منذ مدة لم يستطع أي عمل درامي أن يجذب انتباهي منذ اللحظة الأولى للأخيرة، كما فعل فيلم المواطن مصري إنتاج سنة 1991 بطولة عمر الشريف وعزت العلايلي المأخوذ عن رواية الكاتب يوسف القعيد الحرب في بر مصر، الفيلم يبدأ بصعيد مصر حين يزف المحامي (عزت المشد) نبأ فوز العمدة (عمر الشريف) بالقضية التي كان قد اختصم بها الإصلاح الزراعي أمام القضاء لاسترداد 170 فدان لمدة 20 عامًا، وبينما الأفراح تدب في منزل العمدة كان الفلاحين ساخطين على ذلك القرار لأنه يعني إنتزاع الأراضي التي تم توزيعها عليهم خلال فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وإعادتها للعمدة، يتلقى العمدة بعد ذلك نبأ طلب ابنه توفيق (خالد النبوي) للإنضمام للجيش في يونيو من العام 1973 لكنه يرفض انضمامه ويبدأ في التخطيط لهروب إبنه من الانضمام للجيش بصحبة الغفير (المنتصر بالله) وحمدان الويشي المحامي (حسن حسني)، حمدان الويشي يقترح أن يذهب أحد الأشخاص بديلًا عن إبن العمدة لأداء الخدمة العسكرية ويكون الشاب مصري عبد الموجود(عبدالله محمود) بوصفه وحيدًا ولا يحق له الانضمام للجيش هو الحل، يستغل العمدة حاجة الوالد (عزت العلايلي) وخوفه من إنتزاع الأرض المكونة من ثلاث أفدنة التي يمتلك ويمنحه الأرض ووظيفة وذلك في مقابل الموافقة على ذهاب ابنه لأداء الخدمة العسكرية، وبينما يدخل الشاب لأداء الخدمة العسكرية يحصل العمدة على شهادة وفاة باسمه تفيد وفاته منذ اليوم الأول لإلتحاقه بالجيش وتؤكد أن الذي إلتحق بالجيش هو ابنه، وفي أثناء حرب أكتوبر 1973 يتعرض مصري لإصابات بالغة وقبل وفاته يبوح بالسر لزميله حسن (أشرف عبد الباقي) الذي يحاول أن يعيد جثمانه إلى والده عبد الموجود لكن الأخير يرضخ لتهديد العمدة بالسجن وتشرد إبنتاه حال إعترافه بالحقيقة ويأبى في المشهد الأخير وهو يلقي النظرة الأخيرة على جثمان نجله القول أن الجثمان يعود لإبنه. الفيلم نجح بتسليط الضوء على الظلم والإستبداد وقهر الأغنياء للفقراء بأفضل طريقة، العمدة بوصفه الشخصية الرئيسية (عمر الشريف) تفنن في إذلال الفلاحين واستغلال حاجتهم خاصة عبد الموجود (عزت العلايلي)، فحين تنظر للمشاهد بتمعن تجد أن كل خيار كان على عبد الموجود اتخاذه لم يكن سوى محاولة للهرب من الجوع والفقر المدقع أسوة بباقي الفلاحين، في حين كان مصري (عبدالله محمود) يعاني الأمرين بدوره كأبيه فهو بالفعل كان يرغب في الإلتحاق بالجيش في البداية ولكن ليس بديلًا عن أحد بل لخدمة الوطن لكنه في الأخير التحق به ليمنع العمدة من الفتك بأسرته الفقيرة، المخرج الرائع صلاح أبو سيف أبدع في إخراج المشاهد خاصة مشهد نظرة عبد الموجود على جثمان ابنه وكذلك كان الإبداع حاضرًا من طاقم التمثيل جميعهم دون استثناء خاصة عزت العلايلي الذي جعلني في لحظة ما أشعر أني أشاهد واقعًا وليس مجرد مشاهد بأحد الأعمال الفنية، في الأخير لم يتبقى سوى أن أوجه الشكر للجنود المجهولين في هذا العمل الكاتب الراحل محسن زايد الذي كان بصمته المتميزة حاضرة بصياغة السيناريو والحوار بتميز معتاد وكذلك الموسيقار ياسر عبد الرحمن الذي ترك بصمته بدوره في كل مشهد بداية من تتر البداية وحتى النهاية .