يوم آخر كعادته ، لا يهمني هل سيكون سعيدًا أم غير ذلك !
ما يهمني هو أني وبمرور الوقت يزداد عدد الأيام التي أنسى فيها أن أتمنى أن يكون هذا اليوم هو الأخير لي في هذه المدينة دون أن يخيب أملي ..
لم يحدث قطُّ أني لم أعد محملا بخيبة أملي تلك مع كل مساء !
ككل صباح عليًّ أولا -وحتى قبل أن أفكر في ارتشاف فنجان قهوة في البيت- عليَّ أن أخطو بضع خطوات لأنفُضَ ما تبقَّى منذ سهرة أمس من طيفك العالق على حافة ذاكرتي القوية فقط حين يتعلق الأمر بك أو ببعض التفاصيل التي لا فائدة من تذكرها .. وحتى من نسيانها !!
اليوم ومن حسن حظي النادر تأخر جاري في الإستيقاظ فلم أُضطرَّ إلى سماعه وهو يلعن تلك السيارة المتعَبة على إيقاع صوت محركها الذي أصبح هو الآخر يهدر وكأنه يبادله اللَّعنات بالمقابل ..
بالمناسبة أعرف أنه ليس من الجيد أن يتأخر عن عمله ، لكنني أتمنى أن يفعلها مجددا !!
أن تعيش يومك فقط من أجل أن تنهيه وبأخف الأضرار يعني أن الأيام هي من تعيشك وليس العكس ! أمر كهذا لا يحتاج منك إلا أن تكون قويا دائما .. ولوقت طويل !
أبحث عن طاولة شاغرة في مقهى المحطة ، مقهى لا يقصده إلا أشخاص يشعرون أنّهم يزاولون أعمالا مملَّة ، يعتقدون ذلك وكأن هناك عملاً غير ممل ، على كل عمل أن يكون مملا وإلا أصبح نزهة ممتعة ، وهذا بالطبع ما لا يجب أن يحدث في هذه المدينة.
أجلس على مقعد ما وأنتظر ، تَعرِف المقاعد الثلاثة الأخرى جيدا أنني لا أحب الإنتظار ، فقط من أجلي وكنوع من المواساة -أو ربما السخرية- أراها وكأني بها تضع رجلا على أخرى على سبيل الانتظار .. لطالما تخيلتها وهي تخاطبني قائلة : الإنتظار .. مُضرّ بالصحة فلا تدمن عليه !
في هذه الأثناء كان النادل يرمقني من بعيد متصنعا ابتسامة خفيفة على شفتيه ، أناديه متصنعا بدوري ابتسامة أخرى فيقبل مسرعا.
النادل : ماذا تشرب ؟
أنا : كوبًا من النسيان لو سمحت !!
النادل : حسنًا .
يغيب النادل لمدة دون أن يستفسر ثم يعود حاملا معه كوبا من القهوة ، يضعه على الطاولة ثم يغادر .
أشكره دون أن أستفسر أنا أيضا ، ملعقتان من السكر دون تحريكهما ، رشفتان أو ثلاث ، أدفع الحساب وأمضي .
بعدها أتجه نحو مكان عملي المملّ هو الآخر ، لا شيء مما سيحدث طيلة اليوم يستحق إراقة شيء من الحروف والكلمات من أجله سوى أنه سيكون يوما آخر كعادته .. ومن دونك !!