بعد قراءة هذا المقال بتركيز وإدراك
ستنظر لنفسك بنظرة أخرى غير التي
عهدتها سالفاً.
*كل دليل له سبب إمّا واضح أو خفي.
أصل الشر : الغفلة والشهوة.
قال الله تعالى:
{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}. [سورة الكهف/٢٨].
وقال الله تعالى:
{وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ}. [سورة المؤمنون/٧١].
الهوى موجودٌ في كل نفس،
والهوى وحده لا يستقل بفعل
السيئات إلا مع الجهل.
ثم إن الله تعالى جعل في النفس
حباً لما ينفعها، وبغضاً لما يضرها،
فلا تفعل ما تجزم بأنه يضرها ضرراً راجحاً،
ومتى ما فعلته كان لضعف العقل،
ولهذا يوصف هذا بأنه عاقل، وذو نهى.
والبلاء العظيم يكون مع الشيطان لا
من مجرد النفس، فالشيطان يزيّن لها
السيئات، ويأمرها بها.
كما قال تعالى:
{وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ • وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ}. [الزخرف/٣٦ - ٣٧].
وقال تعالى:
{أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ}.
[سورة فاطر /٨].
اتباع الحق وترك الهوى يكون
بالخشية، والخشية لا تكون إلا بالعلم.
كما قال تعالى:
{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ}.
[سورة فاطر/٢٨].
يعني أنه لا يخشى إلا عالم،
وكل خاشٍ لله فهو عالم، ومن
عصى الله فهو جاهل.
روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :
(كفى بخشية اللهِ علماً، وكفى بالاغترار بالله جهلاً).
متى تحصل الخشية؟
قال تعالى:
{سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ • وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى}.
[سورة الأعلى/ ١٠ - ١١].
فكل من يخشى يتذكر.
وها قد جاءت الذكرى
قال الله تعالى:
{مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ • لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ۗ}. [سورة الأنبياء/٢-٣].
أتاهم وأقام عليهم الحجّة لكن قلوبهم لم تصغ
ولم تفهم ولم تعمل، ولو فهمت.
كما قال تعالى :
{وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ ۖ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ}. [سورة الأنفال/٢٣]
وقال تعالى :
{فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَىٰ • سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ • وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى}. [سورة الأعلى/٩-١٠-١١]
فتذكر قول الله تعالى :
{فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }. [سورة القصص/٥٠]
فدلّ ذلك على أن اتّباع الهوى يمنع الهداية.
واعلم أن الهوى موجود في كل نفس كما سلف،
وأن على الجميع أن يَحْذَر ويُحَذِّر منه.
كما قال تعالى :
{ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ }. [سورة ص /٢٦]
وتذكر أن نهي النفس عن الهوى
هو سبيلك للجنة بإذن الله.
فقد قال تعالى :
{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ • فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ}. [سورة النازعات/٤٠-٤١].
مظاهر اتّباع الهوى كثيرة منها:
- كثرة الجدل بالباطل وعدم الاعتراف بالخطأ.
فلا يقبل نصيحة ولا نقد ويفسر النصيحة
بأنها كراهية، فبذلك لا يقبل حقاً ولا نصحاً.
فقد قال الله تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ • خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ • وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ • يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ • فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ • وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ • أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ • وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِن لَّا يَعْلَمُونَ}.
[سورة البقرة/ ٦-١٣].
- يتّبع الحق اذا وافق هواه ويخالفه
اذا خالف هواه. قال عمر بن عبد العزيز:
(لا تكن ممن يتبع الحق إذا
وافق هواه ويخالفه إذا خالف هواه)،
بهذا يكون عبداً خاضعاً لهواه
وما يأمره به.
فكما قال تعالى:
{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}. [سورة الجاثية/٢٣].
وقال تعالى:
{أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا •أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا }.
[الفرقان/٤٣-٤٤]
فشبههم الله سبحانه بالأنعام بل هم أضل منها
والعياذ بالله، لما تفهمه الأنعام من بعض اصوات
الزجر من الرعاة.
كقوله تعالى:
{كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ}. [سورة البقرة/٧٤].
- اتباع السقطات والزلات وجحدان المحاسن.
فلا يلتمس عذرًا لأحد، ولا يحسن نيّته،
ولا يظن خيراً، ولا يُحِق حقاً، ويرمي بتركيزه
وتفكيره لكل خطأ، أعاذنا الله.
- التعلق بالأشخاص.
تجده متعلق بإنسان لشخصه لا لعلمه،
ويُمجّد كل ما يقوله، فيتبعه ان كان على
خطأ أو صواب.
- اتباع المتشابه
فما ان يجد خلافا بين العلماء،
اتّبع ما تهواه نفسه، فتجده مجتهد
في استكشاف خلافات العلماء،
فإن قلت له اتق الله في الغناء
قال العالم الفلاني أباحها،
وان قلت اتقي الله ولا تسفري عن وجهك
قالت ان في المسألة خلاف، فهذا بسبب
ما في قلبه من مرض وريبة وزَيْغ وكره
للإيمان والتقى والصلاح والعفاف.
كما قال تعالى:
{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ }. [سورة آل عمران/٧].
ماهي أسباب اتّباع الهوى؟
- ضعف المعرفة بالله والدار الآخرة.
فلو علم متّبع الهوى الله سبحانه وتعالى
حق المعرفة لما آثر هواه ونفسه على ما
يحبّه الله.
قال تعالى:
{مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} .[سورة الزمر/٦٧].
ولو أدرك حبيس هواه ما أعدّه الله لمتّبع ما
تهوى نفسه من الوعيد والأهوال في يوم
الساعة ما اتّبع هواه.
فقد قال تعالى:
{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ •وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ • وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ • وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ • وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ • وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ • وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ • وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ• بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ • وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ• وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ • وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ • وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ • عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ }. [سورة التكوير/١-١٤].
- فراغ قلبه من الإيمان والإخلاص لله عز وجل.
إذا انعدم القلب بالإخلاص استحوذ عليه الهوى.
- مجالسة ومصاحبة أهل الأهواء.
كما قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه:
(لا تجالس أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلوب). نعوذ بالله منهم.
- الجهل بهذا الداء.
فمن يجهل آثار الهوى لا يدرك باعثه
وما ليس كذلك، فَيَضِلْ ويُضِل عن الهداية
وهو لا يشعر، بل يحسب انه على الحق.
كما قال الله تعالى:
{ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا • الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}. [سورة الكهف/١٠٣-١٠٤].
- الكبر والعناد.
فينكر الحق مهما كان واضحاً، ويؤثر
اتباع ما ترغب به نفسه، ويتمادى بانقياده
لهواه مع علمه ببطلانه، لكن استكباره يحول بينه
وبين الرضوخ للحق.
- عدم ضبط النفس منذ الصغر.
فقد يكون عاش الانسان بين ابويه مدللاً
دلال مفرط، وهذا يغرس داء اتّباع ما ترغب
نفسه،
قد جعله الدكتور السيد محمد نوح رحمه الله
أول سبب في ذلك حيث قال:
(إن الإنسان قد يلقى من أبويه منذ الصغر حبا مفرطا وحناناً فوق المطلوب بحيث يطغى هذا الحب وذلك الحنان على تنمية الضوابط الفطرية والشرعية التي لابد منها لتنظيم الرغائب أو الدوافع وحينئذ يكبر هذا الإنسان ويكبر معه الانسياق وراء العواطف والرغائب حتى لو كانت مخالفة للمشروع إذ من شب على شيء شاب عليه إلا من رحم الله عز وجل).
ثم ينقل كلاماً عن سيد قطب
من كتاب منهج التربية الإسلامية قائلاً:
(والأم التي ترضع طفلها كلما بكى لكي يسكت أو لأنها لا تطيق أن تسمعه يبكى تضره بذلك لأنها لا تعينه على ضبط رغباته ولا تعوده على ذلك الضبط في صغره فلا يتعوده في كبره... والضبط مقدرة يتدرب الإنسان عليها، وعادة يتعلمها, وكلما تدرب عليها وهو صغير كان أقدر عليها، وأكثر تمكناً منها فيجدها حاضرة في أعصابه حين تفجؤه الأحداث).
ما هي المفاسد المترتبة على اتباع الهوى؟
• ان متّبع الهوى يصاب بنقصان بل تلاشي الطاعة.
• متّبع الهوى يصاب بمرض القلب ثم قسوته وموته.
• متّبع الهوى يستهين بالذنوب والآثام.
• متّبع الهوى لا يجدي معه النصح والإرشاد.
• متّبع الهوى يصاب بالتخبط في دينه ودنياه.
• متّبع الهوى تضعف عزيمته ويُحرم توفيق الله.
• متّبع الهوى يَضِلّ ويُضْلِلْ عن الطريق القويم.
• متّبع الهوى تكون خاتمته سيئة مالم يهتدي.
• متّبع الهوى سيء الخُلُقْ ضيّق النفس.
كيف أعالج الهوى؟
• ابتعد عن أسباب اتّباع الهوى (بالأعلى).
• تفكّر في مفاسد اتّباع الهوى (بالأعلى).
• تذكر أن الهداية من الله، ولابد من إرادتك.
•اقبل النصيحة بصبر وصدر رحب وفكر بها.
• تذكّر أن اتباع الهوى يجلب الغم والضيق.
في الختام التوبة سبيل النجاة.
قال الله تعالى :
{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ • وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ}، [سورة الزمر/٥٤].