في تدوينة سابقة تم تلخيص الفصلين الأول والثالث من الكتاب والذين يتناولان الأعراض والعلاج. في هذه التدوينة نلخص الفصل الثاني. في هذا الفصل، يعرض المؤلف أثر الإباحية على الدماغ من ناحية علمية.

هذا الفصل هو تقريباً نفس هذا الموضوع من موقع المؤلف.

الفصل الثاني: أثر الإباحية على الدماغ.

تأثير كوليدج (Coolidge effect) مثال كيف أن التجديد الجنسي يحفز السلوك. الدوبامين (dopamine) هو المسؤول عن جعل التجديد الجنسي مغرياً.

الدوائر البدائية (primitive circuits) في الدماغ هي المسؤولة عن المشاعر والرغبات والقرارات اللاإرادية. الرغبة والحافز للجنس يحفزها ناقل كيميائي بين الخلايا العصبية يسمى الدوبامين. يحفز الدوبامين مركز في الدماغ يسمى دائرة المكافأة (صورة ١) حيث الإحساس بالسعادة والرغبات والإدمان.Image title

دائرة المكافأة تدفع على فعل الأشياء التي تضمن  البقاء واستمرار الإنتاج. يأتي في مقدمة القائمة: الأكل، الجنس، الحب، الصداقة، والتجديد.

الغرض من الدوبامين هو تحفيزك على عمل هذه الأشياء. كلما أفرز أكثر، كلما أردت هذا الشيء أكثر. بناء على كمية إفراز الدوبامين نعطي قيمة للتجارب التي نعملها. وهو كذلك يساعد على التذكر ويعيد تشكيل الدماغ. المؤثرات والنشوة الجنسية هي المحفزات الطبيعية الوحيدة التي تسبب إفراز أكبر كمية من الدوبامين في دائرة المكافأة. 

الدوبامين هو مايحفزك للبحث عن السعادة، وليس المسؤول عن السعادة ذاتها، لذا هو يزيد مع الترقب والتوقع لحصول السعادة. هو مايدفعك ويحفزك لتفعل شيء يسعدك أو تعمل على أهدافك. الدوبامين (صورة ٢) يعمل في نقاط الاشتباك العصبي (synapses) بين الخلايا العصبية عبر الاتصال بمستقبلات (receptors) ليحاكي النبضات الكهربائية. السعادة التي تأتي من رعشة الجماع سببها أوبيود (Opioid). الدوبامين هو مايحفزك على العمل والأوبيود هو السعادة التي نشعرها في النهاية. لكن نظام الدوبامين أقوى من الأوبيود. لذلك نحن نطلب أكثر مما نحتاج.

Image title


التجديد Novelty 

الدوبامين يحب التجديد ويبحث عن الشيء الجديد. وكأي شيء جديد نحصل عليه، يخف الحماس مع انخفاض إفراز الدوبامين.

في دراسة استرالية عرض على المشاركين فيلم إباحي مكرر، وفي كل مرة يقل انتصاب الأشخاص ورغبتهم الجنسية. في المرات ١٩ و٢٠ عرض عليهم فيلم إباحي جديد، وفجأة زادت رغبتهم الجنسية وانتصابهم (صورة ٣).

Image title


الإباحية على الانترنت مغرية لنظام المكافأة لأنها توفر التجديد مع سهولة الوصول. قد يكون التجديد ممثلة إباحية جديدة، أفعال جنسية غير طبيعية وشاذة، مشهد جديد ...إلخ. المواقع الإباحية توفر تجديد غير منتهي. قد يشاهد الشخص في ساعات عدد من النساء مالم يشاهده أجداده طول حياتهم.

محفزات فوق طبيعية Supernormal Stimulus

الذي يجعل الإباحية على الانترنت غير مسبوقة في التاريخ، ليس هو التجديد فحسب، بل إن الدوبامين يفرز بكثرة مع المشاعر والمؤثرات التي تقدمها الإباحية على الانترنت:

  • المفاجئة والصدمة
  • القلق (مشاهد تخالف قيمك ومبادئك)
  • البحث

في الحقيقة، الإباحية هي مايطلق عليه العلماء "مؤثرات فوق طبيعية" وهذا ما يجعل إفراز الدوبامين في الإباحية أكبر من الذي يفرز مع الشريك الطبيعي في الزواج.

الإباحية اليوم تقدم محفزات فوق طبيعية. أولاً: تقدم نساء بتجديد غير منتهي وموجود بسهولة. ثانياً: تقدم مشاهد تمثيلية لأشخاص بأجسام معدلة بالعمليات التجميلية وحبوب التنشيط الجنسي وجنس جماعي وغيرها. ثالثاً: الفيديوهات الموجودة في المواقع الإباحية أكثر إثارة من الصور القديمة لأنها تخالف التوقعات وتقول للمشاهد: هذا هو الجنس الطبيعي.

الأشخاص اليوم يجدون الإباحية أشد إثارة من أزواجهم وزوجاتهم. المشاهدون يقضون ساعات في البحث عن المشاهد الإباحية، ويجعلون الدوبامين يفرز بكميات كبيرة ولمدة طويلة.

أخطار الإباحية أكثر من كونها محفز فوق طبيعي. أولاً: الوصول لها سهل، موجود ٢٤ ساعة، مجانية، تمارس بخصوصية وخفاء. ثانياً: معظم الأشخاص يبدأون المشاهدة في سن المراهقة عندما يكون دماغهم في قمة ليونته ومعرض للإدمان وإعادة التشكيل. أخيراً: هناك حد لكمية الأكل التي ممكن نأكلها، بينما لايوجد حد لكمية الإباحية التي يمكن مشاهدتها ماعدا أن تنام أو تقضي حاجتك. يستطيع الشخص أن يقضي ساعات يشاهد الإباحية مع ممارسة العادة السرية والوصول لحافة القذف دون الشعور بالانتهاء والرغبة في التوقف.

تكيف غير مرغوب فيه: التكيف الجنسي والإدمان.

ماذا يفعل الدماغ إذا كان لديه مكافأة كبيرة لا يستطيع التعامل معها، معظم الأدمغة تتكيف ولكن بطريقة غير جيدة.

إذا كنت تثير نفسك بطريقة فوق طبيعية. دماغك سيكون ضدك. الدماغ سيحمي نفسه عبر تقليل نبضات الدوبامين وستشعر برضا أقل وأقل. الدماغ يفعل هذا عبر تقليل عدد مستقبلات الدوبامين وبإفراز دوبامين أقل. مما يدفع الشخص للبحث عن مزيد من الإثارة. هذه التغييرات الفيزيائية في الدماغ تسبب فقد الإحساس (desensitization) (صورة ٤).

Image title


التكيف الجنسي

واحدة من نتائج الإباحية هي التكيف الجنسي، بمعنى أن الإستثارة الجنسية ربطت بالشاشة، أو بالتجديد المستمر، أو أن تكون متفرجاً (voyeurism)، أو الأفعال الشاذة. ثم يصبح الشخص يحتاج للمحتوى الإباحي للإبقاء على الانتصاب والإستثارة الجنسية.

يتعلم الشخص من الإباحية بمستويين: واعي ولاواعي. الواعي أن يقول: "الناس يمارسون الجنس بهذه الطريقة، وهذا مايجب أن أفعله" مثلاً، النساء يحبون القذف على وجوههم. اللاواعي هو أن يقول: "هذا الفعل هو مايثيرني جنسياً" أو أن يقول دماغه: "هذا ما يجعلني أفرز دوبامين أكثر" فيصبح القذف على الوجه مثلاً هو مايثير الشخص جنسياً.

ما يفسر هذه الظاهرة هو مبدأ: الخلايا العصبية التي تتفاعل مع بعض، تترابط مع بعض (صورة ٥). باختصار: يربط الدماغ الخلايا العصبية المسؤولة عن الإثارة الجنسية بالخلايا العصبية التي تخزن ذكريات الحدث الذي تمت فيه الإثارة. وكلما كررت الفعل قوي الترابط. فتصبح هذه الأفعال الشاذة هي المتربطة بالإثارة الجنسية لدى الشخص.

Image title


حتى ولو لم تشاهد أفعال شاذة في الإباحية، فأنت لست بمأمن. قد تكون دربت نفسك على المشاهدة وأنت في موقف المتفرج (voyeur)، أو النقر للحصول على الإثارة، أو البحث والبحث عن المشهد المناسب للقذف، أو ممارسة العادة السرية بطريقة غريبة، أو مشاهدة الإباحية قبل النوم.

هذه كلها تسجل في دماغك على أنها محفزات. النتيجة أنك تحتاج أن تشاهد شيئاً على الشاشة لتستثار جنسياً (voyeur)، أو تحتاج للنقر، أو البحث، أو تحتاج للإباحية حتى تستطيع النوم.

هذا التكيف الجنسي يكون أشد لدى المراهقين لمرونة أدمغتهم وأنها في مرحلة تشكل.

لحسن الحظ، اللدونة الدماغية تعمل بالطريقة المعاكسة أيضاً. الأشخاص الذين يقلعون عن الإباحية يعودون لطبيعتهم بعد أشهر وبعد أن يضعف الترابط بين الخلايا العصبية في الدماغ.

الإدمان

التكيف الآخر الذي قد يحصل بسبب استهلاك الإباحية المفرط هو الإدمان. تشير الأبحاث إلى أن الكوكايين يؤثر على نفس الخلايا العصبية المسؤولة عن التكيف الجنسي. و المخدرات كالهيروين تؤثر على نفس الخلايا المسؤولة عن الجنس. المغريات والمتع الأخرى تفعل نظام المكافأة لكن الخلايا العصبية المرتبطة بها لا تتقاطع مع الجنس، لذلك هي تحدث شعور مختلف ولا تسبب الإدمان.

كما أن المخدرات تفعل الخلايا العصبية السؤولة عن الجنس وتحدث شعور بالنشوة بدون جنس، كذلك تفعل الإباحية. المتع الأخرى لا تستطيع ذلك ولذلك لا تسبب الإدمان. النشوة الجنسية هي أعلى مؤثر طبيعي يسبب أكبر كمية إفراز دوبامين على الإطلاق.

كل أنواع الإدمان، بسبب إفراز الدوبامين العالي بشكل مزمن تسبب تغيرات في الدماغ. وهذه التغيرات تسبب أعراض وعلامات منها:

  1. الرغبة الشديدة (craving) والتفكير الدائم في مادة الإدمان.
  2. فقدان السيطرة (loss of control)
  3. الآثار السلبية جسدياً، نفسياً، اجتماعياً، ومادياً.

الذي يجعل الإباحية شديدة الخطورة هو توفرها ببساطة وبشكل كبير على الانترنت والسبب الآخر هو أن نظام المكافأة لدينا خلق ليدفعنا للجنس بشكل طبيعي بعكس المخدرات.

لانعلم كم عدد الأشخاص الذين تأثروا سلباً بسبب الإباحية، لأنها تمارس بخصوصية، ولأن الأشخاص لا يربطون بين الإباحية وبين الأعراض التي يعانون منها.

أكثر من ٩٠ دراسة وجدت أن مدمني الانترنت يعانون من نفس تغيرات الدماغ التي تحصل لدى مدمني المخدرات والكحول. إذا كان استخدام الانترنت يسبب الإدمان، بالتأكيد أن الإباحية تسببه كذلك. في دراسة هولندية، وجد أن الجنس هو أكثر تطبيقات الانترنت تسبباً في الإدمان يليه الألعاب الألكترونية.

حتى الآن، ثلاث دراسات عزلت مستخدمي الإباحية ودرست أدمغتهم.

الدراسة الأولى والتي نشرت في مجلة جاما للطب النفسي. تم دراسة أدمغة أشخاص مستخدمين للإباحية، وجد الباحثون من معهد ماكس بلانك الألماني:

  1. كلما زادت مشاهدة الإباحية، كلما قلت المادة الرمادية (grey matter) في أجزاء من نظام المكافئة (striatum) المسؤولة عن التحفيز واتخاذ القرار. وهذا ما يفسر قلة الشعور بالمتعة (numbed pleasure response) أو ما يسمى ب (desensitization).
  2. الوصلات العصبية بين نظام المكافأة وفص الدماغ الأمامي تضعف مع مشاهدة الإباحية. مما يفسر التصرفات غير اللائقة والاندفاع بدون النظر للعواقب.
  3. كلما استخدمت الإباحية أكثر، كلما ضعف تفاعل نظام المكافأة. مما يفسر بحث الشخص عن مزيد من الإثارة الجنسية للحصول على نفس المقدار من المكافأة.

بعد هذه الدراسة أتت سلسلة من الدراسات من جامعة كامبريدج عزلت مدمني الإباحية ودرست أدمغتهم. الدراسات تؤكد أن أدمغة مدمني الإباحية تستجيب كأدمغة مدمني المخدرات.

وجد فريق كامبريدج أن مركز المكافأة (nucleus accumbens) لدى المدمنين تفاعل بشكل فوق عادي لمحفزات الإباحية. وهذا دليل على شدة الحساسية (sensitization) والذي يدفع للرغبة الشديدة لدى المدمنين.

مقطع فيديو من برنامج وثائقي يعرض دراسة كامبريدج (يوجد ترجمة عربية)

للمهتمين بعلم الإدمان وعلاقته بالإباحية، انظر الدراسة.

هذه بعض تغيرات الدماغ التي تحدث في كل أنواع الإدمان، إدمان المادة أو الإدمان السلوكي:

  1. فقدان الحساسية (desensitization) أو تبلد الشعور بالمتعة. مما يجعل المدمن لا يستمتع بالمتع اليومية ومتعطش لما يزيد إفراز الدوبامين لديه. المدمن قد يترك الهوايات والأنشطة التي كانت تهمه من قبل. هذا أول ما يلاحظه مدمني الإباحية، مما يدفعهم للبحث عن المزيد من التحفيز الجنسي الذي يشعرهم بالمتعة (tolerance) عبر التصعيد (escalating) بزيادة عدد ساعات المشاهدة أو البحث عن أنواع جديدة من الإباحية.
  2. الحساسية المفرطة (sensitization) تجاه المحفزات التي تدفع للرغبة الشديدة في المادة. المحفزات مثل: تشغيل الجهاز، أو البقاء وحيداً، تدفع لرغبة شديدة لمشاهدة الإباحية وكأن أحداً يدفعك للإباحية رغماً عنك. تشعر بتسارع نبضات القلب والرجفة وكل ما تفكر به هو الإباحية.
  3. ضعف نشاط الفص الأمامي "الناصية" (hypofrontality) مما يسبب ضعف الإرادة في مواجهة الرغبات والاندفاع وعدم القدرة على النظر في العواقب. يشعر المدمن بصراع في داخله بين الناصية وبين الجزء المتعلق بالإدمان، وبما أن الناصية ضعيفة، ينتصر الإدمان غالباً.
  4. عدم القدرة على مواجهة الضغوط (dysfunctional stress circuit) مما يجعل أبسط قدر من القلق كافياً لإثارة الرغبة القوية والإنتكاس.

التعافي يعكس هذه التغيرات ويعيد المدمن إلى طبيعته.


الذي يجعل الإباحية تغير الدماغ هو التالي: الإفراز المتزايد للدوبامين في الدماغ يسبب تكون بروتين اسمه دلتا فوس بس (DeltaFosB) وتجمع هذا البروتين هو الذي يحدث تشكيل الدماغ ليتذكر هذا التصرف ويدفع لإعادته. 

في دراسة بلجيكية، وجد أن زيادة مشاهدة الإباحية لدى الأولاد (١٤ سنة) قلل أدائهم الدراسي بعد ستة أشهر من قياسهم في المرة الأولى.

يلمس المقلعون عن الإباحية تحسناً في المزاج، زيادة في الحماس، تحسن الأداء الدراسي .. وغيرها.

المزيد حول الضعف الجنسي

تخبرنا الأبحاث أن الانتصاب يتطلب مقدار كافي من الدوبامين في دائرة المكافأة ومراكز الجنس في الدماغ. في دراسة إيطالية، تم مسح أدمغة أشخاص يعانون من ضعف انتصاب بسبب نفسي. وجدوا ضموراً في المادة الرمادية في دائرة المكافأة في الدماغ (nucleus accombens) و مراكز الجنس في الغدة النخامية (hypothalamus). الضمور في المادة الرمادية يترافق مع نقص في تفرعات الخلايا العصبية والارتباط مع الخلايا العصبية الأخرى. يترجم هذا إلى ضعف في إفراز الدوبامين (ضعف إثارة).

هذه الدراسة دليل على أن الضعف الجنسي النفسي يحدث بسبب تغيرات في نظام المكافأة والذي يحدث ضعف في إشارات الدوبامين. وهذا يساعد على تفسير الضعف الجنسي بسبب الإباحية، ولماذا تحتاج هذه الأعراض أشهراً لتختفي.

الأشخاص الذين بدأوا نشاطهم الجنسي على الإباحية يحتاجون أشهر أطول للتعافي واسترداد صحتهم الجنسية، بعكس الأشخاص الذين تعرضوا للإباحية في سن متأخر بعد تجربتهم للجنس الطبيعي.



للمزيد من الأبحاث العلمية حول الموضوع: صفحة الأبحاث من موقع المؤلف.

المؤلف متحدثاً في تيدكس (يوجد ترجمة عربية)


مقالات باللغة العربية حول أثر الإباحية على الدماغ: