بكاء أرض الزيتون

بشرى المعمرية


    تلك الأرض الطاهرة، تلك الأرض التي أخذها وغصبها أناس لا ينتمون لها، أخذوها قسراً عن أهلها، دمروها وأبادوا كل حي فيها، احتلوها ونسبوها لأنفسهم بدون أي وجه حق، سفكوا دماء موطنيها فأصبحت كقبر كبير للشهداء؛ فدمهم قد روى أرضهم، فأصبحت رائحة ترابهم مسكا شذيا، قالوا بأنها أرضهم، وبأنها أرض أجدادهم، وما أقوالهم إلا أضغاث أحلام، وأكاذيب لا يصدقها إلا هم وأناس من شاكلتهم، هي عبارة عن قضية لكل عربي ومسلم، ولكل إنسان يمتلك ولو ذرة من الإنسانية والرحمة، نعم، إنها فلسطين قضية دامت عقود إلى هذا اليوم.


    فلسطين سلبها اليهود، واستوطنوا فيها، وذلك لأسباب جعلتهم يطمعوا فيها ويسرقوها، ولعل من أبرز هذه الأسباب هي وجود الأقصى الشريف فيها فهم طمعوا فيه، ونسبوه إليهم، هذا المكان الطاهر المبارك مسرى رسول أمة لا إله إلا الله، أمة التوحيد والإسلام.

  الأقصى هو أولى القبلتين، مقام العذراء مريم أم عيسى عليهما السلام، ومكان عبادتها، هو من أهم مقدسات المسلمين، وهو حق لهم، ولا يوجد لليهود حق فيه، وفلسطين أرض الزيتون، وأرض الأنهار خيراتها وافرة جبالها تقف شامخة،  إن قممها تلامس سحابا مرت من جنبه أرواح الشهداء وهي ذاهبة إلى واجِدها، وبحارها التي تدلي بأمواجها على شواطئها؛ لتشكل صورة بديعة جميلة تذهل العيان منها، أوديتها ورائحة قهوتها الشذية، تاريخها العريق العتيق الذي سطرته الأجيال في أسفار التاريخ، وإن بحثنا لوجدنا أنها أرض العرب، وليست هي لليهود الغاصبين.


    جاؤوها وقالوا لسنا بمحتلين نحن نريد أن تستقبلنا أرض وتحتوينا بعد شتاتنا؛ فلم تعد أرض تسعد بوجودنا، وبغضونا الناس واستحقرونا، ونظراً لأصالة الفلسطينيين منذ القدم؛ ولأنهم ذوو دمٍ شريف عزيز لا يردوا ضيفهم استقبلوهم كضيوف في بلدهم، وأسكنوهم حيثما سكنوا وأطعموهم ... ولكن مادامت الخيانة تجري مجرى الدم في عروق هؤلاء الغاصبين، والكذب هو جزء منهم لا يتجزأ ... بدأوا باحتلال الأراضي الفلسطينية، ونسبوها إليهم شيئا فشيئا.


     شهداء فاضت أرواحهم لرحمن السموات والأرض، دافعوا عن أرضهم، وحاولوا أن يرجعوها لهم ويعيدوا مجدهم التليد، كانوا يستخدمون حجارة، بينما المحتلين استخدموا أسلحة فتاكة، اخترق الرصاص أجسادهم، ماتوا وآخر ما قالوه أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، هم لم يكونوا يهابون الموت بل كانوا يذهبون إليه وهم فرحون، فتى يخوض غمار الحرب مبتسما هكذا هم الفلسطينيون يسعدون بالشهادة والموت في سبيل الله، وسبيل الوطن، هم وإن ماتوا، وإن دفنت أجسادهم تحت التراب سيظلون أحياء لقوله تعالى:" ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون" (آل عمران: 169).  

 

      رائحة المسك تتضوع من ثرى فلسطين؛ فقد روى دماء الشهداء ثراها؛ فروح وريحان، وجنة نعيم لكم يا من وافتكم المنية وأنتم واقفون أمام عدوكم في محاولة لإرجاع دياركم بلا درعٍ يحميكم منهم، ولا تخشون أحداً سوى الله تعالى.

    أبواب جنته - سبحانه - مفتوحة لكم أيها الليوث، المغاوير؛ فقد نلتم شرفا عظيما، ألا وهو شرف الشهادة.


دعونا نقول بأن قضية فلسطين ليست قضيتهم هم فحسب، إنها قضية كل عربي ومسلم، ولا تقتصر فقط على المسلمين بل هي قضية كل إنسان يملك ولو ذرة من الرحمة، وإن الدفاع عن تلك الأراضي واجب علينا؛ فالأقصى الشريف ملك لنا - نحن المسلمون - وهو من مقدساتنا، أوليس الدفاع عن مقدساتنا واجب علينا؟


      إن الدفاع عن فلسطين من شمالها لجنوبها، ومن شرقها لغربها، ومن بحرها لنهرها، هو واجب على كل إنسان يتصف بالإنسانية، وعلى كل شخص يوجد به رأفة، والدفاع عنها هو واجب على كل الأديان، نحن فدى لك يا فلسطين، وفداء لأقصانا الشريف.


 ساندوها قفوا بجانبها؛ سكانها هم إخواننا، أرضهم هي أرضنا، الجهاد في سبيل الله، وسبيل فلسطين لا يقتصر فقط على الذهاب هناك، وأن تخرج سيوفك من أغمادها، يمكنك أن  تدافع عنها بمقاطعة كل المنتجات الداعمة للكيان المحتل، وأن تدافع عنها في مواقع التواصل الاجتماعي؛ فهذه وسيلة بإمكانها أن تسقط كيان بأكمله، وهو سلاح حديث، وهم يخشوه، فمن الصعب عليهم أن يروا بأن كل الناس يقفوا ضدهم، وأن تُكشَف حقيقتهم، ويفضح أمرهم، وتظهر نواياهم الخبيثة، اليوم هي تشهد صراعا مريرا، وهذا الكيان سيسقط؛ فالمستوطنون اليهود الذين كانوا يقفون بجانب الكيان الغاصب تغيرت نظرتهم، وبدأت الحقيقة تظهر للعيان، وهذا كله يعود لفضل السلاح الحديث الذي نشر حقائقهم، وبدأوا اليهود بالظهور، وإخبار الناس بأن الأرض ليست أرضهم.


 


مصرعهم آتٍ لا محاله فذلك ذكره الله (تعالى) في كتابه لقوله سبحانه: {وَقَضَيْنَا إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا 4 فَإذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا 5 ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا 6 إنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْـمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا 7 عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإنْ عُدتُّمْ عُدْنَا} [الإسراء: ٤ - ٨]. فكما حررت فلسطين في عهد الفاروق عمر ( رضي الله عنه )١، وفي عهد صلاح الدين الأيوبي ستحرر مرة أخرى، وسوف يعود العرب إلى أرضهم، وكل الذين هاجروا سيعودون إلى أمهم فلسطين.


ستعود فلسطين كما كانت ... ستعود الأنهار فلسطينية الهوية، والجبال عربية أصيلة، سيعود أقصانا المسلوب! الأرض سترجع لأهلها، ولحود الشهداء ستظل ذكرى تروي ملحمة عظيمة لتلك الأرض التي قامت عليها صراعات مريرة، سينتصر الحق، ويبطل الباطل، نعم، لا مكان في هذا الكوكب يتسع لأناس أخذوا ما ليس لهم، نحن لا نعترف بكيان كهذا نحن نسميها فلسطين فهي فلسطين وستظل فلسطين ... فكما قال محمود درويش: "كانت تسمى فلسطين صارت تسمى فلسطين" وكما قال أيضاً: "هذه الأرض لا تتسع لهويتين، إما نحن، وإما نحن" نعم هي تتسع فقط لأهلها وذويها، ومن قال أن للسالبين مكان في أرض عرب؟! رواية فلسطين لن تغيب عن عقولنا، لن ننسى تلك المجازر التي قامت على تلك الأرض، ولن ننسى أطفالا أبرياء حرموا من الحياة وقتلوا ... نعم، هم لم يسلبوا الأرض فحسب بل سلبوا الحياة عن الناس وحرموا من أبسط حقوقهم - وهو حق العيش - سلاما عليكم يامن تنامون والتراب يحيط بكم، وكأنه رداء لكم يحميكم ألا إن لحودكم رياض من جنان الرحمن، ارقدوا بسلام أيها البواسل، ألا إن جنة المأوى مثواكم شفعاء لأهلكم أنتم، نعدكم بأن حقكم لن يضيع، ستعود الأرض من القدس إلى حيفا، سنجتمع يوما بإذن الله في ساحات الأقصى الشريف سنصلي جميعاً على تلك الأرض المباركة، وسنلتقي في الجنة بالشهداء، ونخبرهم بأن الأرض عادت، والمجد عاد والتاريخ أيضاً، دماؤكم لم تهدر عبثاً، ونضالكم سيكمله من بعدكم أناس يتمنون الشهادة كما تمنيتموها أنتم؛ فكل أم في فلسطين تلد شهيدا، سيبارك الله( تعالى) في مسعى الذين يجاهدون لإعادة وطنهم في يوم ينتظرونه، وسينصرهم بقدرته؛ فهو القادر المقتدر؛ وغضبه شديد ولطفه بعباده ظاهر، شديد على الأعداء لطيف علينا، ونحن سنحاول بما أعطانا الله (تعالى )من قدرة، وحتى إن لم نقف بجانبكم سنكون معكم من البعيد، إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض، ولا في السماء، حماكم الله (عز وجل)، وسدد رميكم فاصبروا ألا إن وعد الله حق.