إن فكرنا بالتغيير الذي يخدمنا كأفراد ومن بعده كمجتمع فبعض الحلول لا تحتاج منا الخوض فيما سبق قدر ركنها على الرف المهمل والنظر للرف الأنقى الذي كان موجوداً في زمن أجدادنا وآباءنا وما أقصده تحديداً من عاش منهم بداية العهد السعودي.

ومع استعادة الأحداث فهي لا تعبر عن القصص بذاتها كأحداث ولكن لمفهوم أكبر وأعمق هو تغيير الانسان السعودي بكل تجلياته أو لنقل بدلاً من التغيير لحساسية الكلمة عند البعض إظهار كينونة الانسان السعودي كما كانت أمام ذاته قبل نظرة الآخرين له.

"أحيانا الأمر لا يتطلب إلا أن نقفز قفزة للوراء نكمل بها ما كان عليه المجتمع السعودي وننسى ما عايشناه!"

لنفكر ونتأمل فما سيتم ذكره ليس من عصور الإسلام الأولى وليس قصص متخيلة تبحث عن الفضيلة بصورها المُثلى، تلك قطرة من بحر صور جميلة عاشها الأجداد تحتاج لمن يزيح عنها غبار التغييب.

1ـ رحلة إلى الحجاز ــ المازني، الحادثة الأولى صفحة 21 في ينبع

وبعد أن شربنا القهوة النجدية ثم ((الشاهي)) كما يسمون ((الشاي)) استأذنا وانحدرنا الى المدينة نطوف فيها الى أن يخرج الأمير والناس من صلاة الظهر، فمررنا بالسوق وهي حارة ضيقة مسقفة على جانبيها الدكاكين فيها صنوف شتى من العطارة والبقول والمنسوجات والخبز والأسماك والجراد، وقد أكل منه زكي باشا، ولم يكن في الدكاكين أحد لأنه كان وقت الصلاة وكان الطريق غاصا بالأطفال يمشون وراءنا ويحفون بنا في خرق ممزقة ومراقع لا تكاد تستر شيئا.

فتساءلت: ماذا يحمي هذه المتاجر أن يسرق منها هؤلاء الغلمان الفقراء؟؟ فقيل لي أنه لا خوف منهم لأنه ما من أحد يجرؤ أن يسرق شيئا.

الحادثة الثانية

 تبدأ في آخر صفحة رقم 67

وسيذكرني الحجاز دائماً بأن عصاي قطعت الطريق بين جدة ومكة ــ قطعته ساعة كاملة لا تنقص دقيقة بل ولا ثانية، وردت الناس من الجانبين، ووقفتهم صفين من الناحيتين متقابلين على اقدامهم الا من شاء أن يضرب في طريق آخر ويسير على نهج جديد.

الصفحات 71 ــ 72

وهناك في الشميسة استقبلنا وفد طويل عريض من مكة جاء ليرحب بنا ويحتفي بمقدمنا، وبينما نحن نتحادث دعي مدير الشرطة أو لا أدري من هو الى التليفون، فاستأذن وذهب ثم عاد يسأل:

((هل لأحدكم عصى؟))

قلت ((نعم أنا لي عصا ولكنها والله في السيارة. تركتها فيها، لأني لا أدري هل يجوز أو لا يجوز أن يحمل المحرم عصا)).

((قال:  ((ما أوصافها؟))

قلت: ((وما شأنك أنت بالله؟ هي عصى والسلام)).

قال: ((لا لا لا، لقد وجدت عصا في الطريق قرب الرغامة فقطعت على الناس السبيل)).

فضحكت وقلت ((أؤكد لك أن عصاي تحترم القانون ولا تخرج على النظام ولا تعرف قطع الطريق)).

فلم يجد حتى بابتسامة، وضاعت النكتة في هذا البلد الجاد، وقال: ((ابحث عنها من فضلك فإن الطريق مقطوع ولا أحد يروح ولا أحد يغدو)).

فهرولت في مشاملي الى السيارة فلم أجد العصى فعدت وقلت له:

(( هي عصاي قاطعة الطريق، فاسمح لي أن أعتذر بالنيابة عنها)) فمضى عني الى التليفون، وخفت أن يأخذوني بها ويجزوني بما صنعت فأن للقوم هنا شريعة غير القانون المدني، فعدوت وراءه وأسررت اليه وهو يتكلم في التليفون:

(( اذكر من فضلك أن الله تعالى يقول في كتابه المنزل ((ولا تزر وازرة وزر أخرى)).

فلم يزد على أن التفت الي وقال:

((هل نردها الى جدة أو ندركك بها في مكة))

فقلت: ((لست أريدها والله فأنها فاجرة كما ترى، وأخشى أن ينزو برأسها خاطر أحد، أفلا يمكن دفنها في الرمال مثلا؟))

فقال للتليفون الالي: ((أرسلها مع الشرطة الى الضيافة)).

فصحت به: ((لا لا. ردها الى جدة من فضلك فحسبي ما صنعت.

فقال لمخاطبه في التليفون: ((بل ردها الى بيت العويني في جدة. رجاء)).

ثم التفت الي وقال: ((هيا بنا فقد تأخرتم)).

ولست مبالغا فيما رويت عن عصاي وما صنعت.

انتهى الاقتباس.


أذكر لحادثة عصى المازني حادثة مشابهة في ذات العهد حدثت لشكيب أرسلان المختلف فيها أن عباءة له سقطت على الطريق دون أن يتنبه لها فقطعت الطريق على الناس حتى تم معرفة صاحبها وإعادتها له لا يحظرني حاليا موقعها من كتابه الرحلة الحجازية.

#عارف_الحيسوني