المتحرشون في بغداد

بقلم / اسعد عبدالله عبدعلي

المتحرش هو إنسان فقد ضميره واضمحلت قيمه وتبخر دينه, بل هو موجود فاقد للعقل تقوده شهوة جامحة, ويمكن وصف المتحرش بأنه كيان متشضي محروم وغارق في الخطيئة, وتزدحم الشوارع بالمتحرشين, ممن يستفز كيانهم مجرد ظل امرأة, وحكاياتهم لا تكفيها ألاف الصفحات, واليك قصتان من قلب الواقع المرير.

● متحرش الظهيرة

تأخرت هديل ذات الستة عشر ربيعا في العودة للبيت, بسبب تعطل باص المدرسة نتيجة "بنچر" مفاجئ للإطار الخلفي، الشارع الموصل للبيت طويل ومخيف وقت الظهيرة، حيث يندر الناس وتغلق المحلات, وهديل تسكن في نهاية الشارع، أي أن طريق الرعب عليها طويل, وما أن نزلت لفها القلق فلا احد في الشارع، قررت أن تسرع في السير كي تصل بسرعة.

فجأة ظهر شاب أربعيني من احد الفروع، وكان يطيل النظر لهديل، كأنه ذئب ينتظر فريسته.

ازداد اضطراب هديل ( ربي اعني على الوصول للبيت)، وأسرعت بالمسير, وما أن مرت ما جانب الشاب الواقف حتى سمعت كلماته الموجه أليها, كأنها سهام مسمومة اتجهت نحو كيانها.

يا أيتها الوردة الجميلة لقد سحرتني.

لم ترفع هديل رأسها, بل أسرعت محاولة الإفلات منه, وبدأ قلبها ينبض سريعا, الخوف والقلق يكبران في مخيلتها, ( يا رب خلصني من هذا الفاسق).

هو, أسرع خلفها, يتوسلها بان تقف وتسمع كلامه:

أرجوك فقط خمس دقائق، بالله عليك توقفي.

كان يتكلم ومخيلته الشهوانية تحدثه أن الفرصة لاحت, وقد قربت ساعة الحظ، فالفتاة جميلة جدا، ولا احد في الشارع، وستستجيب لندائه.

هي، تسرع خائفة تكاد تبكي، ( يا رب عونك).

قرر الشاب أن يمسكها لأنها تكاد تفلت منه، فمد يده نحوها ليمسكها كي تقف، وما أن شاهدت يده حتى وقفت وانفجرت بالبكاء.

هو، (يبدو أنها استسلمت، وأخيرا فزت).

فجأة ظهر عجوز معوق على كرسي وهو يسرع نحو الشاب, وبيده قطعة حديد يهدد بها, وشتائمه تسبقه:

أيها الداعر الا تستحي، الست مسلما، تبا لك من شاب قذر وفاسق.

ارتبك الشاب وتراجع بعيدا، ثم هرب من العجوز, وهربت هديل وهي تحمد الله على ظهور هذا العجوز، لكن غدا ماذا تفعل؟

● الأستاذ المتحرش

انك جميلة, بل فاتنة, وأنت كعكة شهية, يا الله على جمالكن الأخاذ, ما هذه الأجساد الساحرة, كلمات دوما يرددها أستاذ إبراهيم بوجه الطالبات, مع انه قد بلغ الستون عاما, وهن يخافن أن يتعكر مزاج الأستاذ إن رددنه, فيقسوا عليهن بالدرجات, لذا يسعن دوما للصمت أمام تحرشاته, أخيرا قررت فتاة أن تقف بوجه, أنها حنين, الطالبة السمراء الجميلة, التي يشبهها الطلاب بسلمى حايك, طول وجمال صارخ, لكن خلوقة ومحتشمة, انبهر الأستاذ المتحرش بالطالبة الجديدة, فقرر أن يكسب قلبها وتكلم أمام حشد من الطالبات:

حنين انك تملكين جسد جميل, بل لا توجد أجمل من حنين في كل بغداد.

تعجبت حنين من كلمات الأستاذ, وهو الرجل المسن, وهي للتو تلتحق بالجامعة ولا تعرف أسرارها, وقد علمها أبوها أن ترد الظلم, ولا تسكت بوجه كائن من كان, فقالت:

أستاذ إبراهيم, من المخجل أن يصدر هذا الكلام منك, وأنت بهذا السن, فماذا تركت للمراهقين, والله أتعجب منك وأنت في سن جدي المرحوم, كنت أظن أن الجامعة مكان للتعليم وليس للتحرش.

صمت مطبق لكل من كان في المكان, اضطرب الأستاذ وهدد وعربد, وشتم كل الحضور وابتعد, وهرولت ورائه الفتاة الكسولة والمتحررة ميس لتهدئ الأستاذ.

في نهاية الفصل رسبت حنين, ونجحت ميس.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اسعد عبدالله عبدعلي

كاتب وأعلامي عراقي