بسم الله الرحمان الرحيم وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد واله وصحبه واخوانه وحزبه
مقدمة :
كانت غزوة بدر الكبرى فرقانا بين الحق والباطل وظلت نورا يهتدي المسلمون بهداها كلما حلت ذكراها و كلما حن المستضعفون الى النصر المبين وشمر المؤمنون العاملون للجهاد في سبيل الله جهادا يستلهم الدروس من غزوة بدر الكبرى ويتبع المنهاج النبوي لا يطغى أو يضل . كانت غزوة بدر باعثة الأمل في نفوس المؤمنين تبشرهم أن نصر الله قريب وأن الفرج مع الصبر وأن مع العسر يسرا وتعلمهم أنه " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله " وأن المدبر الله والفاعل الله والوكيل الله والنصير الله بيد أنه لا بد من الأسباب يجتهد المؤمنون في تحصيلها واتقانها وضبطها تعبدا لله تعالى واحسانا .وتعلمنا دروسا كثيرة نقف مع بعضها :
أولا: في سبيل الله والمستضعفين :
إن أول غزوة في الاسلام وأعظمها كانت نصرة للمستضعفين من المهاجرين لإرجاع حقوقهم المسلوبة وأموالهم المنهوبة فان خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من أجل اعتراض قافلة قريش القادمة من الشام جزاء وفاقا على استيلائهم على أموال المهاجرين بل وبيوتهم أيضا . لا فاصل في ديننا بين الجهاد في سبيل الله والجهاد نصرة للمستضعفين فإن هذا من ذاك
قال تعالى : " وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا " ( سورة النساء 75 )
بل يكون تكذيبا بالدين خذلانُ الضعفاء والأيتام والمساكين وعدم الدفاع عن حقوقهم والحض على طعامهم كما تعلمنا سورة الدين . وتعلمنا أن إقام الصلاة وايتاء الماعون دين من الدين كما هو الجهاد في رمضان دين أيضا من الدين . هنا اندمج العدل في الاحسان .
فلا يفترين أحد على الله وعلى دينه ممن ينهون الناس عن المطالبة السلمية بحقوقهم وممن يخونون كل من رفض الظلم وممن يرددون الكلمة السيف "فتنة " ينعتون بها كل احتجاج سلمي .
ثانيا : " قل كل من عند الله :
في سورة الأنفال التي تحدثت عن غزوة بدر ينسب المولى عز وجل كل أفعال المعركة إليه سبحانه بدءا من الخروج " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق " الى النعاس " اذ يغشيكم النعاس أمنة منه " فالمطر " وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به " فتعليمه الملائكة كيفية القتال " فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان " . الى القتل والرمي " فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ".
لم تذكر السورة تضحيات الصحابة رضوان الله عليهم ولا شجاعة المقداد ولارأي الحباب ولا إقدام سعد . مجهوداتهم عبادة لا ينبغي أن تنسي المعبود سبحانه صاحب الفضل والمنة . هو من وفقهم واختارهم وثبتهم . تلك هي التربية القرآنية النبوية التي متى تزكينا بها فزنا ونزل من عند الله النصر والفتح المبين .
بين غزوة بدر وغزوة حنين الدرس البليغ . يوم كان العدد قليلا والاستعداد ضئيلا كان هذا الحال أدعى للدعاء والالحاح والتوكل على الله والتبرؤ من كل حول إلا من حوله وقوته عز وجل " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة "( آل عمران 124)
" وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ .(التوبة 25)
" أعجبتكم " الإعجاب بالكثرة أو القوة أو الفهم أو الحيلة أو غيرها من الأسباب المطلوبة شرعا يكون من القواصم إلا أن يتدارك المولى عز وجل بتوبة كما تدارك الصحابة رضوان الله عليهم .
ثالثا : الاستكبار ملة واحدة :
كدأب آل فرعون يعاند المستكبرون الحق فيخيب سعيهم " وخاب كل جبار عنيد " . فرعون رأى المعجزات الباهرات فعاند واستكبر ودخل البحر دون أدنى تفكير أو تردد. وما أشبه موقف فرعون بموقف أبي جهل فبعد نجاة القافلة كان الأعقل أن يعودوا لكنه صم وعمي فقال : والله لا نرجع حتى نرد بدرا، فنقيم عليها ثلاثا، ننحر الجزور، ونطعم الطعام، ونسقى الخمر، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب . وكذلك المستكبرون في كل زمان يكون عنادهم سبب هلاكهم .
صفة أخرى يجتمع عليها المستكبرون هي سعيهم الحثيث الى استئصال الحق والقضاء على أهله لا يؤخرهم عن ذلك إلا " رهط المؤمنين " قال تعالى : " كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة " ( التوبة 8 ) . لذلك لن تكون إلا سذاجة قاتلة إن توهم المسلمون أن الأعداء تاركوهم فلم يأخذوا الحذر ولم يعدوا القوة المطلوبة شرعا .
رابعا : ثم تكون خلافة على منهاج النبوة :
إن الذي وعد الصحابة يوم بدر بإحدى الطائفتين فوفى الوعد سبحانه بأعظم الطائفتين وأنفعها هو من وعد المؤمنين بالاستخلاف والتمكين
وإن رسوله صلى الله عليه وسلم الذي خط لهم مصرع فلان ومصرع فلان من المشركين ليلة المعركة وصدق في بشارته هو الذي وعد الأمة بالخلافة الراشدة على منهاج النبوة بعد ملك العض والجبر . وصدق الله ورسوله والحمد لله رب العالمين