من ثمار العهد الجديد والنظام الديمقراطي ؛ اتاحة الحريات العامة والخاصة للمواطنين وعلى اختلاف مستوياتهم الثقافية واعمارهم وبغض النظر عن توجهاتهم الدينية والسياسية , وكان من المفروض استخدام تلك الحريات والتي من ضمنها حرية التعبير عن الرأي وتكلم المرء بما يحب وتصريحه بما يهوى ... ؛ بما لا يتعارض مع القانون والذوق العام , وبما لا يتقاطع مع العلم والمنطق والواقع والسيرة العقلانية , وان يتصف بالواقعية والصدق والموضوعية والمسؤولية الوطنية والانسانية ؛ وان يبتعد قدر الامكان عن الكذب والدجل والتدليس والابتذال والخداع والنصب والاحتيال والغلو والمبالغة , وان لا يتسبب بنشر الجهل والتخلف والتعصب والارهاب والتخريب والعنصرية والبعثية والفاشية والرؤى الدكتاتورية والطائفية والتكفيرية ... الخ .
والحكمة ان تضع الشيء في موضعه , واذا زاد الشيء عن حده انقلب إلى ضده – كما قيل قديما - ؛ فالتوازن مطلوب في الحياة العامة والخاصة , وبسبب حرمان العراقيين من الحريات في زمن حكومات الفئة الهجينة والطائفية والعنصرية ولاسيما الحكومة البعثية الغاشمة ؛ والذي تسبب بالكبت المزمن وبإسكات الصوت العراقي ؛ وبما ان الكبت يولد الانفجار , صدمنا بعد سقوط صنم الدكتاتورية والكبت والقمع عام 2003 ؛ بكثرة التصريحات والتعليقات والمنشورات والشعارات , حتى اصبنا بالتخمة وصار البعض يهرف بما لا يعرف , والاخر ( يخوط بصف الاستكان) والثالث يضرب اخماس في اسداس ... الخ ... ؛ و بالتالي، صار المجتمع العراقي في الآونة الاخيرة منفتحا على مختلف الثقافات المتصارعة والمحتويات الهابطة والرؤى المتضاربة ، متعطشا للتنوع و كسر الروتين والرتابة والخروج عن المألوف , والخطابة والثرثرة والكلام والكتابة بمختلف أشكالها ، فقد خرج من عنق زجاجة الحزب الواحد والقائد الواحد والاعلام المركزي الواحد الضيقة ؛ الى فضاءات الاعلام الرقمي الواسعة .
وبالغ الساسة والمسؤولون والكتاب والاعلاميون ورجال الدين والمشاهير باللقاءات المرئية والمسموعة والصحفية والتغريدات , واتسموا بإصدار التصريحات والمقاطع النارية والغريبة وغير المنضبطة والتي هي اشبه بمقاطع ( الاكشن) السينمائية , طمعا ب ( الطشة ) وغيرها , واضحت هذه الظاهرة هي الحاكمة على كافة مفاصل المشهد العراقي السياسي والديني والثقافي والاعلامي والاجتماعي ؛ وقد وصل البعض الى درجة الثرثرة و(اللغوة) المملة ؛ لكثرة ظهوره الاعلامي ؛ اذ اندفعوا بالمجاملات والتصريحات والتغريدات , وخاضوا في شتى المجالات والمواضيع , وتكلموا في امور اكبر من حجمهم ومستواهم المعرفي والثقافي ؛ واصدروا احكام وقرارات في مواضيع لم يدرسوها بشكل عميق , اذ تكلموا في التاريخ والسياسة والأنثروبولوجيا والسيكولوجيا والسيسيولوجيا ... الخ ؛ ولم يتركوا باب الا وطرقوه ولا درب الا و ولجوه , مع قلة البضاعة وكثرة الاضاعة كما قيل قديما ... ؛ مما دفع بالبعض الى كره الاعلام وبغض الصحافة وعدم تصديق الساسة والمسؤولين والاعلاميين , واضحت المقولة الشهيرة ( كلام جرايد ) واقعا معاشا .
و افتراءات الشخصيات الهجينة والطائفية والبعثية والصدامية والارهابية ؛ فيما يخص العراق والاغلبية والامة العراقية والشؤون العامة والسياسية والتاريخ ؛ اضحت معروفة مكشوفة وهي اشهر من نار على علم - و الما يشوف بالغربيل العمى بعينه - ؛ وكذلك تصريحات ومسرحيات دونية الشيعة و(غمان وثولان ) ومرتزقة الاغلبية وسقط المتاع ؛ والتي تحاول تزييف التاريخ وقلب الامور رأسا على عقب , وتبييض صفحات الحكومات الهجينة والطائفية والبعثية , وتبرئة السفاح صدام و زبانيته من كل الجرائم والمجازر الرهيبة ؛ كالدوني طارق حرب و اسماعيل الوائلي وغيث التميمي , و الهجين فائق دعبول المرندي وحسن العلوي و اياد علاوي ؛ وباقي شلة النطيحة والمتردية المشبوهة والمرتزقة المنكوسة ؛ الا انني دهشت وانا اشاهد برنامج ذاكرة الخوف من قناة وطن الفضائية ؛ في لقاء جمع القاضي منير حداد والاعلامي قصي شفيق ؛ فقد صرح القاضي منير حداد والذي احسن الظن به , بأن البعثي لا يقتل من يحب الموت انما يقتل من يحب الحياة , وجاء تصريحه هذا , في معرض حديثه عن شجاعته وعدم خوفه من البعثيين الذين لو ارادوا قتله لقتلوه الا انهم تركوه لأنه يحب الموت ولا يخشاه - كما صرح بذلك في البرنامج - ؛ وتصريحه هذا يتضمن نظرية جديدة في عالم السياسة الا وهي عدم اقدام المجرمين البعثيين على قتل من يحب الموت ... ؛ الا ان القاضي منير حداد وفي لقاء اعلامي اخر / في قناة الرابعة TV الفضائية , تكلم عن مخاوفه فيما يخص اغتياله المتوقع وبانه لا يخاف القتل او الاستشهاد ؛ وعندما سأله الاعلامي على يد من تستشهد ؛ فأجاب منير حداد : على يد اسوء خلق الله ؛ فقال الاعلامي له ومن هم : فقال لا ادري على يد البعثية او المنحرفين من الشيعة او الناصبية ...!! .
وها هو القاضي منير حداد وقع في التناقض والتهافت ؛ فمن باب يرى ان البعثي السافل لا يقتل من يحب الموت , وهو يحب الموت وبالتالي , المفروض بالبعثية وحسب نظرية منير حداد عدم اغتياله الا انه قال في لقاء قناة الرابعة الفضائية , انه يخاف من اغتياله على يد القتلة البعثية او الذباحة الناصبية ..!!
واني لأعجب ان يصدر هذا الكلام من القاضي منير , وهو من المختصين بمحاكمة ازلام النظام ومن ضحاياه ؛ فالمفروض به ان يكون من اكثر الناس معرفة بحقيقة المجرمين البعثية والجلادين الصدامية , فمن منا لا يعرف ان البعثيين الصداميين متعتهم المفضلة و وسيلتهم الوحيدة في ادارة الدولة ؛ القتل والقتل فقط , والقتل من اجل القتل لا من اجل شيء اخر ؛ فقد قتلوا كل شيء في العراق ؛ بدء من الرضع والاطفال , مرورا بالصبايا والمراهقين والشباب , وصولا الى قتل الرجال والابطال , وانتهاء بقتل المرضى والمعاقين وكبار السن والعجزة ؛ ومن منا لا يعرف ان هواية البعثي وسمة الصدامي قتل الشجعان العراقيين والابطال الوطنيين والغيارى المجاهدين من الذين لا يخافون الموت ؛ بل لعل قتل هؤلاء يعتبر اولوية من اوليات الحكم البعثي التكريتي الصدامي ؛ وصدق البعثي السابق عبد الجبار محسن عندما قال : ( صدام لا يحب الشخصيات القوية ولا يطيقها ) ؛ فقد جاء البعث وصدام من اجل قتل الابطال والشجعان والكفاءات من الذين لا يهابون الموت ؛ كالشهيد محمد الصدر والشهيد عبد العزيز البدري , وشهداء الانتفاضة العراقية الخالدة وغيرهم .