المدرب الذي أعطا لكرة القدم المتعة والتكتيك الجميل ليكون عامل من تطور كرة القدم، اريغو ساكي من بائع أحذية إلى مدرب عظيم أثر في كرة القدم .
قبل تولي ساكي تدريب ميلان، كانت خطة 3-5-2 السائدة في العالم، منتخبات ألمانيا، الأرجنتين، فرنسا لعبت بليبرو صريح من أجل اعطاء حرية أكبر للنجوم الكبار أمثال مارادونا وبلايتيني بينما في الكالشيو، ظلت الطريقة الدفاعية الشهيرة كاتانتشيو هي السائدة والتي تعتمد علي اضافة لاعب دفاعي من أجل الزيادة العددية والتغطية السليمة .
فلسفة ساكي في جماعية اللعبة، الفرد أقل من الفريق، والنظام يجب أن يتحكم في كل جوانب النادي الناجح كان أريجو يقوم بعمل أشياء غريبة في تدريبات ميلان، فريق مكون من خمس لاعبين " أربع مدافعين وحارس " لكنه منظم، ومنافسه فريق مكون من عشر لاعبين غير منظمين، ويلعبان ضد بعضهما لمدة نصف ساعة، وكانت النهاية دائما لصالح التكتيك المنظم ضد العشوائية المدعمة بمهارات فردية خاصة .
نسف ساكي جميع التابوهات الموجودة في عصره، لا لعب بالليبرو ولا أداء دفاعي بحت، بدأ بطريقة 4-4-2 لكن مع ضغط غير طبيعي ونجاعة هجومية فعالة، Pressing Game عند الهجوم، حامل الكرة يجد خمس لاعبين معه للمساندة بالاضافة الي ظهيري الجنب، الفريق يهاجم ويدافع كـ كتلة واحدة .
اعتمدت فلفسة ساكي علي ضرورة فهم اللاعب لتكتيك وسيستم الفريق بشكل كامل وليس مركزه فقط، أي أن لاعب الميلان يجب عليه معرفة كل كبيرة وصغيرة تخص الخطوط الثلاثة للفريق سواء كان مدافع أو مهاجم أو لاعب وسط وبالتالي كانت مطالبته لفرق الناشئين بضرورة تعليم اللاعب الصغير الجوانب الفنية والتكتيكية في كل جوانب كرة القدم .
أسلوب قضي تماما علي الكلاسيكية الانجليزية التي تعتمد علي التخصص الشديد في الخطط، كل لاعب يعلم مهام مركزه فقط ولا شأن له بأي مركز اخر، اختلاف الميلان في قدرة لاعبيه علي التكيف مع أي تغيير داخل الملعب، المرونة التكتيكية التي تجعل مدافع مثل ريكارد يتألق كلاعب وسط، ووسط مثل خوليت يجد نفسه في الهجوم .
الكرة الشاملة الهولندية البرشلونية في السبعينات التي أبهرت العالم باللعب الهجومي الممتع والتمريرات المتقنة مع القوة الدفاعية الايطالية التي فازت بكأس العالم أكثر من مرة عن طريق الدفاع أولا وبعده الهجوم، هدف ساكي مع ميلان الوصول الي أسلوب أداء يدمج بين تلك الطريقتين في اللعب، الاغلاق الدفاعي الكامل مع تقديم كرة هجومية سريعة وجديدة .
لكي يستطيع ساكي تطبيق فلسفته الخاصة، كان يجب عليه تحويل الفريق الي كتلة واحدة، الفارق بين اول مدافع واخر مهاجم في الملعب كان 25 متر فقط، أي أن فان باستن يبتعد عن باريزي بمسافة لا تزيد عن 30 متر بحد أقصي لا فرق بين الدفاع والهجوم، الميلان يلعب بنظام الرجل الواحد، والمفارقة أن هذا الرجل هو الفريق بأكمله وليس لاعب بعينه .
الـ High Defensive Line المكون من باريزي، كوستاكورتا، مالديني، تاسوستي رباعي خلفي يعتبر الأكثر صلابة في تاريخ الكرة الحديث لا يوجد بين الرباعي لاعب سريع لكنهم بارعون جدا في عملية الرقابة الفردية والتغطية والضغط من منتصف الملعب أي أن الميلان لم يكن دفاعه من أمام خط الـ 18 بل من دائرة المنتصف .
ثنائي الارتكاز، ريكارد وكارلو أنشيلوتي، لا يوجد بينهم لاعب دفاعي واخر هجومي، بل الثنائي يتحرك في وقت واحد بالتناسق والتكامل، Double Pivot ثنائي محوري يهاجمان ويدافعان خلال المباراة دونادوني لاعب الجناح الذي يتحرك علي الخط بينما كولمبو الجناح الذي يميل الي عمق الوسط، خوليت وأمامه فان باستن، لاعب متحرك لا يكل ولا يمل، والاخر هداف قاتل لا يرحم أمام المرمي .
للوصول الي هذا المستوي العظيم، تدرب لاعبو الميلان تحت قيادة ساكي كثيرا حتي أصبحوا قادرين علي فهم أفكاره وتطبيقها داخل الملعب، يضم الميلان نجوم عظام كفان باستن مثلا لكن تبقي النجومية للفريق ككل، يشارك كل لاعب أثناء التدريبات في أكثر من مكان لكي يفهم جيدا خبايا مراكز الخطة وليس فقط المركز الذي يلعب فيه .
أسلوب شبيه الي ما قام به البارسا وبالتحديد في مدرسة لا ماسيا، جميع اللاعبين من الدفاع الي الهجوم يقومون بتدريبات مشتركة بالكرة، الهدف منها الوصول الي 11 لاعب قادرين علي تدوير الكرة اثناء الضغط، والنتيجة مشاهدة التيكي تاكا في أعظم صورة لها الكرة تتناقل بكل أريحية وهدوء من فالديس الي الدفاع ثم الوسط وأخيرا الهجوم هيمنة أي فريق تكمن في طغيان الجانب الجماعي علي القدرة الفردية مهما بلغت عظمتها .
أبهر ساكي العالم بفكرة عبقرية جديدة عرفت باسم الـ Shadow Football أو كرة الأشباح، بعد أن أوضحنا فكرة الايطالي في تعليم كل لاعب بالفريق كل الجوانب التكتيكية لكل مركز، ابتكر العبقري أسلوب تدريبي جديد للاعبي ميلان يعتمد علي التدريب بدون كرة !
ينزل اللاعبون الي أرض الملعب، يخبرهم ساكي بوجود كرة " خيالية " في مكان ما بالملعب، يبدأ كل الفريق بالتحرك تجاه الكرة، يراقب أريجو من خارج الملعب تحركات كل لاعب وكيفية تمركز كل خط سواء بالدفاع أو الوسط أو الهجوم، في تعاملهم مع اللعبة .
الكرة الوهمية في منطقة أمام مربع العمليات أو ما يعرف باسم خط الـ 18، ينطلق الدفاع بشكل معين تجاهها بينما يحاول الهجوم استغلال مكانها في المباغتة، يقف ساكي في الخارج، يشاهد ردة فعل كل جانب ويسجل ملاحظاته ويعيد الكرة في مكان اخر، هكذا حتي النهاية، ويعقد اجتماعات مستمرة مع اللاعبين من أجل توصيل ما يريده منهم .
قبل أحد المباريات الهامة، ذهب أحد كشافي الفريق المنافس لحضور تدريبات ميلان، شاهد التدريب كاملا وعند رجوعه الي ناديه، أخبر المدير الفني أنه شاهد مباراة كاملة، يشارك فيها 11 لاعب ضد 11، لكن المفاجئة، أنهم لعبوا بدون كرة، انهم مجموعة من الأشباح !
شكل الفريق داخل الملعب كما بالصورة، ضغط غير طبيعي علي الخصم بكل شبر ممكن، رباعي دفاعي يطبق الرقابة الصيقة والدفاع المتقدم، مع ثنائي الوسط الذي يربط بين خطوط الفريق الثلاثة، بينما هجوميا، لاعبي الأطراف يقدمان الاضافة المطلوبة للثنائي رود خوليت اللاعب الحر وماركو فان باستن المهاجم الهداف .
في عام 1989، واجه الميلان ريال مدريد في قبل نهائي بطولة أوروبا، فاز عليه ايابا بخماسية نظيفة ثم لعب في النهائي أمام ستيوا بوخارست وهزمه بأربعة أهداف دون مقابل، الفريق الايطالي يتحرك داخل الملعب في ظل نظام تكتيكي محكم ومتكامل، لا مساحات ولا نقاط ضعف، تحققت سطوة الميلان نتيجة عدم السماح للفريق الخصم بحرية الحركة، الضغط ثم الضغط ثم الضغط حتي الاختناق الكامل .
حاولت فرق عديدة تطبيق فكر ميلان ساكي فيما بعد، مورينيو مع بورتو وكلوب دورتموند، نجحت هذه الفرق في تحقيق بطولات لكن بقيت العلامة الفارقة والبرستيج التاريخي لفريق الميلان، حيث أنه كان يدافع ويهاجم بنفس القوة، واستطاع أن ينجح وسط عمالقة الثمانينات .
الميلان نجح أثناء وجود مارادونا مع نابولي، الكتيبة الألمانية في انتر ميلان، برشلونة ما بعد تيري فينابلز، والريال وبطولاته، مع كل ذلك، وصل أريجو ساكي الي قمة المجد الكروي .
الموضوع كان طويل جداً اتمني انه قد نالت إعجابكم .