بسم الله الرحمن الرحيم  وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد واله وصحبه واخوانه وحزبه


مقدمة : 
مع اشتعال الأزمة الخليجية القطرية  وقبلها زيارة ترامب للسعودية ورجوعه بالملايير ارتفعت أصوات بعض الغاضبين على طغيان ال سعود تنادي بمقاطعة 
الحج والعمرة نكاية في آل سعود فوجدتني مدفوعا الى البحث في الموضوع تعلما لأمور الدين وتعليما  ودفاعا عن المسجد الحرام وحثا على زيارته وتشويقا  وتعظيما لشعائر الله التماسا لتقوى القلوب سيما في هذا الشهر المبارك الكريم سائلا المولى السداد  والصواب .


دعوات البعض لمقاطعة الحج والعمرة وان حسنت النية وخلص القصد خطرٌ جسيم  يفتل في عمل الطغاة المستكبرين الذين يريدون تمزيق الأمة كل ممزق وابعادها عن كل ما يجمع كلمتها ويوحد صفها  والحج من ذلك . 
قال تعالى في سورة الحج : 
"إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي  جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ۚ "


أولا : في رحاب السيرة : 
اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة القضاء عام سبع للهجرة  وطاف بالبيت وحوله أكثر من ثلاثمائة صنم يومها كان البيت في قبضة قريش ولم يمنعه ذاك أن يعتمر .
وقبل الهجرة كان يصلي في المسجد الحرام فيهدده أبو جهل ويتوعده .
وحج أبو بكر رضي الله عنه بالناس سنة تسع وان كانت حجته بعد الفتح وتكسير الأصنام إلا أن المشركين كانوا لا يزالون يطوفون بالبيت عراة  قبل أن تنزل براءة فتمنعهم .  ولولا الوفود الذين كان يستقبلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عامه ذاك "عام الوفود " لحج بالناس هو نفسه صلى الله عليه وسلم .


ثانيا : الحجة الثانية لا الأولى :


هكذا قال المقاطعون لما استشعروا خطورة الدعوة ولما انتبهوا أن الحج ركن من أركان الاسلام . قالوا انما نقاطع الحج والعمرة الثانية وما بعدها أما الأولى فلا حديث عنها وزادوا على ذلك فقالوا ان أموال العمرات أولى بها بطون الجياع . 
قلت : جوعة القلوب أشد من جوعة البطون ولا يشبع القلوب الا النظر في بيت الله والطواف به كما جاء في تفسير قوله تعالى : "وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا "


قال العوفي ، عن ابن عباس : قوله تعالى : ( وإذ جعلنا البيت مثابة للناس  ) يقول : لا يقضون منه وطرا  ، يأتونه ، ثم يرجعون إلى أهليهم ، ثم يعودون إليه . ابن كثير
قال الأوزاعي حدثنيعبدة بن أبي لبابة ، في قوله تعالى : ( وإذ جعلنا البيت مثابة للناس  ) قال  : لا ينصرف عنه منصرف وهو يرى أنه قد قضى منه وطرا . 
يقول الشعراوي رحمه الله
{وَإِذْ جَعَلْنَا البيت مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً}.. تأمل كلمة البيت وكلمة مثابة.. بيت مأخوذ من البيتوته وهو المأوى الذي تأوى إليه وتسكن فيه وتستريح وتكون فيه زوجتك وأولادك.. ولذلك سميت الكعبة بيتا لأنها هي المكان الذي يستريح إليه كل خلق الله.. ومثابة يعني مرجعا تذهب إليه وتعود.. ولذلك فإن الذي يذهب إلى بيت الله الحرام مرة يحب أن يرجع مرات ومرات.. 
قلت : أما الجياع فإن أموالا أخرى أولى بسد جوعتهم لا أموال العمرات . تحدث عن أموال الكماليات في الطعام والشراب واللباس . تحدث عن أموال اللهو والسهو واللغو . تحدث عن الأموال المنهوبة والثروات المنكوبة تحدث عن كذا وكذا


ثالثا : تكرار الحج والعمرة  :
أسوق هنا نماذج من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله ونماذج من فعل صحابته رضوان الله عليهم وفعل الصالحين من بعدهم من هذه الأمة :


عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر في ذي القعدة، إلا التي اعتمر مع حجته، عمرته من الحديبية، ومن العام المقبل، ومن الجعرانة، حيث قسم غنائم حنين، وعمرة مع حجته. رواه البخاري ومسلم.


في حديث أبي هريرة قَالَ: سمعت رسول الله يقول: "مَنْ حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه"رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه
قلت : وهذا أدعى لمن حج ورجع كيوم ولدته أمه أن يعود للحج كل مرة فان الذنوب نجترحها بالليل والنهار .


وعن أبي هريرة  أن رسول الله  قَالَ: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" رواه مالك والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه. 
وهذا الحديث صريح فصيح في الحث على تكرار العمرة فهل من محيص .


وقال أبو غالب: قَالَ لي ابنُ عباس -رضي الله عنهما-: " أَدْمِن الاختلافَ إلى هذا البيت، فإنك إنْ أدمنتَ الاختلافَ إلى هذا البيت؛ لقيتَ الله  وأنت خفيف الظهر" .


ثم انظر كيف كان الصحابة رضوان الله عليهم يرون الحج والعمرة من ضرورات الحياة تأمل معي كلام أمير المؤمنين عمر الحريص على مال المسلمين المقتصد فيه رضي الله عنه  : 
قام رجل إلى عمر بن الخطاب فقال ما يحل لك من هذا المال فقال ما أصلحني وأصلح عيالي بالمعروف وحلة الشتاء
وحلة الصيف وراحلة عمر للحج والعمرة ودابة في حوائجه وجهاده. ( تاريخ الأمم والرسل والملوك للطبري)
لو كفته الحجة التي حجها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هل كان ليأخذ من مال المسلمين راحلة للحج والعمرة ثم انظر كيف عدها مع ضرورات الطعام واللباس .


جاء في عمدة القاري لشرح البخاري :  " وأما الْأسود فَهُوَ ابْن يزِيد بن قيس النَّخعِيّ خَال إِبْرَاهِيم أدْرك زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يره مَاتَ سنة خمس وَسبعين بِالْكُوفَةِ سَافر ثَمَانِينَ حجَّة وَعمرَة وَلم يجمع بَينهمَا وَكَذَا ابْنه عبد الرَّحْمَن بن الْأسود سَافر ثَمَانِينَ حجَّة وَعمرَة وَلم يجمع بَينهمَا ".


وقال ابنُ شوذب: "شهدتُ جنازة طاوس بمكة سنة ست ومائة، فسمعتهم يقولون: رحمك الله يا أبا عبد الرحمن! حَجَّ أربعين حجة"  (العلل ومعرفة الرجال.) 


عن بن عيينة قال: حججتُ مع عمي سفيان آخر حجة حجَّها سنة سبع وتسعين ومائة، فلمَّا كنا بجمع وصلى استلقى على فراشه ثم قَالَ: قد وافيتُ هذا الموضعَ سبعين عامًا، أقولُ في كلّ سنة: اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا المكان، وإني قد استحييتُ مِنَ الله من كثرة ما أسأله ذلك. فرجع فتوفي في السنة الداخلة يوم السبت أول يوم من رجب سنة ثمانٍ وتسعين ومائة، ودُفن بالحجون.. وتوفي وهو ابن إحدى وتسعين سنة .( الطبقات الكبرى).


والحمد لله رب العالمين