ن

طالبة ، طب الاسكندرية

مدة القراءة: 3 دقائق

الرسالة ؛ ورقة غائبة .

- هل حقًّا كان أبي علي وشك الانتحار ؟

- نعم يا بني ..

- و لكنه لم يفعل !

- أجل .

- ماذا حدث بعد ذلك ؟ انتهت الأوراق معى عند هذا الحد .

- بقيت رسالة أخيرة ، أجمل ما كتب والدك و لكنني أحتفظ بها معيّ دومًا . دعني أقرأها عليك .

ترقبت عيناه و جوانحه ببهجة تشبه بهجة ليلة العيد هذه الكلمات .

" عزيزتي / ناي

لا أعلم بعد هل يحق لي أن أصفك بتلك الصفة أم لا ! بل لا أدري بأي حقٍ أكتب لكِ تلك الكلمات . هناك شئٌ أقوى من سيطرتي يدفعني لأخط تلك الكلمات في تلك اللحظات البائسة .

أكتبُ إليكِ لأعتذر !

الآن ، و أنا أتذكر قصة ذلك الشاب الراحل - ربما يسمح لنا القدر يومًا أن أقصّ عليكِ قصته - تذكرتك ، تذكرتُ ذلك اليوم الذي أنرتِ فيه البيت المجاور لجدتي .

تذكرتُ طلتك ، و تلك المرة الأولي التي التقت عينانا ، أتذكرين ذلك اليوم ؟ ربما لا ، من أين لكِ أن تلاحظي وجودي ..

تذكرت ليلة القصف الأولى ، ليلة أن أمطرت عيناك علي حياتي دموعًا كالمطر ، ليلة بدء العاصفة التى لا تزال تشتد و تنتشي كل يومٍ بضربي بصواعقها .

أنا آسف عزيزتي !

آسفٌ لأنني تركتُكِ تبكي ، آسفٌ لأنني عجزت حينها و كل حينٍ مررت بِه .

آسفٌ لأنكِ رحلتِ من فلسطين ، لأنني لم أدافع عن بيتك ، لم أشارك في صد العدوان ، لم أمنع معاهدة السلام تلك ، آسفٌ لأنني لم أكن صلاح الدين .

أسفٌ لأنك مُنعتِ من الذهاب لمدرسة الحي ، و هُجِّرتِ من بيتك لأطراف الأرض .

أسفٌ لأنني لم أمنع سورية من أن تتخذ مسار الفتن و القتل ، ففقدتِ حرمك الآمن مرتين !

أسفٌ لدفعك لمصرَ دفعًا و إن كانت لا يمكنها أن ترعى زيتونتك المفضلة .

أسفٌ لاضطرارك للعمل بدلًا من أن تكملي دراستك المنقطعة منذ زمن !

أسفٌ لأنني أعجز أن أحدثك عمّا يملأني تجاهك !

أنا أسفٌ عن كل شئ ، فعلته و لم أفعله ، إلا أنّه أحزن قلبك الندي ! "

_ لم يسعني الوقت يومًا لأسألك هل قبلتِ اعتذاري !

- قبلتُ اعتذارك مذ تزوجنا ! و إن كنت لا أرى لاعتذارك حق ..

- حسنًا ، هذا جميل ، و إن كثرتُ حقوقك عليّ . كيف حال صغيري الآن !

- هل عاد مصطفي يا أبي بعد اختفائه ؟

- ربما يا بني .. ربما عاد في يوم ما بعد رحيلنا من مصر .. قبل أن أرحل ، رأيتُ فقط جسدًا يشبهه و لكنه ليس هو !

- ماذا حدث عند الجسر يوم ذهبت إليه ؟

- ذهبتُ فوجدته مزدحمًا كعادته ، ثم تذكرتك والدتك فعدتُ مرةً أخرى ..

- ثم ماذا ؟

- إنك كثير الأسئلة اليوم ! ثم سارت الحياة كما كانت و لكن الحظ صار صديقًا لي هذه المرة .

- ثم ماذا حدث ؟

- تزوجنا ثم سافرنا إليّ هنا ، ثم جئت أنت لتسأل ماذا حدث ..

- و فلسطين و سوريا ؟

- كما هما يا بني ، كما هما ، سآخذك يومًا هناك فلا تتركهما أبدًا . هما جزءٌ منك فلا تتنصل منه فتسقم !

- هل هما جميلاتان كتلك الصور ؟ كالحكايا التى تقصّاها عليّ ؟

- بل أجمل !

أَنِّي لنا بعودةٍ لا ترحال بعدها أبدًا !

ن
نورهان الصّباغ

طالبة ، طب الاسكندرية

أهلاً بكم في مدونتي! أنا كاتب شغوف أشارككم أفكاري وتجربتي في الحياة من خلال تدوينات أسبوعية. أستكشف فيها التوازن بين القيم والمغريات التي نواجهها يومياً، وكيف يمكننا أن نعيش حياة مليئة بالمعنى والعمق. انضموا إلي في هذه الرحلة الأدبية!

انضم الى اكتب

منصة تدوين عربية تعتد مبدأ البساطة في التصميم و التدوين

التعليقات