Image title


في أحد الأعوام كنت أدرس المرحلة المتوسطة في مدرسة تسمى باسم الصحابي الجليل طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه..  هذه المدرسة كانت من أغرب المدارس التي درست فيها،. حيث كان يوجد فيها ملعب كرة قدم يتوسطها ويأخذ ثلاثة أرباع مساحتها ، وتحيط من حوله الفصول على شكل نصف مربع، مما يغضب المعلمين فأصوات من في الملعب لا تسمح لهم بإعطاء دروسهم على أكمل وجه..

أما نصف المربع الثاني كان لعمارة شقق مفروشة. يقطن إحداها مستأجر سيء الخلق، كريه الطباع، حين تقام الإذاعة المدرسية في الصباح، يجعل مسجله يصدح بأعلى صوت لأغنية معينة؛ لكي يبين امتعاضه على الإزعاج الذي تسببه له الإذاعة وأنها تمنعه من النوم.. وذلك دون أدنى احترام للقراّن الكريم والأحاديث النبوية التي تصدح بها إذاعتنا الموقرة.. والذي كان يشجعه على ذلك الفعل المشين: هم بعض الطلاب الذين يقابلون فعله بالضحك والقهقرة مما يزيده تمرداً.. ولا أستطيع نسيان وجوه المعلمين وهم ينظرون إلى بعضهم البعض بقلق وتوتر واضح كأنهم ينتظرون من أحدهم أن يفعل شيئاً، لكن ولله الحمد هذا المستأجر لم يستمر طويلاً فلقد اختفى فجأة دون سابق أنذار لعله انتقل من العمارة بعد شكوى من مدير المدرسة..

انتهيت من تعريف مدرستي الغريبة، وانتقل الاّن إلى المعركة..

في الفصل الذي كنت أدرس فيه انتقل إليه طالب يدعى (سمير) كان شاباً سورياً متسعوداً حيث كان يلبس الثوب والشماغ ويتحدث بلهجة سعودية قصيمية متقنة جداً بل يكاد يتفوق فيها على القمصان أنفسهم بلهجتهم، اسمه الشيء الوحيد الذي يدل على أنه ليس قصيميا! كان سمير هذا حالة فريدة من نوعها له القدرة على تكوين صداقات مع من يحب دون أدنى مجهود حيث كان يكتفي بالسلام والجلوس بجانب من يريد مصاحبته وبالتالي تتكون الصداقة، وكان يحب الجميع والجميع يحبونه بما فيهم المعلمين وناظر المدرس. عدا شخص واحد فقط ألا وهو العبد الفقير لله - محدثكم - .. لقد كان يطالعني بنظرة استحقار مريعة وينهال على بالتعليقات السمجة كأن يقول:(الدب) .. (أبو حبة خال) ..وغيرها من الألفاظ المسيئة، كنت أتجاهله فما دام أنه يكتفي باللسان فقط فما الحاجة إلى العصبية؟ ..

لكن سمير لم يكتفي باللسان ؛ ففي ذلك اليوم بينما أنا جالس في الفصل مركز على شرح الأستاذ شعرت بشيء دبق يملأ رقبتي فالتفت إذ بي أجد سمير السوري، يرمي قطع منديل صغيرة عليّ بعد أن يستعملها في أنفه وبجانبه صاحبه يضحك بشدة .. فقلت له بغضب:

- ماذا دهاك لماذا تفعل ذلك؟

لكن قبل أن أكمل السؤال، رمى سمير قطعة منديل أخرى لكن هذه المرة دخلت فمي!!  فأضحى وصاحبه يضحكان كالمجانين مما دفع كل الطلاب بما فيهم المعلم إلى أن ينظرون إلينا بتعجب واستطلاع، شعرت بعدها أن العصب قد انفجر في رأسي والغضب دامس في عيني لا أرى إلا السوري وحده، قمت من مكاني وقفزت عليه كالأسد أضربه بأقوى ما لدي كفوف ولكمات وركل حتى رأيت الدم ينزف من خشمه حينها دفعني سمير بكلتا يديه دفعة قوية كدت أن أسقط على أثرها .. فقام يركض باتجاهي وعيونه حمراء من شدة الغيظ كأنه على وشك الانفجار، إنتابني خوف شديد فلقد كان سمير أضخم مني بمراحل لكن - ولله الحمد - تدخل الطلاب مع المعلم فأوقفوه..وتمت معاقبتي وحدي ومسامحة سمير فكما قلت: "يحبه الجميع حتى ناظر المدرسة، وبعد هذه الحادثة بات سمير يتجاهلني وأتجاهله".

تمت.....




٥١ ثقبل ١٢ ثانيةتم الإرسال