هل الفقر و والغنى وجهان لعملة واحدة؟ سؤال لا ادري من اين انهمك عليَّ ، كنت اتصفح تويتر و اذا بفيديو لمجموعة من الناس يرقصون المزمار في مكة و يغنون "صوموا ليله ثلاثين" ... و كعادتي في التفكير، في جزء من الثانية افكر في موضوع فاتذكر موضوعاً آخر، فاتعجب من موضوعً آخر، و أخيراً استوعب أني في الثانية الفائتة فكرت في ١٠٠ موضوع و فكرة. كثيراً ما أصف هذه الطريقة في التفكير بالتنقيط نسبةً الى تلك الألعاب التي يوزعونها في المطاعم على الأطفال، التي تُوصل فيها النقاط لتظهر صورة. و جائزٌ أيضاً أن نسميها التفكير اليوتيوبي نظراً لأن هذه الظاهرة حاضرة جداً في اليوتيوب، حيث أننا نصبح نبحث عن فيديو [أ] و نمسي نشاهد، لا فيديو [ب] أو [ج] أو [د]، بل فيديو [غ] ... [غ] و ليس [ي] لأن الغين هو آخر حرف في الترتيب الأبجدي، أقصد بذلك ترتيب أبجد هوز.
أعود لما كنت أقول، عندما كنت شاهدت الفيديو، بإختصار شديد استطردت من الفيديو الى مكة الى أهل مكة الى شخصٍ ترعرع في مكة إلى قصةٍ حكاها لي.
تقول القصة أنه في زمنٍ غابر قبل حوالي ٤٠ عام، عندما كان رواي القصة طفلاً، كان يعمل عملاً بسيطاً في أحد الدكاكين في مكة، و جدير بذكر أن حالهم في ذاك الوقت كان متواضعاً جداً و ميسوراً يسد الإحتياجات الأساسية. تقول القصة أنه عندما يرجع الى البيت، و في طريقه، كان يمر على محلٍ يبيع ألعاب، و كانت ظروفهم لا تسمح له بشراء ألعاب، إنما يقول أنه كان يمر أمام المحل يومياً و يقف عند نافذة المحل و يتفرج، و يظل يتفرج حتى يمل و من ثم يرجع الى البيت، و على هذا الموال كان يغني كل يوم ... يقف أمام المحل و هو عائد ... يتفرج حتى يمل ... و ثم يرجع الى البيت.
و عقّب صاحب القصة على القصة قائلاً: "و كنت حقيقاً استمتع جداً بمشاهدة الألعاب دون أن اقتنيها، مجرد رؤيتي و تفرجي لها كان يسعدني، لم أكن أشعر بالحاجة الملحة لشراء الألعاب فكان النظر يرويني"
و قال خاتماً قصته و ممازحاً سامعيها: "و الان أيضاً، لازلت أذهب الى الأسواق ولا أشتري شيئاً إنما يكفيني النظر"
جديرٌ بالذكر أيضاً أن صاحب القصة أصبح الان رجل أعمالٍ و الى حدٍ كبير من الأغنياء. ما شدني للقصة و جعلني أكتب هذه المدونة هو تشابه تصرفات صاحب القصة في حال الفقر و حال الغنى، أو بالأصح تشابه تصرفات الفقراء و الأغنياء عامةً، و عندما أقول تصرفات أعني نظرتهم للأشياء و مبادئهم و قيمهم، كثيراً ما تكون مشتركة، والله أعلم.
ففي القصة التي فاتت، كان الفتى يرى الألعاب و لا يشتريها ... و عندما اغتنى لازال يرى البضائع ولا يشتريها. و اذكر أيضاً أني في مرةٍ رأيت في عزاء أحد المرحومين أثرى أثرياء السعودية. كان جالساً قبالي و كانت ملابسها متواضعة الي حد أن إن لم تكن تعرفه لقلت أنه فقير، بل فقير جداً، فلا أقلام و لا ساعات و لا "كباكات" و لا أحذية غالية ... لا شيئ، مجرد ثوب أبيض و غترة و عقال و نعل متواضع. و اذكر يوماً أني تسألت "لماذا دائما الأغنياء لا يلبسون ملابساً غالية؟" ... هي طبعاً قد تكون غالية، إنما ما اقصده هو إنهم لا يظهرون ثرائهم و يتفحّشون في اللِبس.
أنوه أني لست من الأشخاص الذين يعتقدون بأن دعم أي نظرية أو فكرة بمنطق رياضي يجعلها صحيحة، بل بالعكس هي تقبل الخطأ كما تقبل الصواب إنما فقط للتوضيح.
لتقريب الفهم و توضيح الصورة فلنتخيل أن س هي الأمور المشتركة بين الفقر و الغنى، و كما نرى يرتسم لنا هذه المنحنى.
حاولت صراحاً أن اتذكر نص إقتباس قرأته في كتاب The Perfect Theory لكن المعذرة فلا اتذكر إلا الفكرة و كانت تقول بما معناه:
لكي نختبر فكرة أو مبدأ يجب أن نخرجها من منطقة راحتها و نختبرها في أقسى الظروف.
و مثالاً على ذالك، توجد دائما معادلات تصف الأمور المعقولة و البسيطة نسبياً، كمثلاً معادلات اينشتاين التي تنبأت بمدار كوكب عطارد، و لكن عند أُخذت المعادلات لمراحل أعلى و استخدمت فيها كتل فلكية و خيالية آنذاك، اُكتشفت الثقوب السوداء و كانت وقت ذاك ما زالت نظرية و ثقوب على الورق فقط، لكن مع مرور الزمن اُثبت وجودها. و قد يكون هذا الحال مع منحنى الفقر و الغنى ... فنحن مبدئياً استنتجا أن الفقراء و الأغنياء يتشابهون في صفات، لكن ماذا اذا أخذنا هذا المنحنى اختبرنا قيمه المتطرفة و القصوى كما فعلوا بالكتل الخيالية في معادلة اينشتاين. ففي حالتنا هذه، ان اخذنا القيم القصوى تصبح قيم س بالنسبة للفقر و الغنى متساوية، و يصبح الفقر = الغنى ... عند الفقر المطلق و الغنى المطلق تتساوى قيم س ... و هذا يقتضي نظرياً على ان ما الفقر و الغنى الا وجهان لعملة واحدة!
الوسطية أو الوسطيين هم من هم بين الفقر و الغنى، و هم السم الذي في الدسم فكل القلق يحصل عند الوسطيين. فلا هم فقراء لا هم أغنياء. لا تسألوني كيف حكمت عليهم أنهم السم في الدسم، لكن ما أقصده أنه دائما من يحاول أن مثلاً يلبس ملابس غالية هم الوسطية، فلا هم يستطيعون أن يشتروا الملابس بأريحية مادية، ولا هم فقراء متعففين بالقهر على الزهد في الملابس.
تخيلت أيضاً أنه لو أخذنا منحنى الفقر و الغنى و حولنها الى حبل و ثم ربطنا الحبل على دائرة فإن الفقر و الغنى يلتقيان مرة أخرى في نفس النقطة. لا أعلم قد تكون هذه الدائرة ترمز الى دائرة الحياة و الخطيئة الكبرى و الطمع و الشجع البشري. قلت الجملة السابقة فقط لأضعكم في الجو الذي لا أريدكم أن تكونوا فيه و أنتم تقرؤون المدونة. أقول مرةً أخرى أدلتي الهندسية ليست إلا طريقة أحاول أن ابسط بها ما يدور في رأسي من ألعاب نارية.
٥:٥٠ عصراً ، ١ يونيو، ٢٠١٧، جدة، السعودية