نخوض غمار الحياة لا نعلم ما يواجهنا فيها، مشكلات، أرباح، خسائر، صداقة، عداوة، فرح، حزن، سعادة، شقاء، ،و،و،و،و،و…..
استوقفني حديث: عن عائشة – رضي الله عنها – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:”ما يُصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يُشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه” رواه البخاري – واللفظ له – ومسلم. ثم تفكرت فيما نواجه من المصائب والأمراض على مدى حياتنا، حتى يكاد المرء أن يسأل: لماذا يا رب؟. قد تطول مدة المصائب أيامًا وشهورًا وسنين، حتى يؤمن بعضهم بالحظ النحس، يزيد اكتئابه حتى قد يفكر في إنهاء المشاكل بإنهاء حياته.
قد يطول المرض كما أصاب أيوب عليه السلام سنين طويلة، تركه أهله قومه وابتعدوا عنه، مات جميع أولاده ولم يبق له إلا امرأته، ابتلاءٌ ليس لأيوب عليه السلام وحده، بل لامرأته أيضًا. كيف صبرت على مرضه، كيف صبرت على فقد أولادها، كيف اشتغلت لتؤمن لقمة عيشهم، حتى ذهب جمالها..
قد يطول الهم والأذى كما أصيب به سيد الخلق من بغض قومه بعد محبة، وعداوةٍ بعد صداقة، وقطيعة بعد وصل، بل وصل بهم الأمر إلى حصاره وحصار من آمن معه في الشعب طويلًا، منعوا عنهم المأكل والمشرب حتى أكلوا ورق الشجر، تقطعت أشداقهم من شدة الجوع والعطش، أخرجوه من مكة من بين أقاربه وأصحابه، ثم لم يتركوه بل حاربوه في موطنه الجديد يريدون ليطفؤوا نور الله ويأبى الله..
يوسف وما أدراك ما يوسف.. أُبعد عن أبيه وأخيه، ألقوه أقرب الناس (إخوته) في البئر حسدًا، ثم بيع بثمن بخس، ثم رمته من عشقته في السجن ظلمًا وعدوًا، ودخل معه السجن فتيان، كان أنقاهما سريرة، وأجملهما قلبًا وقالبًا ولكن خرجوا قبله. وأما أبوه الصابر يعقوب عليه السلام فقد أبعدوا عنه حبيب قلبه وثمرة فؤاده، تخيل وضعه جالسًا حزينًا يبكي حتى ابيضت عيناه من الحزن. يذكر يوسف ولكن قلب المؤمن لا يزال في خير ما توكل على ربه ورضي بقسمه من دنياه..
تطول الأمثلة وتكثر ولا يسع المكان لذكرها، السؤال هو: هل واجهتك مثل هذه المصائب؟ أم أن مصائبك قطرة من بحرهم؟ هل تساوي همك بهمهم؟ هل أخرجك أهلك من بيتك؟ هل فقدت جميع أولادك؟ هل حاربك قومك بالكلام والأفعال؟ هل؟ هل؟ هل؟ أشياء كثيرة حدثت لهم، فماذا أصابك؟ لإن أصابك مرض فأيوب قد أصيب، لإن أخرجك قومك فهذا المصطفى أخرجوه وحاربوه؟ هل أُخذ منك أعز ما تملك؟ وهل تساويه بفقد الولد أكثر من أربعين سنة؟ إذًا لماذا الضجر وفرج الله قريب؟اسمع لما حدث لهم..
أيوب عليه السلام شفاه الله وآتاه أهله ومثلهم معهم، رجع صحيحًا معافًا ورجعت زوجته كما كانت قبل من الجمال، آتاه الله ضعف ما كان له من الولد.. يقول تعالى:“وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ”
سيد الخلق رجع إلى مكة فاتحًا منتصرا، وأسلم من كان يعاديه، وهذا ما أراد عليه السلام، يريد لهم الجنة والنجاة من النار.
وأما يوسف عليه السلام، فبعد أن لبث في السجن بضع سنين، فقد أُخرج ليكون عزيز مصر بأكملها، بل ملك مصر ورفعوه على العرش، أراد إخوته له الموت فلم يمت، وألقوه في الجب ليلتقطه بعض السيارة عبدًا ويمحى أثره فرفع الله شأنه، ثم بيع ليكون مملوكًا فجعله الله ملكا، وكانوا يريدون أن يمحوا محبته من قلب أبيه فزاده الله في قلب أبيه محبة وشوقًا، حتى قبل أن يعرف عنه حين كان حزينًا عليه كان يقول: “إنما أشكو بثي وحزني إلى الله”، رجع له جميع أبنائه، فيوسف عاد بعد فراق، وأبناؤه رجعوا توبة بعد خطأ، ورجع له بصره، ثم رفعه حبيبه يوسف على العرش وخروا له سجدًا.
اليسر بعد العسر دائما ولكن لا يُعرف متى فاصبر. السهل بعد الصعب، الشفاء بعد السقم. الفرح بعد الحزن. الفرج بعد الهم. المخرج بعد الضيق. ولكن المهم الايمان بالقضاء والقدر، والشكاة لرب البشر، فقد يطول الانتظار، قد ترى الكره في وجوه أهلك وأصحابك، قد ترى الخيرات تمر أمامك ليس لك منها نصيب، قد ترى المناصب تذهب لغيرك وأنت أحق بها. لا تقلق من تدابير البشر ووكل أمرك لربك البشر، فإرادة الله فوق كل إرادة. من كان في السجن مع يوسف: فأحدهما خرج ليُصلب، والآخر ليكون خادمًا، وأما هو فقد خرج ليحكم مصر.
إذا أرهـقـتـك هموم الحيـاة..
ومسك منها عظيم الضرر…
وذقـت الأمـرين حتى بكيت..
وضج فؤادك حتى انفجر…
وسدت بوجهك كل الدروب..
وأوشكت تسقط بين الحفر…
فـيـمـم إلـى الله فـي لـهـفـة..
وبث الشكاة لرب البشر…
ولا أنسى حديث أكثر أهل الدنيا بؤسًا، فعن أنس – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:”يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال له: يا ابن آدم، هل رأيت خيرا قط، هل مر بك نعيم قط ؟ فيقول : لا والله يا رب . ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة ، فيصبغ صبغة في الجنة ، فيقال له : يا ابن آدم ، هل رأيت بؤسا قط ؟ وهل مر بك شدة قط ؟ فيقول : لا والله يا رب ، ما مر بي بؤس قط ، ولا رأيت شدة قط ” . رواه مسلم
حتى شقاؤك في الدنيا لك به أجر ورفعة في الآخرة، فلا تحزن إن كانت حياتك كلها شقاء، فوالله لهو أجر لك وتكفير، فألم الشقاء والحرمان أقسى على النفس من ألم الأبدان.
لا تنسى: إنه الإيمان بالقدر “خيره وشره”، فاجعل إيمانك بالله كبير، وسلم له الأمور، واطمئن، وتذكر:”قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا”.
وأخيرًا: إلى كل من تأخرت أمانيه، قال لي شخص: ما أخذه الله لحكمة، وما أبقاه لرحمة. قد تتأخر الأماني لتكثر العطايا، فأحسنوا ظنكم بالله.