كل نظرة تدل على طباع حاملها. 
والى أين اتجه .

كمحام أتفهم هذه العبارة ودوافعها، فالمحامي من خلال الممارسة التي يرى فيها مختلف الخصومات والنزاعات بين البشر، يلامس أقبح مكامن النفس البشرية التي قد تخفى على من يمارس مهنة أخرى،

 فهو يرى في موكليه أو في خصومهم، مهما حاولوا إخفاء ذلك، خصال الطمع، الحقد، الكره، العسف، البغض، الجشع، الكيد، القسوة، الجبروت....الخ. فالخصومة والنزاعات بين الناس تفضح عيوب الأنفس، والمحامي الذي يعالج قضية شرعية، يرى الكيد والبغض والكره في النفوس، وكثيراً ما تناهى لمسامع محامي الزوج في قضية مهر: (خذه أنت يا أستاذ ولا تأخذه هي!)، ومن يعالج نزاع على مال أو تركة، يرى شهوة المال، الطمع، الجشع. 
 وبالمقابل لا نغفل أيضاً وجود من يتمتع بأخلاق عالية، وسجايا رفيعة، في خصومة أكره عليها أو فُرضت عليه.

وفي الواقع يلمس المحامي هذه الخصال أكثر من القاضي الذي يحكم بالقضية، لأنه محيط بتفاصيل النزاع، وعلى معرفة بخلفياته وما تفرع عنه من قضايا أخرى، أكثر بكثير مما دوّن في الأوراق المبرزة بين يدي القاضي في ملف الدعوى.

((المحامون بحكم صناعتهم من أكثر الناس اطلاعاً على ما يصطرع بين الأفراد من تنافس وتعاون وتقارب وتباعد، بل وما يصطرع في بعض الأحيان بين الجماعات والجماعات، والمحامون بهذا من أكثر الناس اطلاعاً على ما في المجتمعات الكبيرة والصغيرة من نوازع إلى الحب أو الكره، ومن أكثرهم تعمقاً في معرفة ما في هذه المجتمعات من جموح وهدوء، وقرب إلى الحق والعدالة أو بعد عنها))

بينما الطبيب الذي يتعامل مع المرضى معتلي الصحة، فيرى من النفس البشرية الضعف والوهن وربما اليأس. والمدرّس يرى من طالب العلم، الحاجة، الرغبة، الطموح.

وهكذا كلٌ منّا يرى البشر ومن خلفهم المجتمع بأكمله من زاوية المهنة التي يزاولها.
 فهل تسمح هذه الزاوية مهما اتسعت برؤية المجتمع بكامله والحكم عليه وتكوين قناعات راسخة من خلالها؟؟

أنا لا أعتقد ذلك.
 البشر أكثر تعقيداً، والمجتمع أكثر تركيباً مما نراه أو نلمسه، وكثيراً ما أظهر الحاقد أو الجَشِعُ الذي كان يصول ويجول بالمحكمة، مواقف مذهلة في الإنسانية خارج دار القضاء.
 النفس خليط من الخير والشر، ومن ذا الذي يستطيع معرفة نسبة هذا من ذاك؟؟ والإنسان فُطِرَ على إخفاء القبح وإظهار الجمال، ولا أحد يعرف حقيقة الخلق غير الخالق.