د. علي بانافع
العرب أُمةٌ تأْنَفُ من غيرها، وتترفعُ عمَّن سواها لأنهم أهل الكرم والغيرة والمروءة دون غيرهم، وأنهم -أيضاً- أصحاب الشرف والإقدام دون سواهُم، فجعلوا جميع الأخلاق الحميدة أخلاقاً عربية صرفه لا حق لغيرهم فيها ولا مكان، لهذا نجدهم لا يتناكحون مع العجم والعلوج، ولا يتزاوجون منهم فهم يشترطون على رحمهم صفاء دمه العربي من دماء العجم، ولنا في ذي قار قصة وعبرة؟! وبهذا الداء خرّ سيدنا عمر (رضي الله عنه) شهيداً صريعاً في المسجد النبوي، وسيدنا عثمان (رضي الله عنه) حبيساً ثم قتيلاً شهيداً في داره، وقد ظهرت رايته يوم الجمل بيد ابن السوداء ذلك اليهودي الماكر ابن سبأ، ثم لمع سيفه مسلولاً بيد ذلك الخراساني الكافر أبي مسلم، ثم نبع قرنه المعِّوَجْ في رأس الملحد حمدان الملقب بقرمط فكان به من مخازي القرامطة ما كان، وفي الأخير جرى قلمه -قلم الخيانة- في بغداد بيد الوزير اللعين ابن العلقمي فكان به انقراض دولة بني العباس والبلايا منهم تترى وإلى قيام الساعة.
لا يفرق كثيراً من المثقفين بين القومية والعروبة، العروبة ممدوحة شرعاً وكره جنس العرب نفاق، والقومية تعصب (نتنة) علمونا أن نكرر أن العرب جرب أو أن العرب خيانات نتيجة لبعض المواقف السلبية وهذا قدح في الدين، وكذا كتب بعض المثقفين أنه لا تفضيل لجنس العرب وهو مخطىء لم يفهم مراد الإسلام؟! لأنه مثقف لا يَعِّي من مقاصد ومرامي الإسلام ويتكلم بردود الأفعال، العروبة من الإسلام ومن يكره العرب شعوبي وهو لا يشعر، الغرب يفهم قيمة العرب أكثر منا ولذا قرر إهانة العرب في العراق في دستورهم، واليوم يريد أن يكرر ذلك في سوريا ويرفع العربية ويدخل الكردية، محو العروبة فكرة من أفكار العدو الشرقي والغربي، بضعة مفكرين شوهوا العروبة لأنهم لم يفهموها وتابعهم أغلب الإسلاميين؟!
إذا عزَّ العرب عزَّ الاسلام -ضربة لازم- ولاحظوا أن من يحارب العرب من الإسلاميين هم اليوم مع إيران الأعجمية الصفوية، لغة القرآن أصل والإسلام بُني على العرب بداية، فمن يكره العرب وينتقص منهم فهذا ينبغي أن يُراجع معرفته ودينه، وكل دعوى لبخس العرب مروءاتهم وسجاياهم هي دعوى مرفوضة، فضلاً عن كونها تتضمن اعتراضاً على الله سبحانه وتعالى الذي اختار العرب ليحملوا دعوة الاسلام وينشروا أنواره في العالمين، وهو سبحانه وتعالى أعلم حيث يجعل رسالته.
"إياك ولدغة العقرب والعجمي إذا استعرب" مثل مشهور متداول عند العرب يُردد دائماً بالرغم أن الأمثال تُضرب ولا تُقاس، لكن من المعلوم في فن الأمثال أن لكل مثل قصة نابعة من حيثيات واقعية عاشها من كان له السبق في ضرب المثل وجعله نموذجاً لوصف حالة معينة يستعيرها الناس للدلالة عن أمر ما سواء كان جيداً أم سيئاً، قبل الدخول في من يشملهم الشطر الثاني من المثل الخالد الذي يردده دوماً أبناء العرب الأُصلاء، أود التطرق إلى مقدمة أو مدخل يثبت لنا بعض من حيثيات معاناة العرب من حالتين أو أمرين خطرين أدى إلى إطلاق هذا المثل وهما: "العقرب والعجمي".
من المعلوم أن البلاد العربية -في أغلبها- مناطق حارة صحراوية وغالباً ما تكثر بها العقارب الصفراء الشديدة السُميِّة، ونتيجة لهذه الظروف البيئية فقد اعتمد العرب على السراديب والأسطحة في البيوت لتقيهم حر الصيف اللاهب وقد تكون هذه السراديب ملاذاً للعقارب؛ ولما تشكله هذه العقارب من خطر على حياة العربي فقد حذر المثل من لدغتها كونها قد تسبب الموت؟! في نفس الوقت عمل صانع المثل "العجمي إذا استعرب" ليربطه ويجعله الشطر الثاني من هذا القول، ولهذا دلالات أهمها أن الشطرين قد يعتبران من نفس الجنس في درجة الخطورة حيث يُشكل العقرب خطراً يهدد حياة العربي وكذلك العجمي أشدُّ خطراً -على العربي- إذا استعرب؟!
يتجلى سلوك استعراب العجمي، في إدعائه أنه عربي -وغالباً- ما يتخذ إسماً عربياً أو يُلصق نسبه بنسب إحدى عوائل السادة الأشراف من "آل البيت" أو القبائل العربية الكبيرة أو قد يتمسك بلقبه إذا كان يدل على ثراء أو علم، وبالرغم من مرور كثير من الأعاجم الأغراب على الأراضي العربية للحج أو العمرة أو الزيارة أو الدراسة أو التجارة لكن المثل خص الذين من أصول أعجمية إيرانية كانت أو تركية أو هندية أو أفغانية أو باكستانية ... الخ.
إن التحذير منهم جاء على إثر معاناة العرب منهم لتمكن الكثير منهم من العيش والإقامة بين ظهراني -العرب- بحيث أمتازوا بمميزات غريبة عن خلق وطباع العرب وخصوصاً من حيث قدرتهم على الغدر ونكث العهود والخيانة واللؤم والخسة، وقد ظهر للعيان وفي جميع مجالات الحياة أُناس أعاجم استعربوا وقد تسنَّموا المناصب الكبيرة ومنهم من يشارك بقوة في إصدار القرار السياسي أو القرار الأمني أو في إدارة التعليم أو التمثيل الدبلوماسي، هؤلاء الذين استعربوا يتصفون بمواصفات غريبة حقاً عن طبيعة وخلق المجتمع العربي حيث التسامح والأُلفه ومد يد العون، صفاتهم تتجلى في حقدهم على كل عربي ومحاولاتهم لاقتلاعه من بلاده سواء بالقتل أو التهميش أو الإقصاء، وبالرغم من عيشهم المشترك مع العرب في مختلف أنحاء البلاد العربية من شماله مروراً بوسطه وصولاً إلى جنوبه، إلا إنهم يعانون من عقدة النقص والحقد على كل عربي.
إنه لمن الغفلة بمكان أن نزعم أن العجم في حياتنا -هم اليوم- أكثر أو أقل مما كان عليه الحال في العصور التي خلت، ولكن الظاهرة تفاقمت في جملة قطاعات حياتنا اليومية بحيث أصبحنا نقبل دون دهشة أو استغراب جميع صفات العجم السيئة التي نشهدها، واستمرت مواقعة الناس لها حتى حولها الإِلَّفْ إلى جزء من الحياة العامة، فرأينا الاستهانة بقيمة الكلمة ورأينا قلة الاكتراث بإتقان العمل ورأينا إضاعة الأمانات والمسؤوليات الثقيلة؛ ورأينا القدرة على قلب الحقائق وجعل الجهل علماً والعلم جهلاً؛والمعروف منكراً والمنكر معروفاً، إذ لم يعد واقع الحال يأذن بإغماض العين عنها أو المرور عليها مرور الكرام، لما يترتب عليه من العبث بوجودنا كله وتحوله إلى وجود زائف غير حقيقي، وغير قادر على أداء مهام صعبة وأفعال ذات جدوى في عالم حقيقي يحمل كل علامات التحدي والخطر، إن أخطر شيء ينتج عنهم أنهم يتبؤون -الآن- المناصب التي من طبيعة عملها التعامل مع كافة العرب؟!