ورد إليّ السؤال التالي على حسابي على آسك : https://ask.fm/Alghazimh
يقول : "نفسي ادعي الرب فيستجيب نفسي ، ولكن لا حياة لمن تنادي"
 وطال الجواب عنه - كالعادة - ، فنشرته هنا :

بسم الله الحق المبين.. 
 أتمنى الآن ، أن تكون أكثر هدوءًا واتزانا من ساعة أرسلت السؤال ، وقد تعمدت تأخير الإجابة عنه طويلًا ، حتى يزول الأثر النفسي الذي دفعك له ، لتكون أكثر قبولًا لكلامي وفهمًا له..

(1)
عن الحجة العاطفية. 
ـــ
 أعيذك بالله ، ثم أعيذك من نفسك ، أن تنكر وجود الله بسبب حجة جمعت إلى كونها عاطفية أنها حجة شخصية غير موضوعية! 
كيف ذلك؟ 
 أما كونها عاطفية ، فلأنها انفعال عقابي وليست تأسيسًا عقلانيا لنفي وجود رب العالمين ، أنت دعوت الله ولم يستجب لك ، لقد رفضك - على هذا الافتراض يعني - ما دخل هذا بوجوده؟ 
 لو أثبتت الأدلة العقلانية وجوده ، فاستجابته لدعائك من عدم استجابته ليس شيئًا مؤثرًا في قضية وجوده ، أليس كذلك؟ 
أما كونها شخصية ، فلأنها ببساطة يمكن الرد عليها كالتالي : "وأنا دعوت الله تعالى وكم استجاب لي!" 
 هل هذا كفيل بإنهاء المسألة؟ ، لقد قلت أنك دعوته ولم يستجب ، وأنا دعوته واستجاب، وكما هو معلوم فإن "المثبت مقدّم على النافي" وهنا ينتهي الأمر تمامًا ، لقد دعوته وتيقنت تمامًا انه موجود - لو كانت حجتك تلك صحيحة! -

فأعيذك بالله الحق ، أن تؤسس إيمانك أو عدم إيمانك على حجة عاطفية لا تثبت للمنطق العقلاني ، ثم هي تجربة شخصية لا يسلم لك فيها كثير ممن استجاب الله دعائهم!

(2)
يا سيّدي! [عن ماهية الدعاء]
ـــ
دعنا نضع الأمور الآن في نصابها إذن .. ما هو الدعاء؟ 
 الدعاء هو طلب من شخص يتصف بـ : الفقر التام ، والقدرة المحدودة في تسيير الحوادث من حوله والتحكم فيها ، والعلم المحدود بما حوله من أمور ، والجهل التام بما يجد في المستقبل من أمور أخر ، والأنانية المفرطة إذ يرى نفسه الأحق بالخير كله دونًا عن العالمين أو على الأقل : ليس مهمًا ما جناه الآخرون ، المهم هو ما أنا عليه.. 
هذا الكائن ، يدعو من؟ ، يطلب من من؟! 
من ربٍ خالق ، كامل القدرة ، كامل العلم ، بيده مقاليد كل شيء ، وعنده خزائن كل شيء من النعم. 
 السؤال : كيف يكون إذًا سؤال هذا الشخص بالغ الضعف ، لهذا الرب بالغ القدرة؟

دعني أقرب لك الأمر بمثال : أنت الآن تقف أمام رئيس البلدية ، يمكن لهذا الشخص حسب سلطاته أن يصرف لك مكافأة شهرية تقدر بكذا وكذا من الدولارات ، ثم إنه قادر على منحك شقة للسكن الدائم في أفخر المناطق التي تقع تحت سيادته ، ثم إنه قد يصطفيك من حاشيته فتكون قريبًا من مواقع السلطة.. 
 حدثني بالله عليك : كيف يكون تقرّبك إليه؟ ، ورجاؤك له؟ ، كيف تطلب منه؟ ، وكيف تحس لو رفض؟ ، طيب لو أعطاك المكافأة الشهرية فقط ثم ترك الباقي ورفضه ، كيف تشعر؟ بالنبل والامتنان! ، أليس كذلك؟

سأسألك سؤالًا واضحًا وصريحًا : هل عاملت الله يومًا - يومًا ما - بمثل ما كنت ستعامل به هذا العبد؟ 
أنا أعرف الإجابة مسبقًا للأسف!
 لكننا يا عزيزي ننسى! ، ننسى كيف نعامل الله في السرّاء ونبارزه يوميًا بالمعاصي، وننساه طول حياتنا ، ثم إذا حلّت بنا مصيبة أو كارثة قلنا : يا الله! 
 ثم نلومه إذا لم يستجب!

والله يعبّر عنّا إذ يقول : "فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ ۚ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ"

ما أجحد الإنسان!!

(3)
يا منتهى أملي! [عن علم الله وحكمته] 
ــــ
ثم دعنا نضع الأمور في نصابها مرة أخرى! 
 لو سألنا رجلًا على فراش الموت وهو يحتضر : كم مفترق طرق في حياتك اتخذت فيه أصوب قرار ممكن ، القرار الذي لا تشوبه نسبة خطأ ، ولا يحتمل التحوّل المفاجئ في المسار الذي اتخذته ، ومحسوب الاحتمالات تمامًا ، ومعروف العواقب تمامًا ، الطريق الكامل؟
لكانت إجابته : صفر .. وصفرٌ كبير! 
 كلنا جربنا أن نمر بمفترقات طرق ، أن يكون لدينا خياران أحلاهما مرّ ، أن نختار الأقل ألمًا ، لا الأكثر حلاوة! 
 كلنا اختبرنا جهلنا الحصري عندما يتعلق الأمر بما لا نعرفه ، واختبرنا قلقنا المفرط عندما يتعلق الأمر بمستقبلنا المجهول ، لقد جربناها تمامًا!

لكن عند الدعاء ، الوضع يختلف ، نحن نقول لله : هذا الطريق هو الوحيد الأفضل ، الذي أدعوك يا رب أن تحققه هو أفضل اختيار ممكن ، حققه لي وإلا! 
 وننسى مرة أخرى!

وكأننا فتحنا مغاليق الغيب ونظرنا منها ، فرأينا نهاية ما اخترناه في الدعاء ، ثم رأينا نتائجه ، ثم نطالب الله - الذي يعلم كل هذا ، ويملك كل هذا حقًا - أنه يحققه لنا ، وإلا!!

نحن ، الذين نحتار يوميًا في طبق بسيط من الطعام نختاره على المائدة لأن رغباتنا غير محدودة بينما إمكانياتنا الذهنية والنفسية ، والجسمانية - بما في ذلك مساحة المعدة - كل ذلك محدود فقير! 
ونحتار في أي وسيلة مواصلات هي الأنسب لنا. 
 هذا الجهل الكامل ، والحكمة الضئيلة ، يختفي كل ذلك تمامًا عندما نطلب من الله أن يستجيب! نكون واثقين تمامًا من اختياراتنا لانفسنا.

ولو تخيلنا عن غرورنا لاكتشفنا ، أنه وربما ليس كل ما نظنه خيرًا هو خير ، وليس كل ما نظنه شرًا هو شر.
 ربما لو تفحصنا جهلنا ، وقلة حيلتنا ، لتذكرنا أن حكمة الله وعلمه أولى بأن نسلم لها حياتنا من رغباتنا التي لا تنتهي ، وأحلامنا التي كانت في الطفولة مجرد لعبة أو دمية ، ثم صارت مدرسة متفوقين ، ثم صارت كلية قمة ، ثم وظيفة مرموقة وحياة صحية! 
 وفي كل مرة نعتقد أن هذه هي أصفى متع الحياة!

ننسى أن الدمية التي كدنا نموت كمدًا عليها ونحن صغار ، صارت الآن في نظرنا مجرد لعبة تافهة لا قيمة لها ، بينما صارت الورقة النقدية التي كنا ننظر لها ونحن صغار على أنها شيء مهمل هي أهم متطلباتنا.. 
ننسى! ، ننسى كيف يتغير تفكيرنا ، وكيف تزداد معلوماتنا! 
ننسى لحظة الكشف عن أسرار الطريق! ، ننسى! 
ننسى كيف أن الصديق الذي كنّا نظنه خيرًا لنا طول حياتنا ، صار ألد أعدائنا! 
 ننسى تقلب الإنسان ، وجهله ، وفهمه المحدود للزمن ، ولطبيعة النمو ، وللنعمة!

ذكرني هذا بحادثة الإفك ، وما جرى فيها ، تخيل أنت أنك متهم الآن في قضية لا تملك أي دليل براءة فيها! ، دليلك الوحيد ، هو أن يشهد لك رب العالمين ، فقط! 
وتنتظر هذه الشهادة ، ولا تأتي! 
تدعوا بها ليل نهار ، ولا تأتيك! 
لو كانت عائشة رضي الله عنها تفكر كما تفكر ، لما بقيت في الإسلام لحظة! 
 لكن ، نزل قول الله : "إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ"
 لا تحسبوه شرًا لكم ، بل هو خيرٌ لكم!

ما أجهل الإنسان!!

(4)
أرباح مجانية! [عن ما نكتسبه من الدعاء]
ــــ 
تعرف قصة الصبي والحلاق؟ 
 كان هناك صبي يتردد على حلاق يوميًا ، وفي كل يوم ، يقوم الحلاق بوضع جنيه في يد ، وربع جنيه في الأخرى ، فإذا أقبل عليه الصبى ، قال لزبائنه : سأثبت لكم أن هذا أغبى طفل في العالم! ، ويأمره بأن يختار اليد التي فيها العملة ذات القيمة الأكبر ، وفي كل مرة ، يختار الصبي اليد التي تحمل الربع جنيه! ، فيقول : رأيتم؟ ، إنه أغبى طفل في العالم! 
 وبينما يخرج أحد الزبائن إذ رأي الطفل ممسكًا بآيس كريم ، فسأله : لماذا تأخذ الربع جنيه في كل مرة؟ ، ليجيبه : لأنه حينما آخذ الجنيه ، ستنتهي اللعبة!

بعضنا يعجز عن هذا المنطق البسيط ، السهل جدًا ، مثل الحلاق ، يعمى عن النظر عن الأرباح الهائلة التي يمكن أن يجنيها بمجرد الدعاء ، حتى لو لم يتحقق. 
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "الدعاء هو العبادة"! 
ماذا يعني هذا؟ 
 يعني أن الدعاء وحده يحوز على مكاسب هائلة من الحسنات! ، هو وحده ، فعل الدعاء نفسه! ، أن تقول : يارب! 
إنه يعني : أن يحبك الله! ، وأن لا يغضب عليك! 
إنه يعني : أن تكون مألوف الصوت في السماء! ، يقال : هذا صوت فلان ، دائمًا ما يرفع حاجاته إلينا! 
إنه يعني : أنك غير عاجز! 
 إنه يعني : أنك تتصل يوميًا برب العالمين!!

لو عرضت عليك هذه المكاسب ، وقلت لك : لن تستجاب دعوتك ، لكنك ستحصل كل هذه المكاسب ، أليست أرباحًا هائلة؟ ، وفوق ذلك : مجانية! ، أنت في كل الاحوال ستدعوا!! 
أليست صفقة رابحة؟! 
ولكننا نعمى عن الحقائق أحيانًا! 
 وصدق رسول الله إذ يقول: "وأعجز الناس من عجز عن الدعاء"

ما أعجز الإنسان!!

(5)
آلامنا التي لن تنتهي [عن حقيقة الابتلاء]
ــــ
تعرف الطفل الصغير عندما يصيبه الهلع من ذكر شكة الحقنة؟ 
لماذا يصيبه هذا الهلع؟ 
لأنه ببساطة لا يفهم ثنائية الصحة والمرض ، والراحة والألم ، إنه يفكر في "الآن" و "هنا" 
بالنسبة له ، ملامسة الحقنة لجلده هي أقسى ألم من الممكن تذوقه لطفل صغير! 
مرارة الدواء الذي تعطيه له أمه باستمرار تمثل له حالة من الألم غير المبرر ولا المفهوم! 
لماذا يفعلون بي هذا؟! ، لماذا يعذبونني كل هذا العذاب؟ 
 أهلي أشرار سيئون! ، هذا هو ما ينحصر فيه تفكيره وقتها!

لكن الأمر لا يقتصر على الأطفال عندما يتعلق الأمر بالله ، نحن تمامًا لا نفهم ثنائية الألم والراحة أيضًا إذا ما تعلق الأمر بالبلاء! 
 نكفر بالله فور أن يصيبنا قدر مؤلم من أقداره! ، كالطفل الصغير ينكر فضل والديه يوم أن يمسكاه للطبيب ليعطيه الحقنة! ، أو يضعان له الدواء شديد المرارة في فمه الصغير!

لكن الفارق : أن الطفل ينمو ليفهم أن المرض ألم أشد من ألم الدواء ، ويفهم أن الصحة ليست شيئًا مسلمًا به ، بل الإنسان يمرض عادة وهو أضعف من أن يظل صحيحًا طول الوقت.. 
ولذا يتجرع مرارة الدواء وقلبه بارد بها ، بل يطلبه ، ويبذل فيه أمواله!! 
 لقد بدأ يفهم!

لكننا لا نفهم أحيانًا ، ونصر أن الله ابتلانا ليعذبنا ، وفي الحكمة : "يا مسكين! ، ما ابتلاك ليعذبك ، ولكن ليهذبك!" 
نفهم ثنائية المرض والصحة تمامًا ، ولكن لا نفهم ثنائية البلاء والثواب! 
 ننظر تحت أعيننا ، حرفيًا "هنا" و"الآن" ، نريد كل شيء هنا ، في الحياة الدنيا ، والله يقول : إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب!! 
 هناك حيث لا ميزان إلا الأعمال ، تجد كفة سيئاتك تطيش! ، فتسأل ، فيقال لك : ابتليت بكذا فصبرت! ، تعبت في حياتك فجوزيت! 
فرحة كاملة في دار الخلود! ، ولكنكم تستعجلون! 
 وفي الحديث : "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه"

لو فهمنا حقًا ثنائية البلاء والثواب ، لكنّا أكثر صبرًا كما نصبر على الدواء ، ولكنا أكثر قربًا من الله الذي يهبنا كل هذه الحسنات بشيء لم نطلبه ، بل فقط ابتلينا به رغمًا عنّا!

ولكن : "بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ، وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى"

ما أحمق الإنسان!!

(6)
ولن نحصيها [عن النعم التي ننساها]
ــ
السائل غالب شاب/ة في العشرينات أو اقترب منها ، والإنسان سمي إنسانًا من النسيان! 
لكن هل تذكر؟ 
هل تذكر مثلًا أنك حتى اللحظة ، سليم معافى البدن وغيرك لزم سرير المرض في نفس السن!؟
 هل تذكر مثلًا أنك الآن ، الآن ، تجلس على "شبكة الإنترنت" التي لا يملكها إلا ربع سكان الكوكب ، وأنت "شبعان" ويموت سنويًا من الجوع من 4 - 5 ملايين!! 
 أنت الآن لك عين تقرأ هذا الكلام ، وغيرك ابتلاه الله بفقدها! ، الآن ، يداك تحركان الكلام نزولًا وصعودًا وغيرك مشلول الحركة! 
 أنت الآن ، والآن فقط ، قادر على قراءة كلام طويل متتابع كهذا ، وغيرك قد ابتلاه الله بمرض أدى إلى نقص في تركيزه لا يستطيع أن ينظر في أي من الأجهزة الحديثة لمدة تزيد عن ربع الساعة!
أنت الآن ، وهنا ، بلغك الله رمضان ، وقبض غيرك قبله! 
أنت الآن ، وفي التوّ واللحظة ، بلغت من عمرك ما بلغت بأقل الخسائر الممكنة! 
 هل تحب أن أذكرك بالموقف الصعب الذي رأيته وأنت صغير في الابتدائية ثم الآن صار ذكرى تضحك عليها؟ 
هل تحب أن أذكرك بالنعم التي كانت وأنت ابن 8 سنين ، لا تفهم معنى الحياة بعد وحفظك الله بحفظه؟ 
هل ، وهل ، وهل؟! 
وأنا أكتب هذا الكلام ، كتب الدكتور مهاب السعيد :
 "نتجاوز في كل يوم مراحل جديدة من الجرأة على الله. نقطع بسرعة تلك المسافات نحو حدود سياج الإيمان البعيدة. نقف على عتبات الكبائر ونتساءل ترى إلى أي حد هي لذيذة؟ وبعد ما نشبع من الخطايا نقول: توبة. ونعلم ويعلم الله أنها ليست توبة، نحن فقط غير جائعين الآن. 
 تلين مبادؤنا وتقسو قلوبنا، ننسى خطايانا ولن ننسى أبدًا ما نراه من أفضالنا، تتضخم الأنا ويضعف الضمير، نصبح أسرع غضبًا، أسهل استسلامًا، أبرد حماسًا للخير. 
نعامل الله بما هو أسوأ في كل يوم. 
 يرزقنا الله بالنعم في خفاء فنتساءل هل هذه النعم من الله فعلًا؟ أنا لا أراه. يرزقنا الله بالنعم في كثرة فنتساءل هل يعطينا الله النعم فعلًا أم أنها كانت في حياتنا دائمًا؟ يرزقنا الله بالنعم في لحظات الحاجة، فنأخذ حاجتنا، وقلّما نقول يا رب شكرًا. يرزقنا الله بالنعم في لحظات العصيان، فنتقوّى بها على المعصية. ثم لا نقول يا رب عذرًا. 
 يسترنا الله في الذنب فنصبح أكثر اطمئنانًا في المرة القادمة. يحسّن الله سيرتنا وسط الناس فنستمع إلى مدحهم ونزداد غرورًا. يعلمنا الله بعد جهل فنسكت برهة، وننطر للناس خلسة، ونقول في أنفسنا: نحن أعلى منهم وأجل!
 يستمع الله لكل ذلك فيأمر ملائكته أن يمهلونا. وبعد أن يزداد ما نحن فيه من السوء يلهم ملائكته أن استغفروا لهم. 
 يعاملنا الله بما هو أجمل في كل يوم."

هل تدري أن دعائك ربما كان سببًا في بقاء تلك النعم محفوظة عليك حتى لو لم يستجب الله لك؟ 
لو كنت لا تدري فقد دريت! 
 وصدق الله : "وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ"

ما أجرأ الإنسان!!

(7)
عن الشرّ الذي ننساه! 
ــــ
أسألك سؤالًا : ما احتمالية أن يفقأ قلمك عينيك أو إحداهما بشكل خاطئ؟ 
ما احتمالية أنك وأنت تعبر الطريق تأتي سيارة طائشة فتصدمك لتفارق الحياة؟ 
ما الذي لا يجعله ممكنا أن تلتوي قدمك من تحت بينما تعبر الطريق فتسقط أرضًا؟ 
ما الذي لا يجعله واردًا أنك وبينما أنت في منزلك انهد عليك سقفه؟ 
ما الذي يجعل مرضًا ينتشر في البلد ولا يصيبك؟ 
 لماذا نجوت من الحادث الذي رأيته وأنت على الطريق؟ ، لماذا لم تكن السيارة التي تستقلها هي التي في الحادث الآن؟ 
ماذا عن القطار الذي خرج عن مساره وكنت في الذي يليه؟ 
 ماذا عنك وأنت صغير تحاول أن تلعب بالنار ، فتحترق الأشياء من حولك ، وبلطف الله ينتبه والدك فينقذ الموقف؟ 
 ما الذي جعلك تنام الآن قرير العين على سريرك ، مع أن هناك الكثير من اللصوص الذي يتمنون لك نومًا هنئيًا وسعيدًا؟ 
 لماذا تذهب للامتحان فتنجح وتجتاز السنة إلى التي تليها ، أليس ممكنا أن تكون من أولئك الذين يصيبهم قلق جنوني داخل الامتحان ، فينسون كل ما استذكروه؟! 
 لماذا؟ ، ولماذا؟ ، وما احتمالية؟ ، وما إمكانية؟ ، وما الذي يجعله ممكنا؟!

فكّر في حياتك ، ستجد أن كل موقف في حياتك كان يمكن أن يسير للأسوأ ، اللقمة التي تضعها في فمك مطمئنًا يمكن أن تغص بها وتشرق ، وتختنق! 
 وأنت تلعب الكرة يمكن أن تسقط وتبتلع لسانك ، وتموت!

أخبرني الآن عن شعورك وأنت تقرأ قول الله : " لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ". 
 ثم أخبرني عن شعورك وأنت تقرأ قول الله : "الله لا إله إلا هو الحيّ القيّوم"!

أتدري؟ ، ربما كان هذا أيضًا بسبب دعائك! 
 قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها"

تخيّل ما رد من سمع هذا الكلام؟! ، لقد أحسوا بالطمع ، لقد رضوا من الكلام أن لا يستجاب لهم! فقالوا : إذاً نكثر! - يعني من الدعاء! - قال: الله أكثر - أي من العطاء -! 
 وقال صلى الله عليه وسلم : "الدعاء والقضاء يعتلجان ما بين السماء والأرض

تخيّل أنك بكل دعوة تخرج من قلبك يحصل لك مثل هذا! 
والله أكثر! 
 ولكننا لا نطمع في كثيره كما الصحابة!

ما أغبى الإنسان!!

(8)
عن الخير الذي ننساه! 
ـــــ
 دعوت صديقي يومًا على العشاء في أحد المطاعم ، وذهبنا على شهرة المطعم بالطعم اللذيذ والطعام الشهيّ ، وبالفعل كان كما قالوا ، واحدة من أفضل الوجبات التي أكلتها في حياتي من ناحية الطعم فعلًا! 
ولكن للأسف ، كان واحدًا من أسوأ العشاءات التي أذكرها! 
تدري لماذا؟ ، لأن نزول الطعام تأخر حتى الساعة ونصف الساعة! 
فأكل كلانا وهو منغص لا يتذوق ، وخرجنا في قمة الغضب من هذا التأخير! 
ونسينا فعلًا ذلك الطعم تمامًا ، حتى كلما ذكرنا المطعم قلنا : "أيوة اللي بيتأخر جامد دا"
 ولم نذكر أبدًا أن أكله رائع!

الأنثى التي تركّز على قطعة صغيرة جدًا في وجهها وتقول : عندي حسنة في وجهي! ، وأنت الذي تركز على ساعتك الأنيقة ، التي لن يراها غالبًا أحد ، ولن يهتم بها أحد! 
 وهي التي تركز على تناغم لون رباط الحذاء ، مع لون الإسورة التي ترتديها في المعصم!

إنه الهوس الذي يسيطر على البشر دائمًا ، هوس التفاصيل الصغيرة التي قد تخرب الدنيا ، وبعض الملح الذي قد يفسد الطعام!

وهكذا أنت! 
 بسبب ولعك بالتفاصيل ، نسيت الصورة الكبيرة! ، لقد نسيت كم دعوت الله واستجاب لك ، فتش عن ليلة الامتحان التي اجتزتها رعبًا وقلت : على الله ، ويارب نجحني ، وزملاؤك معك ، ثم خرجت وقد أديت الامتحان! ، ولكن نسيت! 
فكّر في اليوم الذي دعوت فيه بالخير وأنت الآن تعيش فيه! 
 فكّر في اليوم الذي قلت فيه : يارب اهدني! ، من قلبك ، ثم شعرت بنور يخترق قلبك وبراحة تغمرك ، في اللحظة نفسها التي دعوت فيها! 
فكّر في دعوات أمك التي نادرًا ما أخطأت الإجابة! 
 فكر فقط!

لا تجعل التفاصيل الصغيرة المؤلمة ، تلهيك عن الصورة الكبيرة المليئة بالرحمة! 
 كما قال نجيب محفوظ : ""غاية ما في الأمر أن الشر عربيدٌ ذو صخبٍ ومرتفعُ الصوت، وأن الإنسان يتذكر ما يؤلمه أكثر مما يسره"

وكم ينسى الإنسان!!

(9)
ننسى ولا ينسى! [عن العجلة]! 
ــــ
أخطر ما في الإنسان : طمعه! 
كم مرة فاتت علينا المقاصد العظيمة قبل أن ننالها لأننا تعجلناها قبل أن نصل إليها؟ 
كم مرة قادت سرعة إنسان بالسيارة لحادث كانت تكلفة تجنبه 5 دقائق إضافية يقضيها على الطريق؟ 
كم استعجلنا قطف ثمار ما فعلنا في المراحل الأخيرة للإنتاج؟
 كم فسد بناء وانهد لأن بانيه استعجل تصلب الأساسات ، فانهار!

العجلة فعلًا مرض خطير ، وأخطر ما يكون عندما نتعامل مع رب العالمين سبحانه وتعالى! 
يدعوا أحدنا ربه ، وينتظر الإجابة الفورية ، أو بعد ساعة!!. 
 قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يُستجاب لأحدكم مالم يَعجَل، يقول: قد دعوت ربي، فلم يستجب لي))

تخيّل فقط لو كان الأنبياء يتعاملون مع الله كما نحن! 
يعقوب غاب عنه يوسف 80 سنة! ، ثم هو في كل هذه السنين يشكو بثه وحزنه إلى الله! 
حتى رد الله عليه يوسف بعد ثمانين سنة! ، وهو نبي كريم! 
أيوب ظل في بلاءه 18 سنة! ، لدرجة أنه نذر لله نذرًا أن لو شفاه لضرب امرأته! 
إبراهيم دعا في البيت الحرام " ربنا وابعث فيهم رسولًا منهم يتلو عليهم آياتك .. " 
فكان محمد صلى الله عليه وسلم بعد 2800 سنة!! 
أي بعد وفاة نبي الله إبراهيم عليه السلام ب288 قرنًا!!

المشكلة أننا نحاول أن نفرض على الله التوقيت! ، ولو تدبرنا لانتظرنا!

ما أعجل الإنسان!

(10)
عن الدعاء الذي لنا ، والدعاء الذي علينا.
ـــ
 في جميع هواتفنا توجد تلك الخاصية ، "إعادة ضبط المصنع" ، أن تعيد كل شيء كما كان في البداية ، ونستخدمها عادة عندما نفقد السيطرة على هاتفنا ، ويمتليء بالأعطال وبطئ الأداء! 
 دعنا إذًا نستعيد كل شيء هنا!

بعد أن تخلصت من مشاكلك مع الدعاء ، دعنا الآن نعرف : بماذا ندعوا وكيف ندعوا؟

أن ندعوا الله وقد استفرغنا وسعنا ، وبذلنا الأسباب المادية الممكنة ، وضيقنا على أنفسنا خيارات التحرّك باستفراغ الوسع ، فهذا لنا! ، أما أن ندعوه ونحن متكئون على أريكتنا ونطلب منه أن "يتصرف" بدلًا عنا! ، فهذا علينا! 
 أن ندعوا الله بالخير في أمر الدنيا والآخرة ، دون أن نشترط عليه الكيفية والتوقيت ، فهذا لنا ، أن ندعوا الله ثم "نستعجله" وكأنه حق مكتسب ، أو نشترط عليه التوقيت ، فهذا علينا! 
أن ندعوا الله عند مصيبة حلّت بنا ، فهذا لنا ، لكن أن ننساه عند انكشافها ، فهذا علينا! 
 أن ندعوا الله ونحن مقبلون على طريق مليء بالاحتمالات ، كالاختبار في الكلية ، فهذا لنا ، أما بعد أن تظهر النتيجة فمن الحماقة أن تدعوا الله أن يغيرها ، وكذلك في كل أمور الحياة ، غالبنا يدعوا الله بعد أن انتهى كل شيء فعلًا، ولا ينتبه للمنطق الغريب الذي يحمله مثل هذا التصرّف! ، ذاك لنا ، وهذا علينا! 
 أن ندعوا الله ونحن يهمنا فعلًا أن يستجيب! كدعاء الغريق! ، فهذا لنا ، أما أن ندعوه بعدم اهتمام أو بتكبر على أن نطلب منه.. فهذا علينا! 
أن ندعوا الله لأننا ندرك أننا مختبرون ، وأنا لا نعلم أين الخير فهذا لنا! 
 أما أن ندعوه كي "نختبره" ، فعذرًا ، أنت الآن ، تقرأ الكتاب بالمقلوب ، الله هو من يختبر عباده وليس العكس!

(11)
استسلام! [من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم-]
((اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمَاً لاَ يَنْفَدُ، وأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لاَ تَنْقَطِعْ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعَدَ الْقَضَاءِ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَسْأْلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلاَ فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ))

"تمّت"