سألت السعادة يوماً أين هو موطنك فابتسمت لى وقالت فى حنوٍ أنا أستوطن القلوب وما إن تضيق على أرحل، جميعنا يبحث عن الشعور بالسعادة، ذلك الشعور القادر على مناجاة أرواحنا بلغة خاصة لا تشبه أي لغة أخرى، لغة تعبث في دواخلنا المتهالكة محاولةً استرجاع بسمة او ضحكة أودعها الحزن والألم فى طي النسيان، حرمتنا من القدرة على استخراج مشاعرنا الجميلة من أعماقنا، جعلتنا نسعد فقط بتعذيب أنفسنا واضطهادها حتى كره الفرح جوارنا فحمل حقائبه ورحل بعيداً.

الشعور بالسعادة أمر مشترك بيننا جميعا، لكن أحياناً بعض الناس يفقدون الإستمتاع به، بالإستسلام لتشويش عقولهم بألم الماضى وذكرياته المرة، أو بالقلق على المستقبل والخوف من مفاجآته، التى تعتبر بالنسبة إليهم مجهولاً يقض مضاجعهم ليحرمهم من التمتع بحاضرهم كما هو، لذلك نجد بعض الأشخاص يجهلون معنى السعادة الحقيقية رغم أنهم قادرون على صنعها بأيديهم، إلا أن إحساسهم بالضياع فى أغلب الأحيان يحول هذا الشعور الرقيق اللطيف لحلمٍ أقرب بكابوسٍ يؤرقهم ويمنعهم من استحضاره فى أصغر التفاصيل وأبسطها.

ولكل واحد منا نظرة مختلفة للأشياء التي تمنحنا هذا الشعور الساحر، لكن الغريب حقاً أن كثيراً منا ما يرجع الفضل للمال في سعادتنا ويعتبره السر الحقيقى والمفتاح الأساسى لها، لدرجة أننا قد نستثنى أشياء أخرى مهمة بإمكانها أن تصنع لنا سعادة حقيقية يبقى أثرها محفورا فى ذاكرة الأيام، تفكيرنا بهذه الطريقة لا يعني أبداً أن المال ليس أمراً ضروريا وأننا لا نحتاج إليه مطلقاً، بل على العكس تماما نحن لا يمكننا الاستغناء عنه أو استثناؤه من قائمة الأشياء التي تجلب لنا السعادة، فهو مصدر راحتنا واكتفائنا، وتجاهلنا لهذا السبب المهم يحولنا إلى أشخاص حالمين يعيشون حياة وهمية خيالية لا تمد للواقع بصلة، إيماننا التام بأن المال حاجة ملحة وضرورية لكن عدم اقتصار سعادتنا عليه وحده، يجعلنا نبحث بشغف عن أشياء أخرى تلامس أرواحنا المتعطشة للفرح والتي تنتظر لحظة تحرر من الألم الذي ألّم بها فحرمنا من التمتع بأشياء بسيطة لم نكن لننتبه لها أبداً.

ومقاييس السعادة تختلف وتتغير من شخص لآخر، فما نراه نحن مصدراً مهماً للسعادة والفرح قد يراه الآخرون مصدراً للشقاء والحزن والألم، لذا لابد لنا من أن نقتنع بأن ما يسعد غيرنا ليس بالضرورة أن يسعدنا والعكس صحيح، فلكل شخص منا احتياجات معينة من السعادة تشبه إلى حد كبير طبيعته وتوجهه الفكري، محاولاً تلخيص كل ما يريده من هذا الإحساس المتناقض بقائمة تحتوي على الجوانب المادية والجوانب المعنوية، وخاصة تلك الأشياء التي تمتاز ببساطة جوهرها وبقدرتها على خلق حالة استثنائية من الفرح.

صحيح قد يكون أولئك الأشخاص الذين ينظرون إلى السعادة من هذه الزاوية قليلون، لكنهم بالطبع يقدرون جيداً قيمة الأشياء ومعناها الحقيقي الذي يعطينا دفعة كبيرة من الأمل والتفاؤل، فنحن أحياناً نسعد بابتسامة طفل كان لنا الفضل فى رسمها على ملامحه البريئة، أو بسماع دعوة صادقة نابعة من قلوب محبة تتمنى لنا الخير بلا مقابل، أو بلحظات حب نعيشها مع من أحببناهم وأحبونا، لحظات جميلة تجعل أرواحنا تترقب لقاءنا بهم بشوق ولهفة ، وحتى إن رحلوا عنا وغادرونا نبقى على أمل اللقاء بهم مرة أخرى، أمل يتجدد باستمرار كلما ذكرناهم وافتقدناهم.

تلك اللحظات من السعادة التى تتسلل إلى دواخلنا بين الحين والآخر فتغير من ملامحنا وسلوكنا، تفتح أعيننا على أركان فى الحياة لم نعتد أن نراها، تصيب قلوبنا بلذة لا مثيل لها، لذة تسري بسرعة التيار الكهربائي في الجسد فتعيد له الحياة تماماً كما يفعل الأطباء لإسعاف المرضى.