كثيرة هي المقالات التي تناولت الرجل العربي داعية إياه إلى التوقف عن القيام بتصرفات معينة أو التفوه بعبارات غير مقبولة في القرن الواحد والعشرين، إلاّ أنّ المواضيع التي تناولت الفتاة العربية قليلة جدًا. لذا، قررنا أن نتطرق إلى مجموعة من التصرفات والأفكار المزعجة التي تطبع حياة معظم – وأقول جيدًا معظم – الفتيات العربيات متوجهين إليهن برجاء واحد: من فضلك توقفي عن فعل هذه الأشياء.


الهوس بالزواج

تعاني أغلب الفتيات العربيات من هذا الهوس، حتى وإن أنكرن ذلك، وحتى إن لم يتحدثن عن هذا الموضوع إلاّ نادرًا، إلاّ أنّه موضوع لا يكاد يفارق أذهانهن، كيف لا وقد تم غرس هذه الفكرة في أذهانهن منذ نعومة أظافرهن، حيث تقوم معظم نساء العائلة بإلقاء جملة “متى نراك عروسًا” أو “ستصبحين عروسًا رائعة الجمال” و”عقبالك” (مع ابتسامة تطبعها الشفقة خصوصًا إذا تقدم سن الفتاة)، بالإضافة إلى الأفلام الرومانسية التي تنتهي جميعها بمشهد الزفاف (وكأنّ هذا الحدث يضع نهاية للأحزان ويعلن بداية السعادة الأبدية) ليترسخ حلم “العروس” و “الفستان الأبيض” كأهم ما يمكن أن يحدث في حياة هذه الإنسانة.

زد على ذلك الأم التي تبدأ بتعليم ابنتها أصول الطبخ والتنظيف واللباقة، لا أقول أن هناك أمرًا غير مقبول في هذا، لكن الغير المقبول هو تذكير الفتاة طوال الوقت أنّها يجب أن تتعلم كل هذا لتكون “سيدة بيت شاطرة”، أو “لتكون مستعدة عند الذهاب لبيت زوجها”، وكأنّ حياة الفتاة العربية ليست سوى تحضير بطيء للمهمة السامية التي ستؤديها عندما ستتزوج، دون أن نذكر الأطنان من العبارات التي تسمعها هذه الفتاة من قبيل: “أسرعي مادمتي شابة قبل أن يفوتك القطار”، “مهمة المرأة الطبيعية والأساسية هو الاهتمام بزوجها وتربية أبنائها” وغيرها الكثير والكثير من الجمل التي لا تصب سوى في فكرة واحدة مفادها أن أي إنجاز يمكن أن تحققه هذه الفتاة يبقى ثانويًا وذي أهمية محدودة إذا لم تتمكن من تحقيق “الإنجاز الأعظم”.

سواء كنت من هاته الفتيات، أو كنت محظوظة كفاية لتكوني من الإناث القلائل اللائي لم يتم تربيتهم على هذه الطريقة، لكنك فقط تفكرين في هذا الموضوع من باب الشعور بالوحدة لا أكثر، فدعيني أخبرك للمرة المليون، أنت إنسانة كأي إنسانة على وجه الأرض، لم تولدي فقط لكي تصبحي زوجة أو أمًا، ادرسي، سافري، اعملي واكتشفي قدراتك والعالم من حولك، املئي وقت فراغك بأي شيء تحبينه، وسوف تجدين عقلك قد توقف تدريجيًا عن إقناعك بأنّك قبيحة أو أنّك ستموتين وحيدة، أمّا عن الزواج فهو مرحلة يمر منها الملايين في العالم كل يوم، ليس نهاية العالم وليس أسعد شيء يمكن أن يحدث في حياتك، والأهم أنّه ليس هدفًا في حد ذاته، فمهما أقنعوكي بقاؤك وحيدة أرحم من الارتباط بأي كان فقط لكي تحملي لقب “متزوجة”.

مقارنة حياتك بالأخريات

نعم، أعلم أنّك قد سمعت هذه الجملة مئات المرات، لكن هل تهتمين بها فعلًا؟ هل تفعلين أي شيء لتفاديها؟ هل تظنين أنّه أمر هين لا يستحق هذا الكم من التذكير في كل مرة؟ ماذا عن المرة التي دخلت فيها حسابك على موقع فيسبوك لتجدي أمامك كماً هائلاً من صور صديقتك الحامل، أو أطفالها الفاتنين، أو زوجها المحب المبتسم طوال الوقت؟ ماذا عن أخبار خطوبة معظم الفتيات على قائمة أصدقائك؟ أو صور فلانة في روما أو باريس أو بروكسيل، أو حتى خبر حصولها على درجة الماجستير في العلوم الفيزيائية أو نجاحها في الحصول على العمل الفلاني؟ هل ستقولين أنّك تمكنت من مشاهدة كل هذا دون الشعور بغصة – ولو بسيطة -؟ أو حتى دون التفكير في أن حياتك مزرية، إن اعتبرتها حياة أصلًا؟

نعم صديقتي، هذه الصور والأخبار هي تمامًا ما يزيد الطين بلة فيما يخص الفقرة السابقة، إنّها تمامًا ما يغذي رغبتك الخانقة في الحصول على زوج وأبناء، في أحيان كثيرة، فقط لكي تتمكني من ملء حسابك بصور مماثلة، وتتوقفي عن الظهور بمظهر الفاشلة أمام صديقاتك، إنّها تمامًا ما يغذي اكتئابك ويجعلك تفقدين احترامك وتقديرك لنفسك.

لكن، هل توقفت ولو للحظة واحدة للتفكير فيما يوجد وراء هذه الصور؟ هل هذه العائلات سعيدة لهذه الدرجة بالفعل؟ هل هناك نقص ما أو بحث عن اهتمام مفقود تحاول فلانة الحصول عليه من خلال نشرها لهذه الصور؟ ما هو التعب الذي بذلته هذه الصديقة لتحصل على هذه الوظيفة أو الدرجة الجامعية؟ أو حتى عن الألم التي تعانيه هذه “الحامل الجميلة المحظوظة”؟ حسنًا، إذا لم تكوني قادرة على الإجابة على هذه الأسئلة أو حتى تذكرها كلما تقومين بفتح حسابك، فإنّني أدعوك إلى اللجوء إلى خاصية “التوقف عن المتابعة” المتواجدة على فيسبوك، وقومي بتطبيقها على جميع الحسابات التي لا تتوقف عن نشر الصور والأخبار التي تحدثنا عنها، وصدقيني ستكتشفين بسرعة أنّ هذه الخاصية ستؤدي مفعول السحر من خلال حفاظها على قواك العقلية وحالتك النفسية، والأهم، حبك وتقديرك لنفسك ولحياتك

العريس ليس مالكًا لمصباح علاء الدين 

هذا الاعتقاد ينصب بدوره ضمن أحد الأسباب المؤدية إلى الهوس الذي تحدثنا عنه في الفقرة الأولى، إلا أنه لم يأتي من العدم أيضاً، فمنذ أن كنا فتيات صغيرات، كان يتم “تغذيتنا” بالقصص التي تنتهي جميعها ب “تزوجت أميراً، وعاشا بسعادة إلى الأبد”، كبرنا، وانتقل معنا هذا الاعتقاد إلى ما نقرؤه من روايات وما نشاهده من أفلام، سواء تعلق الأمر ب”ملاك” سيعاملك بمثالية ويبتسم عند غضبك ويقضي حياته تعباً في سبيل ابتسامتك، لكنه لن يغضب أبداً منك وسيبكي رجاء لعفوك إذا تجرأ ورفع صوته أثناك حديثه معك، أو “أمير” سيظهر من العدم ليحقق أحلامك ويأخذك في جولة حول العالم، وسيشتري كل المجوهرات والفساتين التي لطالما أثارت إعجابك لكن الثمن المكتوب عليها دفعك بعيداً.

وعلى الرغم من أن هذه الجمل تبدو مبالغاً فيها إلى حد الابتذال، إلا أنني أعرف فتيات لازلن يعشن في هذا الوهم، أما اللاتي استفقن وعرفن أن هذا لن يحصل أبداً، فينقسمن إلى قسمين: الفريق الأول اعتزل قراءة ومشاهدة هذه الأعمال وقرر الاعتماد على نفسه ومحاولة تحقيق أحلامه بنفسه، والفريق الثاني لازال يحتفظ ببصيص أمل خافت بأن يظهر هذا الشخص.

في حالة كنت من الفريق الثاني فدعيني أخبرك أن احتمالية حصول أمر مماثل هي شبه معدومة، ربما قد يكون الأمر مختلفاً فيما يتعلق بالجانب المادي، ربما قد تتمكنين فعلاً من الارتباط بشخص ميسور مادياً، إذا أغمضنا أعيننا وتجاهلنا الأزمة التي يعاني منها الشباب حالياً، لكن من يدري؟ أليس كذلك؟ لكننا سنبتعد عن الاحتمالات الضعيفة لنتحدث فقط عن هؤلاء الشباب، آسفة عزيزتي لكن هذا هو الواقع، أنظري حولك، ستجدين أغلب الشباب قد حصلوا على وظائف في منتصف العشرينات أو مطلع الثلاثينات، ولأسبابهم الخاصة التي تختلف عن أسبابك، هم أيضاً يريدون العثور على نصفهم الثاني الذي سيشيخون بجانبه، إلا أنه يتعب ويشقى في أمل جمع المال الكافي لتلبية متطلبات الزواج الأساسية، بينما أنت تتوقعين أن يغدق عليك زوجك المستقبلي (المتواجد بمخيلتك) بعطور شانيل وحقائب دولتشي أند غابانا، أن يهديك سيارة في عيد ميلادك وتذكرة سفر إلى جزر بورا بورا في ذكرى زواجكما.

وكما قلت سابقاً، فإن الأمر يختلف بالنسبة للجانب المادي نظرا للاحتمال المتواجد (وإن كان ضعيفاً) لحدوثه، أما بالنسبة للجانب العاطفي فإنني أدعوكي أن تتوقفي حالاً، فقط توقفي أرجوكي، لأن هذا لن يحدث، نعم عزيزتي، تذكري جيداً أنك ستتزوجين إنساناً، لا أقول أنك يجب أن ترضي بالمعاملة السيئة، بل على العكس، اهربي وابتعدي حالما تكتشفين أن شريك حياتك المستقبلي سيء الطباع أو عديم الاحترام تجاهك، لكن ما أقصده هو أن هذا الشاب لم يولد لإرضائك، سيغضب، سيحزن وسيسوء مزاجه من حين لآخر لأنّه إنسان، إنسان دخل هذه العلاقة بدوره حاملًا توقعات تم تغذية عقله بها منذ صغره، وهي في الغالب توقعات ستتصادم مع توقعاتك. لذا، خفضي سقف هذه التوقعات أو قومي بإلغائها تمامًا، وضعي أمامك هدفًا واقعيًا يتمثل في شخص متفهم يحترمك ويحبك، أمّا الملائكة فلا وجود لها عزيزتي، ولا وجود لشخص بدون عيوب… أو لرجل يمتلك مصباح علاء الدين.

صدقي أو لا تصدقي: تم اختراع الماكياج لتجميل ملامحك… لا لإخفاءها

هل كنت مضطرة في يوم من الأيام إلى الخروج لأمر عاجل لكنك قمت بتوكيل الأمر لشخص الآخر لأنّ وضعك للماكياج سيأخذ منك الكثير من الوقت؟ هل قامت إحدى صديقاتك في يوم من الأيام بنشر صورة لك دون ماكياج فغضبت منها وطالبتها بحذفها فورًا؟ إذن هذه الفقرة قد تم كتابتها من أجلك عزيزتي.

لا أدري إن كنتي تعلمين ذلك أم لا لكن الهدف من الماكياج هو إضفاء جمالية وأنوثة على ملامحك وربما إبرازها بشكل أفضل، وليس لإخفاء ملامحك الحقيقية و”صنع” ملامح جديدة، فإلى جانب كون هذا الأمر سيسبب إحراجًا كبيرًا جدًا في حالة حدوث طارئ التقيت على إثره بأشخاص لم يشاهدوك إلاّ بالماكياج الذي تضعينه دائمًا، فإنّه يشكل تعبًا يوميًا حقيقيًا، وبعد فترة من التعود عليه يصبح واجبًا من المستحيل التخلي عنه نظرًا لردود الأفعال التي سيخلفها الظهور بدونه، فلماذا كل هذا الزيف والكذب؟ ما الهدف؟ أليس من المتوقع أن يشاهدك الأشخاص الذين تخفين ملامحك الحقيقية عنهم – عاجلًا أو آجلًا – دون ماكياج؟ صدقيني، ملامحك ليست بالسوء الذي تعتقدينه، بل على العكس، ظهورك بشكل طبيعي سيجعل المحيطين بك يتعودون على شكلك، وحينها ستبدين بالغة الجمال عند وضعك لأبسط مساحيق التجميل.

نفس الشيء ينطبق على الفيلترات

بعيدًا عن كون أن لا أحد يهتم برؤية صورتك ببصيص زهور على رأسك، أو وجهك الحامل لآذان ولسان كلب، ولا أحد يجدها “صورًا كيوت”، فإنّني لا أتحدث عن هذا النوع من الفيلترات بالقدر الذي أتحدث فيه عن الفيلترات التي تلعب نفس دور الماكياج، أي أنّها تقوم بإخفاء جميع عيوب الوجه وتغيير لونه وحتى تغيير حجم الأنف والعينين وغيرها… للفتيات اللاتي ينشرن صورًا مماثلة طوال الوقت أقول: توقفي أرجوكي، فباستثناء حالة اختبائك طوال الوقت في منزلك وعدم ظهورك للعامة أبدًا فإنّ أصدقائك يعرفون شكلك الحقيقي، وبتعودك على فعل أمر ماثل فإنّك أنت التي تروجين فكرةَ كونك غير راضية عن شكلك الحقيقي، وتضعين نفسك في مواقف محرجة أثناء لقاءك أول مرة لشخص لم يشاهد شكلك سوى على مواقع التواصل الاجتماعي، وأنت التي تقومين بالترويج لوهم “الشكل المثالي” الذي يؤثر بدوره على عدد كبير من الفتيات اللاتي يضطررن إلى نشر صور مماثلة حتى لا يظهرن “أقل مثالية” منك.

حقوق المرأة ليست ترفاً

ربما أستطيع التعود على تقزز الكثير من الرجال العرب وحساسيتهم المفرطة من مصطلح “حقوق المرأة” واعتباره إساءة شخصية و “سوسة تنخر في مجتمعاتنا الفاضلة”، والإصرار الشديد على ربطه بالدعوات للتعري والتمرد على الدين والمجتمع ونظريات المؤامرة التي تناقش محاولات غسيل أدمغة النساء لتدمير الأجيال الصاعدة، وغيرها الكثير من الأفكار المثيرة للسخرية (والحسرة)، لكن الذي لا يمكن أن أفهمه أو أتعود عليه أبدًا، هو اقتناع الفتيات نفسهن بهذه الأفكار، وترديدهن لعبارات من قبيل “لم نشتكِ لأحد”، “هل حصلنا على كل شيء ولم يعد شيء نطالب به سوى الحقوق؟”، “لقد حصلنا على حقوقنا وأكثر، توقفوا عن فتح هذا الموضوع في كل مرة”، وكأنّ الأمر يتعلق بعبء حقيقي أو أمر مذموم، وفي أحيان أخرى كأنّ الأمر يتعلق بترف لم يصل الوقت بعد للمطالبة به.

فقط دعيني أذكرك عزيزتي بأنّك تعيشين في أكثر بقعة على كوكب الأرض ظلمًا للنساء (إذا استثنينا بعض الدول الإفريقية)، وبالتالي فإنّ “حصولك على حقوقك وأكثر” ليس سوى وهم في مخيلتك، من ناحية أخرى، إذا كنت موافقة على أن يستمر ختان الفتيات، أن يستمر حرمانهم من الدراسة والعمل، أن يتم ضربهم وتبرير هذا الضرب، أن يتم التحرش بهن وحتى الاعتداء عليهن ثم إلقاء اللوم عليهن بعد ذلك، فإنّ هذا المقال لم يكتب من أجلك، وليكن الله في عون أبنائك.

أمّا إذا كنت ضد كل هذا فإنّ كل ما أطلبه منك هو أن تتوقفي عن تكرار العبارات التي ذكرناها أعلاه، وأن تكتفي فقط بترك الجمعيات المهتمة بحماية النساء والفتيات تؤدي دورها بسلام.