبقى أحلاماً مهما تمادينا فيها والفرق بينها وبين الواقع هو تطبيقها فعلياً وأنا أحاور نفسي هنا وأسأل أين ذلك الشخص الذي روحه تنسجم مع أرواحنا ومع صدق مشاعرنا وطيبة قلوبنا؟؟


أين ذلك الشخص الذي يبادلنا المحبة ويشاركنا هموم الدنيا وأحزانها وحتى فرحها؟؟ خسرت صديقي وينتابني شعور غريب هل ألقي باللوم على نفسي أم على ابتسامته ولطفه معي أم على قلبه الخَبيث؟ وما الفائدة من ابتسامة صفراء خارجية وقلب يملأه الخُبث؟ ما لفائدة من الوعود وتبادل عبارات المحبة والقلب يفيضُ بالغدر؟ ما الفائدة من الهدايا والورود والقلب يملأه الحسد؟ ما الفائدة منك وأنت لا تقدر الصداقة الحقيقية؟ أوقاتٌ عصيبة أفكار سلبية أوهام وقلوب مكسورة تناجي ربها حذر من أصحاب الابتسامات الصفراء والقلوب الخبيثة سبحانك ربي...

المشاعر النقية والنبيلة تدل على الطريق الصحيح في أغلب الأحيان ولكنها في أحيان أخرى تعمي البصر وما أجمل أن نمحي الذكريات السيئة ونستبدلها بالذكريات الطيبة نستعين بالله عز وجل في كل شيء نقف بقوة نتجاوز كل هذه الأزمات ونتطلع لغدٍ مشرق يتوافق مع شخصياتنا

أدركتُ متأخراً وبعد هذا العتاب والانكسار أن هذه الحياة وبعض مواقفها وبعض أشخاصها لا يؤخذون بما يظهرونه لك من المودة والمحبة وأن ابتساماتهم هذه ليست إلا أداة لتغطية ما في قلوبهم من حقد وضغينة وأن النجاح في حياتك يخلق لك أعداءً حقيقيين من أقرب الناس إليك تصديقاً لمقولة احذر عدوك مرة وصديقك ألف مرة فإن انقلب الصديق فهو أعلم بالمضرة.

ما يميزنا عن أصحاب القلوب السوداء أننا نسامح ونطوي صفحاتهم القديمة نسير في هذه الحياة باحثين عن الخير والإحسان في كل مكان أكثروا من الاستغفار فإنه يريح القلب ويزيل الاكتئاب والضيق عنكم وتمتعوا بحسن الخلق والكلمة الطيبة فهذه الكلمة شجرة مورقة إذا وقعت في القلب أحيته النوايا الطيبة وما أجملها من نوايا.


المشاعر النقية والنبيلة تدل على الطريق الصحيح في أغلب الأحيان ولكنها في أحيان أخرى تعمي البصر وما أجمل أن نمحي الذكريات السيئة ونستبدلها بالذكريات الطيبة نستعين بالله عز وجل في كل شيء نقف بقوة نتجاوز كل هذه الأزمات ونتطلع لغدٍ مشرق يتوافق مع شخصياتنا التي تميل للتفاؤل وتميل لمحبة الأخرين نعكس ما بداخلنا من حب الخير والحسابات الطيبة تخلق الأشخاص الطيبين في حياتنا...