عالقون في التاريخ، إلى حدّ أننا لم نعد نميّز واقعنا. الديكتاتوريات العربية، أخص منها العراق وسورية، خلقت ألف وجه للظلم والاستبداد، وستجد لكل مظلوم روايته عما حدث، وتوصيفه المختلف، وربما المتناقض، لشكل السلطة التي قامت بقمعه.
نظام صدام حسين كان نظاماً قمعياً قومياً بالنسبة للكرد، يرى فيه ضحايا "الأنفال" وجهاً للعروبة، بينما يراه العراقي الشيعي، الذي مُنع من بعض طقوسه، وجهاً عَلمانياً للسلطة، يرفض الدين وما يتعلق به. مظلوم ثالث، عراقي شيعي أيضاً، سيرى في صدام حسين وجهاً طائفياً سنياً، بينما يقف المقموع السني، ليتحدث عن مستبد وظالم باسم الهوية الوطنية، أو مستبد عَلماني، بحسب علاقته هو مع الدين والطائفة والهوية الوطنية.
من الصعب، أن يكون كل هؤلاء على حق، لكن بالضرورة لكل واحد منهم سرديته. إلا أن المخيف، أن هذه السرديات باتت مؤثرة في واقعنا اليوم، فالمتمسك بالسردية الطائفية يريد حكماً طائفياً لطائفته، والمتمسك بالسردية القومية، يريد انفصالاً أو حكماً ذاتياً للمنتمين إلى قوميته، والمتمسك بالسردية الوطنية ربما أراد حكماً وطنياً، أو دينياً على مذهبه، أو انخرط في السرديات الطائفية، ومال لخلق طائفة لم تكن كذلك في الماضي.
أحياناً يصبح المظلوم أكثر تشوشاً، هل يعرف الطفل الحموي (من حماة السورية) لماذا قُتل أقاربه ممّن لم يحملوا السلاح؟ هل يعرف لماذا هُدمت المدينة في الثمانينيات على رؤوس سكانها؟ ومرة أخرى، تظهر وجوه الاستبداد المتعددة. فالنظام طائفي في وجه من أراد رؤيته كذلك، وعَلماني في سرديات أخرى. سيكون ظالماً لأنه قومي، أو ظالماً لأنه حاقد طائفياً.
تسطع هذه التباينات في حدود التوترات القومية والطائفية، تنعكس على النقاشات الثقافية، وعلى الأوراق الأكاديمية، فيرتد بعضها إلى بيانات سياسياً، كما حدث، بصورة محدودة، في مؤتمر "العرب والكرد" والذي نظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، مطلع هذا الأسبوع.
ستستمع في المؤتمر إلى كردي يتحدث عن تهجيره من كركوك العراقية، وعربي يتحدث عن تهجير أسرته من قرى الجزيرة الفراتية السورية. ستستمع إلى محاولات ضحايا الظلم، الاستبداد والتطرف الطائفي والقومي، وهم يقفون وجهاً لوجه، للتفكير في بناء بلدانهم المحطمة. يتحدثون ويتجادلون طويلاً، رغم قناعتهم المخيفة، أن الأمر بعيد، وربما بعيد جداً.
(العربي الجديد)
https://www.alaraby.co.uk/politics/2017/5/1/%D8%A3%D9%84%D9%81-%D9%88%D8%AC%D9%87-%D9%84%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D8%AF-1