صباح/ مساء الخير أينما كنتم.
.
العنوان اقتباس من كتاب سابق قرأته، لا أستطيع التوصية به بعد، لكن هذه الجملة منه تشّع صدقًا.
.
تتناوب مشاعرنا في الظهور، و قد تتقلب مزاجات البعض بشكل أكثر من غيره في اليوم، و هنا لن أتحدث عن الطبيعي في ذلك و الغير طبيعي، أو إن كان الأمر صحيًا أم لا، أو مالذي قد نفعله من حلول سحرية و جذرية للحصول على مزاج رائع طوال الوقت، أو على الأقل متزّن.
.
لكنني سأتكلم بشكلٍ عام، عنها قدر الإمكان، عن تعايشنا معها، وعن كيف تبدو طبيعية جدًا فما طعم السعادة بالإنجاز سيبدو إن لم يحمل قبله بعض العمل و التعب؟
.
عمومًا، قد يخلط البعض أو الكثير بين مشاعره الشخصية و شخصيته، فمحاولته للاحتفاظ بمزاجه الخاص، قد يتعدى أحيانًا ليصل لجزء كبير منه، و قد يبدو هذا السبب الأول في عدم أريحيته في المكان، سواءً عمل أو زيارة بسيطة. و هنا تجده طوال الوقت متأزّم يحمل شعور خفي بالضيق، و يتعذر بعدم الراحة بالخروج، بينما لا أحد يجبره على ذلك. إنّ التوازن في إظهار شخصنا أمام الآخرين مطلوب، للراحة التي تهمنا في منطقتنا الشخصية، و لكن هذا لا يعني أن تقتل نفسك بإظهار شخص آخر لا تعرفه أمام الآخرين، و رغم أننا نلاحظ كثيرًا من الأسر التي توجب أطفالها على ذلك أمام الضيوف مثلًا، إلا أنّ العفوية دائمًا تُفضل، من أجلك أولًا قبل كل شيء، ثمّ إنك بالغ بما فيه الكفاية لتعرف التصرفات التي لا تليق بالمكان، بمعنى حتى و إن كنت بين المقربين منك من الأشخاص الذين يجيدون إلقاء الطرائف دائمًا، فلا بد أن تعرف مالذي يصح الحديث عنه، والمناسب. لا أحد يقيدك تذكّر، لكنك لا تريد أن تترك أثر سيء على الموجودين أيضًا بدون قصد.
.
ثم إنه من الطبيعي كثيرًا أن نحاول تمالك الوضع، و أن نشعر أنفسنا بأنّ كل شيء على ما يرام، ليس لشيء بحد ذاته ولكن جميعنا نعلم أنّ كل شيء سيمضي. وهذه المحاولات تعين في بعض الأحيان على تهدئة الأمور، على الأقل بشكل نفسي. و على كل حال التهدئة ستسهل التفكير بشكل أوضح، حتى نستطيع أن نقوم بالصواب، أو حتى تعود المياه لمجاريها.
.
كل هذا لا يعني بأننا لا نبالي، أو لا نشعر، لكننا تحتاج لفترة راحة/ سكون. و حتى إن مررنا بمرحلة اللامبالاة، جزء منها على الأقل لن يضر، و ستجد الكثير ممن يجزم لك بأنها حالة رائعة من الوصول لسكينة البال، لكننا في حقيقة الأمر لا نستطيع البقاء فيها كشعور دائم، فنحن بشر، نعلو و نهبط بمشاعرنا طوال الوقت.
.
قد نغوص طوال رحلة حياتنا في الكثير من الأفكار الغريبة و المجنونة، و التي لا نعلم من أين تأتي، أو كيف تصدر، نحن فحسب لا نعرفها. وقد تبدو حلوة و مغرية و مثيرة للحماسة ومشوقة للتجربة، قد نستطيع أيضًا عيش بعضها وقد نشعر بأنّ مافيها من الغرابة مايكفي، قد تأتي لفترات طويلة، وقد تكون ضيفًا خفيفًا، كما أنها ليست دائمًا و للجميع تبدو صائبة، إلا أننا مرورنا بها لا يعني أننا وحدنا من نملك مثلها، كل شيء ليس بغريب و إن كانت غير معتادة، إلا أنها قد تكون في ذهن الجميع!
.
و أحيانًا أخرى، قد ترى أنّ كل هذه الأفكار التي تدور برأسك لا تعبّر عنك مطلقًا، و لا تمثل شخصك، أفكار تحبط، تثبط دائمًا من الهمة، تشعر بالضياع، بأنك لم تعدّ تميز من أنت، قد تأتيك هذه المشاعر كثيرًا في مراحل التغيير بحياتك، وعند البدء بخطوة جديدة ليست من عادتك، وهذا لا يعني فعلًا أنّ هذا الأمر لا يعبّر عنك، لكن كثيرًا من الأشخاص أو عند بعض المراحل الغير معتادة تتوارد مثل هذه الأحاسيس، وتطغو على حبّ التجربة لديك، و متعة الاستكشاف. تدعوك للبحث والتساؤل: ماذا لو لم يكن هذا مكاني؟ وهل أعيش كما أريد؟
.
قد ترافقنا الدموع وقد تكون أيضًا مرافق دائم لمشاعر البعض أيًا كانت، بالتأكيد لا تدل على الضعف، إلا حين نحبّ أن يتوقف الأطفال عنها. نشرت مقطع مؤخرًا عنها في تلقرام. بل نوع من أنواع الدموع قد يخفف عنك الكثير مما تشعر به، أيًا كان. لذلك لا بأس دائمًا إن كنت تفضل وجودها!
.
أيضًا قد نمر بفترات اللا شعور/الرتابة، و قد يكون الموضوع مزعج جدًا بالنسبة لأحدنا، فلا يعلم سببه، قد لا يكون هناك أمر مسل في طوال هذه الفترة، لكنّ لا شيء سيء. الكثير يستطيع التخلص من هذا الأمر، بمحاولة فعل أنشطة جديدة، إضافة مهارة جديدة للتعلم خلال الشهر، صنع طبق جديد أو فعل أمر يناسبه أيًا كان، وهو يعلم أن هذه الفترة ستمضي و هو أمر اعتيادي، لكن البعض قد يهلع تمامًا، و لا يعلم ماذا يفعل، بالتأكيد قد يدل هذا الشعور على حاجتك للتغيير لو كان مثلًا في مجال عملك، لكن ليس كل شعور يدل على احتياجك للقيام بتغيير جذري.
.
انتظارنا مثلًا لنهاية الأسبوع بتشوق لا يعني بأنّ شعور الرتابة سببه عمل ممل، فربما العمل جيّد و لكن الجميل في نهاية الأسبوع هو قضاءها في أمور أحبّ للقلب كالتنزه مع العائلة، بالتأكيد من الرائع جدًا أن نحبّ ما تقوم به، ولكن هذا لا يعني بأنّ علينا أن نحب العمل أكثر من وقت الراحة، الوقت الخاص. أعلم أن كثيرًا يقسمون بأنهم يعيشون مايحبونه، و يستيقظون بحماسة من أجل عملهم، لكن هذا لا يعني أنهم لا يتعبون أو لا يشعرون بحاجتهم للوقت الخاص، إن هذا الوقت هو جنة، و منه حتى نستطيع شحذ الطاقة.
.
من جانب آخر، قد يأتي شعور السكون/اتزّان، حاول عمومًا أن تفهم نفسك أكثر. لا تتسرع بظنك أنه شعور رتابة، شعور الاتزّان مريح جدًا، قد يراه البعض أيضًا نوعًا من اللامبالاة، لكنه مختلف ولا يدعوك للقيام “باللا شيء” إنما شعور بسيط، يحمل النفس على الاسترخاء أيًا ماكانت تفكر فيهز شعور هادئ ، و أظن وجوده غالبًا يدل على النضج، فمحاولات أخذ الأمور بتروي أكثر، و بدون أن تتعب على كل شيء، هو أمر لا يجيده كل أحد.
.
ماقبل النهاية، قد يكون محيطكم هادئ، لا أحد يحملكم للشعور بشكل سيء، و إنما كل الأمر من بنات أفكاركم. ربما لا أحد يستطيع التوقف عن التفكير، لكن هذا لا يعني بأن الالتفات الدائم لكل الأصوات المزعجة -التي تحث نحو التوقف، ترغم على الاستسلام، و تمنح شعور بالسوء نحو الذات- هو الحل. حاولوا فعل الأمور التي تسحبكم بعيدًا عن هذا الضجيج، ابحثوا عمّا تحبون، أو ارغموا أنفسكم على تجربة أمر جديد و إن تقاتلتم مع أصواتكم الداخلية.
.
المهم، لا تنسوا أبدًا أن للجميع مشاعر مختلفة -أنا لم أحاول حصرها هنا- ولا شيء منها غريبًا علينا كبشر. كما أنّ مرورنا بأحدهم دون الآخر عادي، أو مرورنا بشعور أكثر من غيرك هو أمر عادي أيضًا، نحن نختلف في طريقة استقبالنا للأمور، تختلف ردات فعلنا و تقبلنا و محاولتنا للتجاوز، هناك حدود دائمًا لكل شيء طبيعي، ولكن هذا لا يعني أن استقبالك وتقبلك للحزن هو أمر بائس، بل إن محاولة كبتك ستعيق هذه المشاعر من الظهور، لتعود لك في أوقات لا تفهمها. لا تقارن نفسك بالآخرين، لا تشعر بالضيق على الاختلاف فيما بينكم، حاول عمومًا أن تزهر روحك، الأمر ليس بالسهل، لكننا على قدر الإمكان نحاول الاستمتاع بالأمور الصغيرة، العيش مع ما نملك، البحث عمّا قد يغيرّ الوضع للأحسن.
.