وغاية الصوم لو توقفنا أمامه قليلًا تكمن في " ضبط النفس " ..

وأذكر سؤالًا فقهيًا اختياريًا وُضع فيه ضبط النفس كخيار وأمامه الإحساس بالفقير ..

فعدت بالذاكرة للصف الأول الابتدائي حينما كان المعلمون الأفاضل يشجعوننا على الصيام في مقولة تحفيزية " صوموا كي تشعروا بإحساس الفقير "

وكم كانت الحُجة مُقنعة محفزة لطفلٍ ثم مراهقٍ ...

ولكن هل هي العلة الحقيقية في الصوم ؟

تبادر لذهني شيء في يوم ما " إن الفقير لا يقوى على الطعام فما علة الصوم عن الشراب ؟ والماء في كل مكان على جوانب الطرقات ؟! "

وجاءني هاتفٌ آخر .. لماذا يصوم الفقير إذن ؟

،،

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الصَّوْمُ نِصْفُ الصَّبْرِ , وَلِكُلِّ شَيْءٍ زَكَاةٌ , وَزَكَاةُ الْجَسَدِ الصَّوْمُ " .

..

فالصوم نصف الصبر ، والصبر نصف الإيمان كما جاء ...

فهل العلة هي إحساسنا بالفقير فقط أم أنه مجرد غيض من فيض ؟!

أن تحرم نفسك مما أباحه الله وتغل يدك عما تهفو إليه نفسك ولو كان رشفة ماء لو طلبتها من صنبور زاوية صغيرة لوجدتها ..

والتشريع دائم ممتد المفعول والأجل لأي زمان ،

وإن كانت العلة إحساسنا بالفقير فماذا إن لم يكن فقير ؟ كما حدث في عهد عمر بن عبدالعزيز - رضي الله عنه - ..

فكما جاء أنه انعدم الفقر حتى لم يجد من يأخذ الزكاة ،

ولماذا كان الصوم لنا وجاء .. كشباب لم ندخل عالم الزواج بعد ؟

أليس ذلك العلاج لمن قدر عليه الحال فعجز عن عفة نفسه الجامحة ؟!

إذن كل ذلك هو علاج للنفس وتقويم لها بالصبر تارة وبالإمساك والتشديد تارة أخرى ..

وكان تعريف الصوم لذلك غير مقتصر على الامتناع عن الطعام والشراب بل الصوم عن كل ما يغضب الله من محرمات أخرى ..

ولعل أبلغ وصف للصوم هو الامتناع عن الشهوات بحلالها وحرامها والزاد والشراب هو نقطة في محيط شهواتنا ...

فقد حُرم الجماع على الزوجين في حلال ارتباطهما وغُلِّظت كفارة انتهاك تحريمه في الصيام بتشريع الله ،

فالصيام سوط يجلد النفس حتى تستقيم وتمتثل لأمر الله ، ولذلك فإن أمره ليس كسائر العبادات الأخرى فهو تشريع يحمل من الاستثناء الكثير في كل شيء ..

ففيه تقنين لما أحل الله .. والعلة لذلك هي الامتثال والطاعة لله وحده ..

ولذلك قد استثناه الله " إلا الصوم فأنا أجزي به " ..

فهو اختبار إيماني لمن سكن يقين الله في قلبه حتى يبرهن بالفعل والسمع والطاعة ..

ولذلك من أجمل ما جاء وقرأته اليوم للدكتور مصطفى السباعي ...

' ‏الصائمُ رجلٌ يُمارس في نفسه التغلُّبَ على اللذة المباحة؛ حتى يستطيعَ التغلُّبَ على اللذة الآثمة ! " ..

،،

ورغم ذلك فنحن نحترم تشجيع معلمينا الكرام وندين لهم بالشكر على غرس ذلك الركن الإسلامي فينا منذ الصغر ولو بهدف لم يكن الأسمى .. لكنه كان الأبسط لعقولنا والأكثر تحفيزًا في ذلك الوقت ..

فلو أخبرونا عن النفس لم نكن لنفهم كل ذلك ونحن صغار نعد سنواتنا على أصابع اليد الواحدة ،

أعاننا الله على طاعته وتقبل منا ومنكم ،

،،

#محمد