وجع البعاد
قصة قصيرة
بقلم : حسن غريب أحمد
__________________________________
قالت له ذات يوم : ولدى لا تغادر .. أنت جسر البيت .. نظر إلى الأفواه الجائعة فى الخارج .. كانت حبات المطر ترسم شكلاً ما فوق النافذة .. المدفأة تصدر شخيراً مخيفاً .. كأنها تنذر بالكارثة .. كان صوت المغنية يصدح فى كافة أنحاء الغرفة الوحيدة " خليك هنا وبلاش تسافر " هذه الأغنية أصابته فى مقـتل حاول أن يتجاهل الموضوع .. أطفأ المذياع .. أدار مفتاح التلفاز محاولاً صرف إهتمامه إلى موضوع آخر " أستاذ محمود فى بداية ندوتنا هذه .. هل لك أن تحدثنا عن أخطار الهجرة على الشباب وبالتالى على أهلهم ومجتمعهم ؟
فى الحقيقة لهجرة الشباب أخطار جمة وخطيرة أبرزها " .. أطفأ التلفاز ، أمسك الجريدة عسى أن يفلح فى معركته مع الذاكرة والنسيان .. قلب صفحاتها .. " بلغ عدد المغتربين حتى أواخر العام الفائت " طوى الجريدة .. مزقها .. ولكن يا إلهى لا فائدة .. قال فى سره : " شئ ما يلاحقه بدون أرجل بدون أيد بدون " .. أحب أن يشغل نفسه بشئ أى شئ غسل الصحون مثلاً .. أمى كانت تضع الصابون أولاً ثم تمسك بالليفة هكذا .. أهٍ يا إلهى .. عدت للذاكرة من جديد .. كان طيفها يلاحقه أينما اتـجه .. رأسه تكاد تنفجر .. حبة واحدة فقط تسكب الذاكرة وينتهى الأمر .. لكن العلم لم يتوصل بعد .. فتح الخزانة بحث فيها عن شئ أى شئ يبعده عن المدينة وذكرياتها ( ألبوم الصور مثلاً .. لا .. لا .. إنه جامع الذكريات ) .. نظر إلى المفكرة لعلها تنفع .. قلب أوراقها .. بتاريخ السادس من الشهر الثامن عام 1983 قدمت لى أمى دراجة عادية بمناسبة حصولى على الشهادة الإعدادية .. فى الثامن من الشهر التاسع عام 1986 كانت الفرحة الكبرى بشهادة معهد المعلمين .. فى التاسع من الشهر الثالث من عام 1990 كان اللقاء الأول مع سلوى يومها قال لها " أحبك " .. قالت : وأنا أحبك أكثر .. إبق إلى جانبى .. قال : والله .. ثم إنـسالت دمعة تحت الجفون .. بتاريخ الخامس من الشهر السابع عام 1991 .. غادر المدينة قالت له : " ولدى لا تغادر وأنت جسر البيت " .. شئ ما لمع تحت الجفون .. نظر إلى الأفواه الجائعة .. حمل الحقيبة ومضى .
بصوت خافت حدث نفسه : " آه يا لهذه الليلة الملعونة " .. كل شئ يتجه بى نحو المدينة .. حبة واحدة فقط تمحو الذاكرة .. أوى إلى فراشه حاول ، ولكن لم يستطع أن ينام .. أفكار غريبة داعبت مخيلته .. أنفاسه أخذت تضيق .. شئ ما يطبق على صدره .. لعن الحياة أستغفر الله .. اطمأن قليلاً غسل وجهه .. إنشرح صدره شيئاً فشيئاً .. إستسلم لاغفاءة دامت حتى الصباح .. فى الصباح " أستاذ حسان .. أستاذ حسان .. فتح الباب مذعوراً .. ( عفواً أستاذ ) .. وقع لاستلامه البرقية " برقية " خير إن شاء اللله .. تفضل .. " بسم الله الرحمن الرحيم "
أخى العزيز/.. أمك إنتقلت إلى رحمة الله تعالى .. إحضر حالاً .. أغرورقت عيناه بدمعة لم يستطع كبحها ثم توالت الذكريات *