Image titleالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:       
ما لا خلاف فيه بين جميع المسلمين أن الإسلام قائم على قيم متينة جادة موافقة لمبادىء الزمان، لإنقاذ المجموعة البشرية، ومنها توحيد الناس على والكون والعقيدة والمنهج والتشريع، لذلك كان من مهام صاحب الرسالة تخلية الناس من مفاسد الماضي كالفرقة، وتحليتهم بقيم الدين كالوحدة.
فصبغ البشرية كلها ببصماتها في كل جوانبها، ليجنبها الخلل الفكري والعطب النفسي والركود المعنوي والتشتت العضوي قدر الإمكان.
ولم يترك لذلك شاردة ولا واردة من صغير وكبير، دون تهويل العظيم ولا تهوين الحقير، فكل حكم أوحكمة أوفائدة لها دورها وقيمتها مهما كان حجمها.           
فلا أوافق في تقديري من يحرصون على عظائم الأمور فقط بحجة التربية على الرئيسيات وعدم الاشتغال بالجزئيات، فلعل بعض السيئات الصغيرات مهلكات، ولا من يبوؤون الصغائر درجات الكبائر من حسنات وسيئات، حتى اختلطت عليهم الأولويات وحرصوا على الممتهن وانشغلوا عن الرفيع.
من هذا شأن أهلة الشهور التي لم يعتبرها الله من اللمم، لأنه بيّن أهميتها بذكرها للإجابة عن المتسائلين في أحكم كتاب للبشرية:
قال تعالى{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ۗ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} 189 سورة البقرة
ولأهميتها من جهة غير مدركة بشكل متهاون ثارت فيها اختلافات كبيرة في ضبط إطلالة هلالي شهري رمضان وشوال كل سنة هجرية بين مختلف أقطار العالم الإسلامي، مع تألم الشعوب من هذا الشطط، وآمالها في لم شملها حول منطلق واحد للصيام والإفطار وعرفة والأضحى.
إن الفقهاء الأجلاء في القديم اختلفوا علميا حول مطالع الأهلة بسبب اختلاف فهم الأدلة المستنبط منها أحكام ذلك، وقد حصل لي شرف دراسة القضية بالتفصيل أيام الجامعة وأشكر الدكتور محمد حسن مقبول حينها الذي ترك لنا حرية الترجيح في الإجابة على سؤال امتحان حول المسألة، وكنت ممن رجح وحدة  المطالع، لكن ما زادني اقتناعا به أحوال العلوم التي أثبتت أن الكرة الأرضية لا يبعد قطباها بصورة عرضية إلا بقدر تسع ساعات فقط، وهو ما يمكن من احتساب الشهر في يوم واحد.
إن الأمل المرتقب للمسلمين أن يصوموا ويفطروا ويقفوا بعرفة ويضحوا في أيام متوافقة، في حدة بصيرة نحو تآلف في أهم المجالات يكون شأن الأهلة مقدمة رمزية لها، ومنها الوقوف جدارا صلبا ضد المتحرشين بالأمة.
إن أعناق شعوب الأمة تشرئب لرؤية الأمة متماسكة في أوجه كل الرياح العاتية من غير المسلمين.
إن الأمثلة الكثيرة عن هذا ماثلة أمام أعيننا وعلى رأسها على الإطلاق بناء المسجد النبوي كرمز التفاف المسلمين حول مركز واحد ومقر واحد وقبلة واحدة، ومنها العقيدة الواحدة، وأوقات الصلوات الواحدة، وغيرها مما يؤكد على إمكان ذلك في قضايا أخرى تضمن الترابط القوي بين أفراد وجماعات المسلمين.
إن صيام المسلمين هذه السنة في يوم واحد {السبت}شفع له اختلاف انعدام الرؤية في المشرق الإسلامي يوم الخميس  التاسع والعشرين من شعبان 1438 هـ واعتداده بالثلاثين، مع ثبوتها في مغربه يوم الجمعة التاسع والعشرين من شعبان 1438 هـ ، فانظر أيها القارىء الكريم إلى تلك المفارقة العجيبة التي أنتجت توافقا غريبا! فماذا لو ثبتت الرؤية بالمشرق في يوم الثامن والعشرين بالمغرب؟ سيؤول الأمر إلى الاختلاف في يوم كامل، وهو ما سيكون مؤلما لشعوبنا.
إن القوى الماكرة من غيرنا تخشى هذه الرمزية التي تريدها الجماهير المسلمة تمهيدا لانعتاق من قبضة الاستعمار الثقافي والاقتصادي على رقاب المسلمين.
إنها تسعى دوما كما كان يسعى عبدالله بن أبي بن سلول رأس المنافقين للتمكين من فرقة هادمة بيننا تضمن استمرارا لهيمنة عالمية حضارية.
فلا يتهيأن لأحد من المسلمين بسبب غفلة أوجهالة  أوولاية  أوعمالة  أونسيان تاريخ  أوحسن ظن في غباوة أن الأمر يختلف بينه وبين هؤلاء، وهو ما أعتبره صدا لكلام الله في أعجز كتاب للكون،  حيث اعتبر ذهنية أنداد المسلمين متماثلة وكشف عنها ووجه نحو كيفية التعامل معهم، في تقرير معصوم وتوجيه دقيق شامل لكل من اتصف بصفاتهم.
قال الله تعالى: {إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }آل عمران120
{قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ}آل عمران118
{ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }آل عمران119
{وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً }الأحزاب25
{إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ۖ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ} التوبة 50
هذه نظرة غيرنا تجاهنا ولو استرضيناهم.
قال تعالى {وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِير} البقرة ٍ120
كيف لا والله تعالى لا يقبل من الإنسان إلا أن يرضي الله ورسوله فقط؟
قال تعالى:{يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُوا مُؤْمِنِينَ} التوبة 62
إن التفرقة بين المسلمين تحد كبير لهم يحرصون على استمراره بكل الوسائل والأساليب، ويتربصون بنا الدوائر حذرا من استفاقتهم.
إن مجرد احتمال  ذلك  يقض مضاجعهم لأنها ستجهض هيمنتهم على الناس، ولذلك يعملون بكل ما يتاح لتفتيت هذه الحضارة المأمولة.
ولنا في قاتلي عثمان رضي الله عنه أحسن مثال حين فرقوا جمع المسلمين بالعراق لما أدركوا اتفاقهم للقبض عليهم، والقواعد الاستعمارية التي تقضي بــ {فرق تسد} 
وإذ أؤكد مرة أخرى على الرمزية الواضحة لمسألة الهلال، فإن مآلها قضايا كبرى لو فاءت إلى قرارات شجاعة من قبل أولياء المسلمين، مصيرها شجاعة على تخطي عقبات نفسية جراء استحكام غيرنا بمقدراتنا النفسية والفكرية  والحضارية، معادها تحرر من قيود أثقال جثمت على صدر الأمة أحقابا.
لذلك أرى في تقديري العلاج كامنا فيما يلي:
1 / الإصرار على الوحدة: كميثاق عقدي، فلابد في رؤيتي من إصرار حكامنا على مشروع الوحدة الإسلامية، على الأقل لحفظ قيمة ولو موهومة أمام الخصوم الذين يعتبرهم البعض الموالي إخوانا متعاونين وهم يدسون السم في العسل.
2 / تلمس الوحدة في المشاريع الكبرى: كثير من الظروف تجتمع عليها جغرافية وتاريخ الأمة المسلمة، فلابد من توحيد مشاريعها على أثرها.
3 / نبذ العداوات القطرية: بسبب الموالاة لغير المسلمين من ذوي القوى الكبرى، لأنه معين قوي في أيديهم لتحطيم المشاريع الوحدوية.
4 / تفعيل المجمعات الفقهية العالمية: لأجل تكريس الاجتهاد الجماعي الذي تحتاجه الأمة بشكل ملح اليوم، فتنتقي لنا من القديم وتستنبط للجديد بما يتوافق ومقاصد الشرع وحاجات البشرية.
5 / الاستقلال عن الرغبات الحكومية: وهذا من شغل المؤتمرات الفقهية العالمية كي تخرج توصياتها وقراراتها العلمية عن الوصاية، ضمانا لأحكام بعيدة عن الانحياز، دقيقة الأدلة والمآخذ والمقاصد.
6 / تجنب التوظيف السياسي والحزبي والإقليمي: تخضع المسائل الشرعية والمصيرية في عصرنا لاعتبارات سياسية وحزبية وإقليمية رهيبة، وهذا ما زاد في الهيمنة على مصائر المسلمين في قضاياهم الكبرى، لذلك أدعو إلى تحرير العمل العلمي الشرعي من قبضة  الاعتبارات السابقة.
7 / ترصد جميع الأشهر لتوحيد رؤيتها: بتكليف لجان دائمة موظفة حكوميا برواتب لأعضائها مهمتهم رصد أهلة الأشهر الهجرية القمرية، باستعمال الإمكانات العلمية الحديثة المتطورة، ولتكن متساوية الأعضاء للدول الإسلامية لتوحيد الحساب الفلكي والشهري الإسلامي.
8 / العمل بأول رؤية صحيحة في أي قطر: انطلاقا من المغرب أم المشرق، إذ الملاحظ منذ مدة العمل بنتيجة الترصد المشرقي فقط وعلى رأسه المملكة العربية السعودية.
لو كان في ثبوت الرؤية لهان الأمر لأن الوجود لا يخالف فيه أحد، أما انعدام الرؤية في المشرق لا يعني انعدامها في المغرب، خاصة إذا كانت ولادة الهلال تحيل رؤيته مشرقيا، وتمكنها  مغربيا، ويعمم إعلان دخول الشهر عالميا.
إنني أرى أن مشاريع مثل هذه  ولو وصفت بالهينة  ستكون عبارة عن رمز لإنجازات كبرى، لو توفرت الشجاعة لانطلاقة حضارية شاملة تبشر بشروق إسلامي وضيء ينير على الأمة دروب الأستاذية العالمية، وإن غدا لناظره لقريب.