كان وارن بافيت -الرجل الذي يُعد أعظم مستثمر عرفته البشرية-، يلقي محاضرة أمام 165 طالبًا من جامعة كولومبيا، عندما رفع أحد الطلاب يده ليسأله، عن أفضل طريقة برأيه ليصبح الشخص مستثمراً؟ توقف بافيت للتفكير للحظات، ثم أمسك بحزمة من الأوراق و التقارير التجارية التي كان قد أحضرها معه، و قال: “اقرأ 500 صفحة كهذه كل يوم، هكذا تبني قاعدة معرفية تساعدك في اختاذ القرارات، فالمعرفة التراكمية مثل “الفائدة المركبة”.. يمكنكم جميعًا قراءة هذا العدد من الورقات، لكن أنا أضمن بأن معظمكم لن يفعل”
يقول بافيت، أن 80% من ساعات عمله يمضيها في القراءة أو التفكير. أليس هذا العدد الكبير من الساعات يجعلك تتساءل بينك و بين نفسك، “هل أنا أحقاً أقرأ بما فيه الكفاية؟!”.
جميس كلير الكاتب و المدون في علم السلوك الإنساني، وجد نفسه بعيدا عن القراءة و الكتب، عالقاً بين مشاغل الحياة التي لا تنتهي، لهذا طور استراتيجية يومية اتبعها ليتمكن من قراءة أكثر من 30 كتاب في السنة، تابع قصته.
يقول كلير: عندما تعرف كيف تقرأ، ستصبح قراءة الكتب أمامك أسهل نسبيًا. ببساطة، عليك أن تخصص وقتاً للقراءة، هكذا يقول أغلب الناس، و لكن الكلام أسهل من الأفعال.
بعد أن تفحصت عاداتي في القراءة أدركت أنها كانت في الغالب عادات تفاعلية بدلًا من أن تكون عادات فعّالة.. دعني أوضح، على سبيل المثال، عندما يظهر أمامي رابط مثير للاهتمام خلال تصفحي للفيس بوك أو تويتر فإنني اضغطه مباشرة لأقرأ محتواه (وهذه عادة تفاعلية)، لكنني لم أكن فعالًا بشكل كافي لتخصيص وقت لقراءة الكتب يوميًا، و إنما ببساطة كل ما كنت أفعله هو قراءة الأفكار المثيرة التي أجدها على مواقع التواصل الاجتماعي.
و كنتيجة، كانت معظم قراءاتي تتم على شبكة الانترنت، لكن و على الرغم من أنه يوجد حاليًا الكثير من المقالات الممتازة على الويب، إنما تبقى جودة الكتب أفضل من المقالات، لأن الكتب إجمالًا تُكتب بشكل أفضل (بتحرير أكثر إحكامًا) وتحتوي على معلومات ذات جودة أعلى (حيث يتم التحقق من صحتها بشكل أفضل). بالتالي -و من وجهة نظر هدفها التعلم لا المتعة-، فإن قضاء الوقت في قراءة الكتب هو على الأرجح أفضل من قراءة المحتوى على شبكة الانترنت. لذا كان عليّ ايجاد استراتيجية تسمح لي بقراءة المزيد من الكتب دون تشتت، لكن كيف يمكن القيام بذلك؟
20 صفحة في اليوم
هذا هو النموذج الوحيد الذي تمكنت من المواظبة عليه باستمرار.
ابدأ يومك بقراءة 20 صفحة
لقد اتبعت العادة الجديدة التالية خلال الأسابيع العشرة الماضية، حيث أنني بعد الاستيقاظ من النوم، اذهب لشرب كأس من الماء، و على ورقة جانبية أكتب ثلاث من نعم الله علي (هذا الفعل يساعدك على بدء يومك بمشاعر مليئة بالإمتنان و الإيجابية)، ثم أشرع في قراءة 20 صفحة من كتاب ما. واليوم أنا في الصفحة رقم مائة من كتابي السابع، وبوتيرة القراءة هذه (7 كتب خلال 10 أسابيع) سأتمكن من قراءة 36 كتاباً في العام القادم، إنه رقم جيد صحيح.
حسناً، إليك لماذا أعتقد أن هذا النموذج سينجح، إن 20 صفحة هي كمية صغيرة غير مخيفة يمكن لمعظم الناس قراءتها خلال 30 دقيقة، وفي حال كان هذا أول شيء تفعله في الصباح فلن تمنعك متطلبات يومك الملحة من إيجاد وقت للقراءة.
كذلك، إذا كان الوقت يسمح، يمكنني أن أقرأ أكثر من ذلك، كما أنني جعلت من عادة القراءة جزء من روتيني اليومي قبل النوم. ولكن بغض النظر عن ما يحدث خلال الفترة المتبقية من اليوم، فإنني اقرأ الـ 20 صفحة كل صباح، لتجنب الإنشغال بأمور الحياة اليومية.
كيف تُمضي الساعة الأولى من يومك؟ إن معظم الناس يمضون الساعة الأولى من يومهم في ارتداء ملابسهم، والاستعداد للخروج من المنزل باتجاه أعمالهم أو مدارسهم أو نشاطاتهم الأخرى، لكن ماذا لو أمضينا هاته الساعات في فعل أشياء تجعلنا أشخاصاً أفضل؟ ماذا لو استيقظتَ قبل موعد استيقاظك المعتاد بساعة، وعملت على تطوير نفسك لتصبح شخصًا أفضل، بهذه الطريقة ستصبح أقرب لتحقيق أهدافك في الحياة، فهكذا هي عادات الناجحين، مثل هذه الأفعال ستلقي بأثرها الإيجابي على وظيفتك و علاقاتك وحياتك بأكملها.
هذه هي خلاصة ما تطلبه استراتيجية القراءة، لذلك قبل أن تبدأ نشاطاتك الاعتيادية وتدخل في دوامة الأشغال اليومية، اقرأ كتابًا واستثمر في نفسك لتصبح شخصًا أفضل. وعلى الرغم من أنك لن تشعر أبدًا أن القراءة أمر ملّح ومستعجل إلا أنها مهمة جدًا، مثلها مثل معظم العادات الأخرى التي تترك أثرًا عظيمًا في حياتنا، لذلك واظب على قراءة الكتب و شرائها؛ لما لها من فائدة كبيرة في كلّ جوانب الحياة.