تباينت ردود الفعل الدولية والاسلامية والعربية حول الرد الايراني على الكيان الصهيوني ؛ الا ان الجميع تفاعلوا مع الحدث بين مشكك ومهاجم ومؤيد ومناصر ؛ نعم البعض وقف على الحياد او تناولوا الموضوع بكل موضوعية وحيادية , والقسم الاول يندرج تحته صنفان : الاول : النواصب والوهابية والطائفية والبعثية والقومجية ؛ فهؤلاء اصحاب مقولة ( الفرس المجوس ..!! ) والعداء القديم المتجدد ؛ الثاني : التيارات العلمانية والليبرالية والسياسية والاعلامية المرتبطة بالسفارات والقوى الغربية والانظمة الاقليمية ؛ وهؤلاء جميعا تنطبق عليهم الآية الكريمة - من باب التشبيه والمثال ليس الا - : ((وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ )) فهؤلاء لم ولن يرضوا عن ايران ؛ وبغض النظر عن حقانيتها ؛ ما دامت ايران شيعية ولا تدور في المدار الامريكي ؛ والقارئ والمتابع الموضوعي لا يعير أية أهمية لآراء وتحليلات هذا الصنف من الناس ... ؛ وعليه لا تستغرب من اشادة هؤلاء بالصهاينة والمبالغة بالحديث عن قدرات اسرائيل العسكرية والاقتصادية والسياسية , وقلب الحقائق والوقائع رأسا على عقب , بل والوقوف مع الصهاينة ضد الفصائل الفلسطينية المقاومة والمرتبطة بالقوى السياسية الاسلامية الشيعية , وفي الوقت الذي يصرح به هؤلاء جهارا نهارا , بأن اليهود هم ابناء عمومة العرب , يباركون ذبح الشيعة العرب في العراق واليمن والبحرين ولبنان ...!! .
اما الذين فرحوا بالهجوم الايراني ضد اسرائيل وايدوه ؛ فهم اصناف عديدة ومنهم : الفلسطينيون والمسلمون والمقاومون والمجاهدون والعرب الاحرار والشعوب والشخصيات الحرة التي تكره امريكا والصهاينة .
والعجيب ان الغرب برمته اتفق وكالعادة على دعم اسرائيل ومساندتها ونصرة الصهاينة سواء كانوا مظلومين او ظالمين ؛ فقد أبدت العديد من الدول قلقها الشديد جراء الهجوم الإيراني على إسرائيل ، لكن الدول الغربية واليابان نددت بالهجوم ومن المقرر أن يجتمع قادتها لبحث الهجوم عبر الفيديو ... ؛ ففي روما قالت مصادر في مكتب رئيسة الوزراء الإيطالية إن إيطاليا دعت إلى اجتماع عبر الفيديو لقادة مجموعة السبع اليوم الأحد لبحث الهجوم الإيراني على إسرائيل ... ؛ علما ان الرد الايراني جاء نتيجة الاعتداء الاسرائيلي المخالف للاعراف والقوانين الدولية ؛ اذ تعتبر سفارة بلد ما في البلد الأخر جزءًا من التراب الوطني ؛ والاعتداء عليها اعتداء على سيادة ذلك البلد ؛ فضلا عن قتل مواطنيها , فالاعتداء على السفارات والقنصليات يعد مخالفا للمواثيق والأعراف الدولية ولاتفاق فيينا عام 1961م، والذي يكفل أمن وحماية البعثات الدبلوماسية ... ؛و المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة المتعلّق بالدفاع عن النفس، تجيز للنظام الايراني الرد على العدوان الاسرائيلي ؛ وعلى الرغم من بداهة تلك الاعراف والقوانين الدولية لم تندد الدول الغربية والدول التي تسير في الفلك الامريكي بالعدوان الصهيوني السافر على القنصلية الايرانية في دمشق ...!!
وعليه يعتبر الرد الايراني ؛ ردا ضروريا بل واخلاقيا ؛ وذلك لانسجامه مع الاعراف والقوانين الدولية , بل والمثل والقيم الاسلامية والانسانية ؛ فالمحتل الغاشم والمعتدي الظالم ان لم يجد من يردعه تمادى في ظلم الاخرين , ولعل فاجعة غزة والمجازر التي حصلت فيها من اقوى الشواهد على ذلك .
وكل الملابسات والمخاضات الدولية والمعادلات والتحديات السياسية الراهنة تشير الى حتمية المواجهة العسكرية مع ايران عاجلا ام اجلا ؛ و وفقا لما تقدم , رأت ايران ضرورة المسارعة بالرد والردع , فضلا عن الاسباب القانونية التي ذكرناه انفا .
و بعض النظر عن ملاحظات البعض فيما يخص السياسات الايرانية الخارجية ؛ وارتكاب بعض الايرانيين لأخطاء هنا او هناك ؛ يبقى الحق حقا والاخ اخا والباطل باطلا والعدو عدوا , ومن اوضح البديهيات ان المسلمين الايرانيين اقرب لنا من الصهاينة والامريكان ومن الغرب , وكذلك من الواضح ان المسلمين اخوة ينصر بعضهم بعضا , وان الصهاينة الد اعداء الامة الاسلامية والعربية وهم محتلون للقدس وسائر الاراضي الفلسطينية , ونصرة الاخ المظلوم والمسلم العربي واجب على كل مسلم , بل ان نصرة الحق ومقارعة الطغاة والمحتلين والظالمين ؛ واجبة على كل احرار وشرفاء العالم , وعليه لو اندلعت الحرب بين المسلمين الايرانيين والصهاينة ؛ فمما لا شك فيه ان جميع الشرفاء والاحرار والمسلمين والعرب سيقفون مع ايران ضد الصهاينة اعداء الانسانية .
والمتابع الحر يستغرب من اتحاد الاعداء على باطلهم ؛ وتفرق الاخوة , والتراشق بالسباب والشتائم والاتهامات فيما بينهم , فقد قال بايدن "بناءً على توجيهاتي، ومن أجل دعم الدفاع عن إسرائيل، قام الجيش الأميركي بنقل طائرات ومدمرات للدفاع الصاروخي الباليستي إلى المنطقة على مدار الأسبوع الماضي... , وبفضل عمليات الانتشار هذه والمهارة الاستثنائية التي يتمتع بها أفراد جنودنا، ساعدنا إسرائيل في إسقاط جميع الطائرات بدون طيار والصواريخ القادمة تقريبًا"... ؛ ونقل مراسلون عن مصادر أمنية إسرائيلية قولها إنه تم اعتراض نحو 100 مسيرة إيرانية بعيدا عن الحدود من قبل سلاحي الجو الأميركي والبريطاني ... ؛ و أكدت وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" أن القوات الأميركية في الشرق الأوسط اعترضت عشرات الصواريخ والطائرات المسيرة أطلقت من إيران والعراق وسوريا واليمن ... ؛ ووفقًا لمسؤولين أميركيين مطلعين على الوضع تحدثوا لشبكة "سي أن إن"، فقد اعترضت القوات الأميركية أكثر من 70 طائرة بدون طيار هجومية أحادية الاتجاه، و3 صواريخ باليستية على الأقل خلال الهجوم الإيراني على إسرائيل... ؛ وقال أحد المسؤولين إن السفن الحربية اعترضت الصواريخ الباليستية في شرق البحر الأبيض المتوسط ... ؛ قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، اليوم الأحد، إن فرنسا كانت من بين الدول المشاركة في الدفاع ضد الهجوم الإيراني على إسرائيل خلال الليل... ؛ وأضاف "تمتلك فرنسا تكنولوجيا جيدة للغاية وطائرات ورادارات، وأعلم أنهم كانوا يساهمون بعمل دوريات في المجال الجوي"، مشيرا إلى أنه ليس لديه تفاصيل دقيقة عما إذا كانت الطائرات الفرنسية قد أسقطت أيا من الصواريخ التي أطلقتها إيران... ؛ وقال سوناك: "سلاح الجوي الملكي البريطاني أسقط عددا من المُسيَّرات أثناء الهجوم الإيراني على إسرائيل"... ؛ وقال سوناك "أؤكد أن طائراتنا أسقطت عدداً من المسيّرات الإيرانية الهجومية"، مؤكدا تقارير صحفية بأن المملكة المتحدة ساعدت إسرائيل وحلفاء آخرين في إسقاط مئات المسيّرات والصواريخ التي أطلقتها إيران... ؛ و قال مصدران أمنيان إقليميان إن سلاح الجو الأردني اعترض وأسقط عشرات الطائرات المسيرة الإيرانية التي انتهكت المجال الجوي للمملكة وكانت متجهة لإسرائيل... ؛ وأضافا أن الجيش أيضا في حالة تأهب قصوى وأن أنظمة الرادار تراقب أي نشاط لطائرات مسيرة قادمة من اتجاه العراق وسوريا... الخ ؛ فقد أقرت 4 دول على الأقل ، إلى جانب إسرائيل، بأنها ساهمت في صد هجوم إيران على إسرائيل ؛ ولعل الايام القادمة ستكشف لنا المزيد من التفاصيل والدول المشاركة في الدفاع عن اسرائيل ؛ وهذا السيناريو يذكرنا بالعدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ؛ وهذا التحالف الغربي والاقليمي ضد ايران ؛ ان دل على شيء فإنما يدل على خطورة الاوضاع الاقليمية والعالمية وقوة الجمهورية الاسلامية وخطرها على اسرائيل فيما لو حدثت حرب بين الصهاينة والايرانيين من دون تدخل الغرب لصالح اسرائيل ؛ ولو كانت ايران ضعيفة كما يدعي البعض لما نسقت كل تلك القوى لمواجهة ايران التي تقاتل بمفردها .
البعض يقول ان الرد الايراني عبارة عن مسرحية مكشوفة , ودليله على ذلك , عدم وقوع خسائر كبيرة في الارواح والاموال والبنى التحتية في اسرائيل ؛ والجواب واضح مما تقدم بالإضافة الى التعتيم الاعلامي للعدو الصهيوني ؛ فقد سخرت القوى الدولية الكبرى امكانياتها العسكرية و تقنياتها الحديثة ومنظوماتها الدفاعية لصد الهجوم الايراني ؛ ومن المعلوم ان المسيرات الايرانية بطيئة الحركة , ولا تستطيع التحليق على ارتفاعات عالية , ويمكن اعتراضها بسهولة , وتستطيع اجهزة الرصد كشفها بكل يسر لأنها تطير على شكل اسراب بل ويسمع صوتها كل الناس ؛ وتحتاج عدة ساعات للوصول الى اهدافها , والمسيرات ليست صواريخ فرط صوتية , والمسافات الطويلة التي قطعتها تمر بمناطق فيها قواعد عسكرية ورادارات امريكية , لذا اطلقت ايران 185 طائرة بدون طيار "مسيرة" ؛ وقيل : اكثر من ذلك ... ؛ والعجيب في امر البعض انهم عندما يذكرون صواريخ صدام والتي لا تتجاوز ال 39 صاروخ , والتي لم تقتل صهيوني قط , والتي تسببت بدفع العراق لإسرائيل تعويضات مالية طائلة ؛ من خلالها اسرائيل استطاعة انشاء القبة الحديدية ؛ بالإضافة الى تطبيع العلاقات مع اسرائيل من قبل بعض الدول العربية ؛ يفخرون بها وينشدون بحقها الاشعار , ويؤلفون الاغاني الحماسية والاناشيد الجهادية والقومية ؛ بينما يصمون اذانهم عن سماع دوي انفجار الصواريخ والمسيرات الايرانية وصفارات الانذار الاسرائيلية ...!!
واما بخصوص موضوع توقيت الهجوم ومعرفته من قبل الصهاينة ؛ فهذا الامر لا يختلف عليه اثنان ؛ اذ باستطاعة الاقمار الصناعية والتقنيات العسكرية والعلمية الحديثة معرفة التحركات العسكرية لهذه الدولة او تلك , فضلا عن انشطة المخابرات الدولية , ولو سلمنا جدلا بالتواصل الايراني مع القوى الغربية فيما يخص الضربة الايرانية الموجهة ضد اسرائيل ؛ فهذا الامر من الطبيعي حدوثه ؛ فالعالم محكوم بعدة اعراف وقوانين وقوى عظمى ومعادلات سياسية وتوازنات دولية ومصالح مشتركة , وليس فوضى كما يظنه البعض ... الخ .
وقد اعاد الرد الايراني ثقة الامة بقدراتها , ولعله ينبئ ببداية مرحلة جديدة في المنطقة , ومن المؤكد ان اسرائيل سوف تراجع حساباتها مستقبلا ؛ فقد ولى زمن الغطرسة الصهيونية والتهور الاسرائيلي من خلال الاعتداء على الدول العربية والاسلامية فضلا عن قتل واغتيال الشخصيات بدم بارد ومن دون حساب , فها هي ايران ترد على العدوان بمثله , هذا ان لم نقل ان الرد الايراني رد على الرد الاسرائيلي ؛ فقد ضربت ايران اسرائيل مرارا وتكرارا بواسطة حلفاءها من محور المقاومة والمجاهدين الفلسطينيين ؛ وقد قيل قديما ان الوكيل كالأصيل ... .