Image title

علي بانافع

       من أشهر التعريفات للأجازة الصيفية من  -وجهة نظري- "أنها حرية ممارسة الخطأ" أي حق المعلم والطالب في ممارسة التفكير  دون الخوف أو الرعب من ارتكابهما الخطأ، ففي المدرسة يعتبر فكر الكتاب المدرسي هو الصواب المطلق والبديهي، ومن ثم فمخالفته هو الخطأ الذي لا يُغْتَفَرْ؟! ولا يمكن أن يقع فيه المعلم أو الطالب -على حَدٍّ سواء- وإن حصل أن وقع أحدهما أو كليهما في الخطأ يعتبر ذلك من فعل الشيطان؟! كما هو الحال أيام سيطرة الكنيسة في أوروبا، أو من وحي العدو كما في النظم الفاشية المنقرضة، حتى وصلت الديمقراطية الغربية إلى إقرار حق الخطأ وحماية المعارضة من التنكيل بسبب اجتهادها، والحقيقة أن الإسلام تفوق على ذلك قبل ألف وخمسمائة سنة عندما لم يقر فقط حق الاجتهاد بل أثاب على الاجتهاد الخاطىء!! ولكن ليس هذا حديثنا وإنما عن الأجازة الصيفية، فقد كثر الحديث واللغط في نهاية كل عام دراسي -كما يحلو للبعض- اتهام المعلم بالتقصير في كل كبيرة وصغيرة؟! وهي حملة دعائية عدائية كاذبة خاطئة مما جعلها حملة سخيفة مخبولة فاشلة لا أحد يصدقها سوى مروجيها، والمسيء سيكفيكه إساءته ..

       واقعنا لا يحتاج إلى بيان، فنحن عند من له أدنى بصيرة نسير في خط الانحدار منذ زمن بعيد، وكل ما كان يلتمع لنا -أحياناً- ونرتاح له ونسكن إليه لم يكن إلا سراباً، ولا تجد اليوم أعمى ولا بصيراً إلا وهو شاعر بالخطر الذي يتهدد الطلاب في كينونتهم، إننا ابتعدنا تماماً وكل يوم نزداد ابتعاداً عن تحقيق أهدافنا بسبب الهجمة الشرسة على المعلم؟! ويمكن القول -إذا ما طرحنا جانباً المظاهر- إننا كُنَّا قبل أربعين سنة أقرب إلى الحل الرشيد لمشكلات التعليم.

  اليوم بدأت الأجازة الصيفية بعد عام دراسي حافل فالأجازة مسؤوليتكم أنتم؟! المجتمع، والآباء، والإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي ...الخ، فهل آن الأوان لأن نضع أقدامنا على الطريق، فأساس مسؤولية المجتمع منح الوعي الذاتي والنفسي والاجتماعي لأبنائه -ونحن لسنا بدعاً في ذلك- فالمجتمعات الواعية تحمي أبنائها وثقافتها ولا تسمح باختراقها، ولعل الاستشهاد بما تحاوله المجتمعات الأوروبية من الوقوف في وجه سموم الثقافة الأمريكية ومن خطر الاختراعات اليابانية والكورية، وكما أن هناك هواء ملوثاً وماء ملوثاً فالجو العام ملوثٌ بالثقافة الأجنبية غربية كانت أم شرقية.

     حقيقة الأمر أن مجتمعنا في جميع شؤونه واقع تحت تأثير ما يشبه التنويم المغناطيسي، فالطفل عندما يفتح عينيه للحياة يبدأ منومه الكبير -أي المجتمع- بالإيحاء إليه بأنه فلان بن فلان وأنه جزء لا يتجزأ من عائلة وطبقة معينة، وأن الواجب عليه أن يفعل كذا ويقول كذا، وبذا فهو ينشأ وهو كالمنوم ينظر إلى نفسه كما ينظر الناس إليه، ويقوم بما ينبغي أن يقوم به حسب ما أوحى إليه مجتمعه الذي يعيش فيه، يقول سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ((الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا)).