الإيمان بالله عز وجل والتمسك بدينه والتزام وحيه=لا يمكن أن يحصل للإنسان بالأماني، ولا يثبت في القلب ويجري على الجوارح بمجرد الدعوى.
لذلك فإن التأمل فيما جاء به النبي صلة الله عليه وسلم يصل بك إلى حقيقة ثابتة وهي أن الإيمان لا يتم للمؤمن حتى يكون نمط حياة، وحتى يكون عادة بالمعنى الإيجابي للعادة والذي يعني: الخفة على النفس، ومع الخفة التمتع وبرد الطمأنينة وراحة السكينة.

وأية نظرة لبنية النظام الذي أتى به الوحي لا تراعي تكامله= ستؤدي إلى خلل عظيم يؤثر على فعالية الجزء الذي عظمه هذا المختزل للنظام؛ فإن ضعف بعض أجزاء النظام وعدم تفعيلها لأسباب خارجة عن إرادة الإنسان ويعجز عن إزالتها هو بعض الابتلاء والمحنة الكامنين داخل بنية هذا النظام نفسه، ليبلوكم كيف تعملون، أما الاختزال الاختياري لبعض بنية النظام وتعطيلها عن التفعيل أو تعظيم أجزاء منه تعظيماً فوق أوزانها في الوحي= فإنه من الفتنة التي تضل عن الحق ولا يعذر الله أصحابها إلا ما شاء.

من هنا: رجو ان تبدأ ثانية في إعادة النظر لهذا الكم من الجزئيات والشعائر ودقيق الأمور وجليلها، ومقاصدها ومقدماتها= ستجد نفسك أمام نسق متكامل الهدف منه هو أن يجعل الدنيا موصولة بالآخرة، وأن يجعل الإيمان خطاً متصلاً من القلب إلى الجوارح، ومتصلاً من الفرد إلى الجماعة، ومتصلاً من الجماعة إلى العالم، ومتصلاً من العالم إلى مسار التاريخ كله، إلى أن يقبض الله المؤمنين وهم شهداؤه على خلقه.
إنه مسار متصل ونمط حياة ممتد من ذكر الانتباه من النوم الذي عظم الله أجره إلى أذكار النوم وما فيها من الالتجاء إلى الله والبراءة من الحول والقوة ، مروراً بالتطهر والسواك والقرآن والصلوات المتتابعات ومنظومة الحقوق الأخلاقية والتشريعية التي يجب عليك أن تلتزم بها تجاه الدوائر القريبة والبعيدة، كل ذلك يجعل الوحي حياً بقدر حياة حملته والعاملين به.

حتى ذنوبك ومعاصيك وسقطاتك وزلاتك وطباعك السيئة وشهواتك التي لا تطيق الإقلاع عنها= كل ذلك هو نقصك الذي يصنع كمالك، كمالك في توبتك منه، كمالك في استغفارك منه حتى مع عجزك عن تركه، كمالك في هجرانك للكبائر وتعظيم قدر الدم الحرام والمال الحرام والعرض الحرام، كمالك في طلب الحسنات اللائي يذهبن السيئات، كمالكم في شفقتكم على الناس؛ لأنكم تذنبون كما يذنبون وترجون من الله ما يرجون.

إن عمود هذا الأمر يكمن في أن تصنع نمط حياتك، وأن تكون نسيج وحدك، وأن تحسن ما استطعت= فيحسن الله إليك، وأن تتصالح مع نقائصك؛ لا تصالح الراضي بها وإنما تصالح من يرجو رحمة الله ويكاثر بالماء الخبث، ويسأل الله عفوه ورحمته.

وذروة سنام كل ذلك: أن تُبقي علاج الحبل متصلا من يقظتك إلى نومك؛ فإن الحبل إذا دام اتصاله واتصل علاجه= قوي فأصلح ما تفلت من خيوطه.