د. علي بانافع
من وحي صورة والتعليق - أعلاه - كانت هذه السطور 👇👇👇
في ظل هذه الموجة الشديدة من البرد التي يحاول كل واحد منا أن يتغلب عليها بوسائله المختلفة، ليحقق لنفسه ولأهل بيته دفئًا يحميهم من لسعات تلك البرودة. فإن مع هذه البرودة الحسية التي نعيشها ويمكننا التغلب عليها برودة أخرى لا تنفع معها أي وسيلة من وسائل التدفئة المعهودة، ولم تكتشف لها إلى الآن وسائل للوقاية منها، ومن غرائبها ومتلازماتها أنها بردوة مستمرة طوال العام، يستشعرها من أصيبوا بها في عز الصيف، فمع شدة الحرارة فيه تجد صاحب هذه البرودة دائمًا جسده يرتعش، وأسنانه تصتك، وجلده يقشعر، وتداخل أضلاعه من شدة ما يشعر به من لسعات تلك البرودة وعضاتها.
إنها برودة غريبة في أحوالها وأطوارها هي: "برودة العواطف والمشاعر". فكم من بيوت مع ما فيها من وسائل التدفئة إلا أن أصحابها يشعرون وكأنهم بعيشون في ثلاجات، إذ لا حنان، ولا أمان، ولا حوار، ولا سكينه، إنهم يحيون فوق قمم من جبال الخلافات والمشاكل، تجعل كل واحد منهم يعيش في زاوية من البيت، يعطي ظهره لغيره، أو كأنهم جزر معزولة تقطعت بينهم أسباب التواصل، فلا توجد بينهم شراكة وجدانية، ولا احتضان عاطفي، ولا سكن، ولا رحمة، ولا مودة، يرتعدون من شدة البرد في قيظ الحر، عيونهم غائرة، وقلوبهم مرتجفة، وأيديهم متثلجة يفركون بعضها ببعض، ثم ينفخون فيها بأنفاسهم التي يظنون أنها دافئة فتزيدها الأنفاس بردًا وبؤسًا، كما ترى ظهورهم وقد احدودبت وانحنت وكأنها تميل لتحتضن بقية الجسد، لتطوي بعضه على بعض لعل شيئًا من تلك الحرارة المفقودة يتوهج.
ولكن هيهات هيهات، فهذا الدفء العاطفي لا يمكن أن يتحقق إلا إذا تغلبت النفوس على بغضها، وتنازلت عن غرورها وكبريائها، وتخلصت من أنانيتها، وتأكدت أن الحياة مشاركة في السراء والضراء، واقتسام للأيام حلوها مع مرها، وسعى كل طرف إلى إرضاء الآخر، وغادر كل واحد منهم النقطة الحمراء التي حددها لنفسه في تعامله مع جزئه إن كانت زوجةً أو كان زوجًا، أو مع حبة قلبه وفلذة كبده إن كانت ابنةً أو ابنًا، فهنا لا خطوط حمراء ولا مسافات فاصلة يصح الوقوف عندها، بل هنا إقبال، يتبعه احتضان يتولد منه طاقة هائلة من الحرارة العاطفية التي يتحقق معها الرحمة والود والسكينة.
وساعتها سيتحول برد الشتاء إلى دفء يسكن القلوب وينعكس على الأجساد، ويتحول قيظ الصيف إلى نسمات باردة تهدهد على القلوب فتزكي من جذوتها وعلى الأجساد فتبرِّد من حراراتها.
💐💐💐 طوبى للمتغافلين 💐💐💐