كان يمشي أمامي بهدوء على بعد عدة أمتار ، بدا خفيفا جدا ،  و كأنه لا ينتظر أحدا ، فيما كنت أنا أثقل منه بقليل كان في جعبتي كيس من الملل أحاول نثره و تبديده في السوق و أمام واجهات المحلات الملونة ..  فجأة يرفع يده اليمنى و يتحسس مؤخرة عنقه بكفه ثم يجذب بأصابعه ياقة قميصه إلى الأعلى ، تلكأ قليلا في مشيته ريثما فرغ من هذه الحركة ، لكنه عاد لتكرارها بعد دقائق ، يتحسس عنقه يجذب ياقة قميصه إلى الأعلى .. ثم راح يكررها بشكل دوري منتظم 

بدأ الفضول ينهش خيالي البليد ، أحاول أن أسترجع حركات الجسد و معانيها لكن تعجز ذاكرتي عن تفسير هذه الحركة ، ما بدا لي فقط هو أن هذا الشخص كان يبدو أكثر ارتياحا حالما يكرر هذه الحركة ..

وصلت إلى نهاية الرواق الطويل في المول حيث هناك مقهى صغير ، فاحت رائحة القهوة و القرفة و الكراميل .. استسلمت للإغراء و جلست إلى طاولة في الزاوية أنتظر قهوتي و الحلوى ، و إذ به يقترب حاملا صينية فيها قهوة و قطعة حلوى جلس على الطاولة المجاورة لطاولتي و تقدمني بأربعة أمتار ، ابتسمت للصدفة لكنه قطع ابتسامتي بحركته العصابية المريبة ، تحسس عنقه ثم جذب الياقة لأعلى .. 

في هذه اللحظة بالتحديد شعرت أني أكرهه لأنه بدا غامضا بشكل لا يطاق .. انشغلت بتناول الحلوى و لكني عندما أطلقت نظري هذه المرة هالتني ندبة شوهاء على عنق الرجل من الخلف .. بدا أنها تمتد تحت الياقة على مساحة واسعة و لا أعتقد أنها أثر لخياطة ما .. إنها أكثر عشوائية و إيلاما من أن تكون مكانا لجراحة ما ، وقفت بجانبه طفلة صغيرة و راحت تشد انتباهه بلهوها فالتفت بكامل جسده نحوها كأنه رجل آلي ، لكنه ابتسم لها بعذوبة و كأنه ألطف البشر على وجه الأرض ! غادر الرجل طاولته بعد أنهى قهوته و أنا ؛ التهمت كامل الحلوى و القهوة و انتمست مجددا في اللاشيء .. .