الزمان: إجازة الصيف الماضي.
المكان: كورنيش جدة.
الحدث: نساء تسود حلكة عباءاتهن الليل، ورجال يجلسون على امتداد الرصيف بين عائلاتهم، أطفال يلعبون أمام البحر، درّاجات هوائية وناريّة تذرع المكان، أكشاك متفرقة تتنافس على جذب الزبائن، بسطات تفترش الأرض وتعرض مباهجها الصغيرة: طائرات ورقيّة ملوّنة، وكُرّات بلاستيكية، بالونات، زمامير، ألعاب نارية...
تقترب سيدة من نسوة جالسات، تعرض عليهن نقش كفوفهن بالحناء مقابل مبلغ زهيد.
يمرُّ رجلٌ قربَ امرأة تحرس خُطى طفلها الغض، يسألها إن كانت تريد تخليد اللحظة: صورة؟ ويُشير إلى الكاميرا الفورية المعلقة على صدره.
ينعطف راكب دراجة ناريّة نحو تجمع صبية يتمللون، يُخبرهم عن سعر الركوب وزمنه.
يقف شاب صغير ونحيل بملابس رماديّة ووجه شاحب، يبدو كممثل كومبارس خرجَ للتوّ من شاشة فيلم بالأبيض والأسود فنسيَ ألوانه وراء الشاشة، وأتى إلى هُنا قبل أن يعرف طبيعة الدور الذي أسنده المخرج إليه، إذ لم يطلب منه أحد أن يقرأ السيناريو أو يحفظ جملة يؤديها في مشهد بعينه... خرج من هناك، وجاء هُنا ليؤدّي مشهدًا رماديًا تقتحم رماديته ألوان الورود الحمراء بسيقانها الطويلة الخضراء التي يعرضها للبيع. تسأله فتاة تقترب خُطاها من خُطاه، ويقترب عُمرها من عُمره الغض الصغير: محمد، الوردة بكم؟
وبلهجة ألفتها من أغانٍ قديمة لا يمل المغنون من إعادة تسجيلها (عادك إلا صغير، بدري عليك...) يبدأ في شرح أسعار الورد، وما أقصر عُمر الورد حين يُنزع من تُربته.
الزمان: كل الأزمنة
المكان: كلّ الأرض
الحدث: ساسة تسود حِلكة قلوبهم الزمن فتُحيله إلى ليلٍ لا نهائي، رجال يقرعون طبول الحرب إيذانًا بحلول اللحظة التي يبتعدُ فيها الرجال عن عائلاتهم، أطفال يقتحم الموت ألعابهم بلا استئذان ويصرّ على اللعب معهم. دماء تفترش الأرض، رصاص يزاحم الهواء، قذائف يُعلنُ دويّها عن عروض الموت المجاني اللامحدود.
يضرب الفلاحون بفؤوسهم المتمرسة جذوعهم المغروسة في الأرض التي أذهب الفزع عقلها فتبرأت منهم، يتكدس البشر على خطوط مدن لا يعرفونها فرارًا من جحود المدن التي لم يعرفوا سواها، ينجح شاب -وآخرون مثله- في العبور. فيصل إلى مدينة تفتح بحرها على احتمالات لا نهائية لفرص الغرق والنجاة، يحصل على فرصة لتأدية مشهد طويل في فيلم تسجيلي وثائقي لم تفلح التقنيات في تلوين مشاهده، يحفظ جُملته من السيناريو الذي تعرّض لانتقادات الجميع بعد أن شارك في كتابته الجميع. بلهجة ألفتها من أغانٍ قديمة لا يمل المغنون من إعادة تسجيلها (عادك إلا صغير، بدري عليك...) يؤدي المشهد، فيشرح أسعار الورد، وما أقصر عُمر الورد حين يُنزع من تُربته.