للأسف، أنطلت علينا الشعبوية الجديدة التي تتماثل مع الكاريزماتية الناصرية في خمسينات وستينات القرن العشرين.نعم هكذا بخطابات معسولة تمكنت الشعبوية الجديدة من فرض صولتها علي أرجاء البلاد من بعد أحداث 3يوليو/تموز2013م، التي أدت بصورة صريحة إلي الأفتئات باليمين الديني (حزب الحرية والعدالة) علي مدي شهور طويلة بلا هوداة، بإدعاءات الحرب علي الإرهاب، وبترويج من وسائل الإعلام أحادية الأتجاه (الأبواق الإعلامية المؤيدة للشعبوية الجديدة) ، وبهذه المبررات والإدعاءات سالفة الذكر أرتكبت جرائم مفزعة في حق اليمين الديني، بدايةً بأحداث الحرس الجمهوري، والمنصة ، ورمسيس ، ورابعة والنهضة، ونهايةً بتوجيه الضربات الأمنية إلي التظاهرات الطلابية في الجامعات المصرية المختلفة، وأسفر عما ذكر آنفاً، سقوط العديد من الضحايا، وأعتقال الآلاف من قيادات وأعضاء اليمين الديني ( الأخوان المسلمين- السلفيين)، وفقد اليمين الديني قاعدته الجماهرية المنظمة والعريضة، وقدرته المعتاده علي الحشد، وادرجت جماعة الأخوان المسلمين علي قوائم الإرهاب.

وبدون توافق وبصورة إستئثارية تم تشكيل لجنة الخمسين مكونة من القوي المدنية لصياغة دستور جديد لتنظيم السلطات العامة في البلاد ( دستور 2014م)، بعدما تم تعطيل (دستور 2012 م)، الذي تم صياغته بصورة إستئثارية من قبل نخب اليمين الديني آنذالك الوقت.

بعد الإنتهاء من صياغة دستور 2014م، أجريت الأنتخابات الرئاسية 2014م، وتبوأت الشعبوية الجديدة رأس السلطة التنفيذية بخطاب ديماغوجي وبمساعدة وترويجات الآلة الإعلامية الشوفينية التي أضطلعت بإقناع المواطنوان والمواطنات بضرورة إنتخاب الشعبوية الجديدة، وذلك لأنها هي الأقدرعلي حفظ الأمن والقضاء علي الجماعات الإرهابية التكفيرية وحمل راية الديمقراطية والحرية والتحررمن ربقة الديون الأقتصادية وغيرها من الأمال، بيد أنه لا يشترط أن تصغ الشعبوية الجديدة برنامج إنتخابي وذلك للظروف الحرجة التي تمر بها البلاد، ودخولها حرب جديدة من حروب الجيل الرابع في سيناء قد تفوق خطورتها الحرب التي كانت محتدمة في مطلع التسعينات مع الجماعات الإسلامية الراديكالية.

بالفعل، أستطاعت الشعبوية الجديدة أن تمتطي صهوة الحكم في الدولة، بمباركة من الآلة الإعلامية المتملقة لها، ودول الخليج الأوتوقراطية، وبمباركة العديد من المصريين المشبعيين بالثقة والأمل الذي بثته فيهم الخطابات المعسولة والبروباجندا الإعلامية الموالية للدولة المصرية الجديدة علي أن هذه السلطة هي الوحيدة القادرة علي العبور بسفينة الوطن إلي بر الأمان.

بعد أعتلاء الشعبوية الجديدة السلطة، أجريت إنتخابات مجلس النواب، وحصل ائتلاف دعم مصر علي أغلبية الثلثين، وقد عكر صفو الأنتخابات، شهادة الدكتور حازم عبد العظيم، الذي أشار في أحد المنشورات الخاصة به علي صفحته علي موقع التواصل الإجتماعي (الفيسبوك)، أن قائمة دعم مصر تكونت بالتنسيق مع جهات مخباراتية، وبذالك تبين كيف تبسط السلطة التنفيذية هيمنتها علي السلطة التشريعة، وذلك من خلال ائتلاف دعم مصر الحاصل علي الأغلبية القانونية اللازمة لتمرير أي قانون بناءاً علي نصوص دستور 2014م، وبعد اكتمال منظومة الدولة، بدأت تتبلور سياسات الدولة التي ضربت جميع أمال المصريين عرض الحائط بسياسات تعصف بالحريات والعدالة الإجتماعية، ومبنية علي المشاريع القومية التي يروج لها من قبل الآلة الإعلامية آناء الليل وأطراف النهار، وإزاء هذه المشاريع، والتوظيف الخاطئ للأموال تتكبد الطبقة الوسطي مغبة هذا، وخاصة في ظل تردي الخدمات الصحية والتعليمية وأرتفاع الأسعار.

وبدلاً من أن تسعي الدولة المصرية الجديدة للتصالح مع ما تبقي من اليمين الديني المعتدل مرر قانون الإرهاب الذي اضطلع علي شرعنة الأنتهاكات في حق اليمين الديني والذي به العديد من العوار الدستورية، وبناءاً علي ذلك يتعرض نخب اليمين الديني في محبسهم علي نحو مُطرد إلي أنتهاكات متواترة لاإنسانية والتي تتمثل في الحرمان من الزيارة والعلاج وغيرها، وبذالك دحضت الشعبوية الجديدة أي فرصة للتصالح مع اليمين الديني.

وعلي منوال القمع الذي يتعرض له اليمين الديني، لحق بهم أعضاء القوي المدنية من النشطاء والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني المناوئين لسياسات الشعبوية الجديدة، وبصورة تدريجية تم إغلاق المجال العام تماماً من خلال السطوة الأمنية المُحكمة التي فرضتها الشعبوية الجديدة علي منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، وذلك من خلال قانون الجمعيات الأهلية الذي مرر في نوفمبر/تشرين الثاني2016م، وأصدر في يونيه/آيار2017م، وبهذه الإجراءات التي نفذتها الشعبوية الجديدة تمكنت من حصار المجتمع المدني بصورة مُحكمة.

في ظل الحصار المفروض علي المجتمع المدني، تتزايد العمليات الإرهابية وعجزت الشعبوية الجديدة باستراتيجيتها الأمنية القائمة علي الحل الأمني فقط من اجتثثاث الجماعات الإرهابية بل يتساقط بصورة مستمرة علي إثر هذه العمليات الدموية التي تضطلع بها هذه الجماعات العديد من المصريين والمصريات، ورغم أستمرار الإرهاب في ممارسة غايته المجنونة من سفك الدماء، لم تعترف الشعبوية الجديدة بفشل استراتيجيتها الأمنية، ولم تقر بأن قراراتها البيروقراطية بمبررات شوفينية لن تجدي شئ علي الأطلاق، ولم تسعي إلي البحث عن حلول جديدة تلك الحلول التي لن تأتي إلي عن طريق فتح باب المناقشات للمثقفيين والمفكريين، ومجابهة الإرهاب فكر بفكر، وتخويل الشباب فرصة للتعبير عن رأيه بدون تعقب من قبل الأجهزة الأمنية.