خرجت اليوم من إختبار الإحصاء سعيداً (ها ها ها اسم دكتور الإحصاء سعيد)، كنت على وفاق تام مع اجوبتي .. و حقيقاً لم ابالي كثيراً، فقد استعصرت قوايَّ المخّية داخل القاعة، ربما لم ابذل كل جهدي لكني بذلت الجهد الذي سيشعرني بأني لو أخطأت في سؤال فلن ابالي و سأقول في نفسي " سويت الي عليَّ "
اعود لما كنت اقول .. خرجت من قاعة إختبار سعيداً راضياً تمام الرضا عن ما ابليت داخل القاعة .. و كعادتنا تجمعنا "أصدقاء المدرسة" أو بالأصح "دوافير المدرسة" بعد الإختبار في مواقف السيارات لنسأل اذ ما كانت نماذجنا مشابه أولاً، و نتناقش في الأسئلة العصيبة الى ان يتحول النقاش الى جدال بهيمي، و أخيراً ندرك بأننا أخطأنا في سؤال ... لا سؤالين ... لا ثلاثة أسئلة ... و ثم "نفكفك" ... و نبدأ في سب و شتم قلة التركيز و قلة الانتباه و بلاهتنا في الإختبار. قليلاً جداً اذكر المرات الي اخطأت فيها في حل اسئلة "صعبة" .. دائما ما تكون الأخطاء "سخيفة" و تافهة، كأنها هي التي تدعونا الى الخطأ.
اعود لما كنت اقول ... اجتمعنا كالعادة و على خلاف كل مرة لم اكن اشعر برغبة في نقاش ما يخص الإختبار، و تركتهم يتشاتمون و يتأففون و يمارسون دورة " اكتشاف الأخطاء في مواقف السيارات " ... الى أن سمعت صديقايَّ.
قال الأول : انت حطيت Certain ولا ١
فقال الآخر : ١
فرد الأول : yesss
سأكون صريحاً .. "فكفكت" قليلا لأني جاوبت “سرتن” ... و لكن غاب عني الشعور بالفكك بعدما فكرت قليلاً.
فأنا واقعاً و حقيقاً و منطقاً لم أجاوب جواباً خاطئاً، إنما جاوبت جواباً لا يريده الدكتور ... اسمحلي ايها القارئ العزيز بأن اضرب لك على هذا السؤال.
في الإحتمالات تترواح قيم الإحتمالات من صفر الى واحد ... لا أعلى ولا أقل، بل يستحيل البتة ... حيث أن الإحتمال (صفر) يعني أنه من المستحيل حدوث الشيء، كمثلاً إحتمال أن ترفرف بأذرعك و تطير، لا شك أنك و لو رفرفت ألف عام فلن تطير ... و إحتمال ( واحد ) يعني حتمية حدوث الشيء، كمثلاً ان تموت، فالموت آتٍ آتٍ لا مفر منه و لو عشت ألف عام.
تخيلوا معي الان كيف آتى السؤال ..
ما إحتمال أن تكون الكعبة في مكة؟
أ- Certain (حتماً)
ب- ١
طبعاً السؤال لم يسأل عن مكة، انما احاول ان ابسط فكرةَ ان جواب السؤال كان بديهياً ... فلا شك ان الكعبة في مكة .. إنما الجواب (أ) خاطئ .. و الجواب (ب) صحيح .. لا تسألني لماذا، هكذا قرر من قرر أن يعلمنا.
حقيقاً لم استطع ابداً ان اقتنع ان جوابي كان خاطئاً ... و تركت هذه المعضلة في رأسي تسؤلات كثيرة .. منطقياً الجوابان صائبان، فكلاهما له نفس المعنى، إنما الأول ما كان يريده الدكتور ... و تسألت.
هل معنى هذا أن كل أو اغلب ما نتعلمه هو من أجل المعلم أو أياً كان من يعلمنا، و ليس مِن أجل مَن يتعلم؟
فمثلاً في مثل هذه الحالة ... كنت أنا فاهماً تماما ما كان يُقصد بالإحتمالات الحتمية، و لكن مجرد أني لم أصغ جوابي أو أخرجه من فهمي بالطريقة التي يريدها المعلم .. فجوابي خاطئ ... لا تحاول أن تقنعني بأني اجابتي خاطئة .. ربما قل " اجابتك ما عجبتني، خُد صفر "
ادرك تماماً انه لابد مِن وسطٍ يتفق عليه الجميع حتى يسهل عليهم التواصل فيما بينهم، فهنا مثلاً كان هذا الوسط هي اللغة المتعارف عليها في علم الإحصاء ... مثال آخر ، كاللغة الانجليزي، فبعد ان تعولم العالم و صارت الروابط بين شتى الثقافات و البلدان ضرورية كان لابد مِن لغةٍ مشتركة تجمع الجميع حتى يسهل التواصل بينهم.
لا تفهموني غلط ... انا احترم جداً الجهود التي بذلت لتكوين هذه الأوساط التي تجمع الناس، و اعلم تماماً ان وضع لغة موحدة يتكلمها العلم ساهمت بشكل مهول في تقدم العلوم ... و لكن سؤالي هو ... هل مخالفتي لهذه اللغة ظاهراً .. و فهمي باطناً تعتبر خاطئة؟ هل نتعلم من أجل ان نرضي معلمينا؟ أم نتعلم من أجل أنفسنا؟ هل التعليم حقاً سطحي الى هذا الحد؟
اذكر قصتين واحدٌ حدثت لي و أخرى سمعتها سمعتها، أما الأولى
اذكر أستاذي في المدرسة الذي درسني الرياضيات في سنيني الثانوية ... كان أستاذاً عظيماً لكن لسانه يمشق "الي وراه و الي قدامه" ، كان بين الفينة و الفينة يستدعينا الى السبورة و يسألنا أسئلة و كان علينا أن نحلها أمام الصف، كنت دائما، أو بالأصح في أغلب الأحيان عندما اُستدعى أجواب جواباً صحيحاً و لكن تكون طريقة وصولي الى هذا الجواب أو طريقة حلي “خطأ” ، أو بالأصح ليست الطريقة التي علمنا إيها الأستاذ … “و هاتك يا توبيخ”
أما القصة الثانية فهي قصةٌ قرأتها على الانترنت منذ فترة، تسمى The Barometer question أو [سؤال الباروميتر]. يسأل السائل لديك باروميتر [جهاز قياس الضغط الجوي] و أمامك عمارة … اوجد ارتفاع العمارة؟
القصة بإختصار أن طالباً في جامعة كوبنهجن في الدينمارك سُئل هذا السؤال، وكان الجواب الأكاديمي المتوقع هو أن تقيس الضغط أسفل العمارة، و ثم تقيسه على سطح العمارة، و لك بعدها أن تستعين بالرياضات كي توجد طول العمارة.
لكن الطالب أجاب :
نربط حبلاً بالباروميتر و ندليه من اعلى العمارة، و من ثم نقيس طول الخيط.
و أجاب أيضاً، و حقيقاً أنا من عشّاق هذه الإجاب،
نرمي الباروميتر من السطح و نقيس زمن السقوط، و باستخدام قليلٍ من الحساب نوجد طول العمارة.
و قال أيضاً :
نرشي حارس العمارة بالباروميتر، فيقول لنا طول العمارة.
يقال أن الطالب اعترف في منتهى الأمر أنه كان يعلم الاجابة الصحيحة، لكنه سئم من ان يُعلم كيف يفكر بدل أن يُعلم مبدأ و محور الموضوع.
شاهدت قبل قليل حلقة المدرسة مصممة للحد من الإبداع من فنجان، لم تزد الحلقة عقلي إلا اشتعالاً، يقول فيها عبد الرحمن أبو مالح أن نظام التعليم يقتل المبدعين، بل يعلمنا فقط أن نحفظ ما نلقن، مثلنا مثل الأقراص الصلبة [هارد-ديسك]. و في النهاية يخرج لنا جيل لا يوظف عقله ولا يحلل ولا يعالج مدخلات … جيل لا يفكر!و
و تبقى الأسئلة ... هل نتعلم من أجل ان نرضي معلمينا؟ أم نتعلم من أجل أنفسنا؟ هل تعليمنا سطحي؟
٥:٣٠ صباحاً، ٩ مايو، ٢٠١٧، جدة، السعودية