"قــال النهــر ..ليس كل ما يقال صحيحاً وليس كل صحيح يقال "
بعد هذه الحكمة من هذا الكهل المستغرق في الديمومة ، لن أتكلم عن اللغة كوسيلة تفتح أمام الانسان طرق التفكير والمحاكاة والتكيف في هذه الحياة ، نحن الآن في زمن إختفاء العي ! وامتلاء الفضاء بالكلام الذي نراه كالفراش المبثوث في القنوات والمنابر الخاصة ، ليس مهماً أن يكون معظمه غير مفيد ،لا أحد ينتبه بأن المعرفة تترجم بالأقوال والأفعال ، اختلط الذي يعلم والذي لا يعلم ، وتاهت الحقيقة بين أفواه الذين يدعون أنهم أسيادها ، النوايا تسبق الحروف والكلمات .
إن إشتهاء الحديث من غير فائدة أمر يتعلق بإغراء الذات واغواءات الحرية ،هذه المنابر تناديك بأعلى صوتها ،دون قيود زمانية أو مكانية ،تنبهك على غفلة عين الرقيب! ستجد هتاف الآخرين ينتظرك قبل أن تروض الكلمة وتفهم معانيها !! لأن اللغة ليست هي الوسيلة الوحيدة التي نسيطر بها على البعض ، هناك رغبات ومصالح ،وإن كنت مقبولا لدي وفق هذه الأهواء ،فكل ماتقوله سأقبله دون تمحيص أو تشكيك صادق كنت أو كاذب ، فالأرواح تقابلت وتأآلفت في السماء وربما حدث اتفاق هناك بالتبعية والتعمية.
الجمهور والمنابر تغويك أكثر وتكسر مقاومتك ،ستبدأ باشتهاء الكلام في كل شيء ، و ستسيطر عليك الرغبة في عدم تأجيل الكلام إلى وقته المناسب ، القول الآن وأنت عندما تعتاد على قول اللحظة الأنية ، قد يجرك هذا الأمر إلى العجلة وقد تنفث سماً من لسانك البشري لا تدرك عواقبه إلا لاحقاً و في الأخير لن تخرج من أن تكون ضحية أو متهم في ازدحام الحوادث المرورية .
أختم بكلام سيد البيان والبلاغة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال : "من حسن إسلام المرء تركه ما لايعنيه " ويقول ﺃبو ﺫﺭ في هذه المعاني الجليلة"مﻦ ﺣﺴﺐ ﻛﻼﻣﻪ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻪ ﻗﻞ ﻛﻼﻣﻪ ﺇﻻ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻌﻨﻴﻪ " .