كانتا أقوى دولتين في العالم القديم، أما أمة العرب فقد كانت بينهما، مشتتة مترهلة، بعضها ولاؤه للفرس والآخر للروم، والقلة الذين لا ولاء لهم للغير يتناحرون فيما بينهم، لأجل الاستحواذ على مقدرات العيش، ربما كانت البيئة ليست صالحة للزراعة المستدامة باستثناء بعض المناطق النهرية، في العموم كانوا رعاة غلاظ، لم يسعوا إلى بناء كيان متحد كـ(جيرانهم)، ظلوا مشتتين إلى أن أتى الإسلام فوحّد بينهم، وخضعت لهما الفرس والروم بفعل الرسالة السماوية وتعاليمها السمحاء، والقوة التي تم بناؤها، فاستطاعت الأمة نشر الدين الإسلامي في وقت وجيز وثبتت أركانها المترامية الأطراف لمئات السنين.
اليوم (24 يناير 2024) هناك اجتماع في أنقرة مع رجال الأعمال في دولتي إيران وتركيا الوريثان الشرعيان للقوتين العظميين قديماً، حضره رئيسا الدولتين تكلل بتوقيع اتفاقيات للتعاون المشترك بينهما، تحدث الزعيمان عن أنهما يمثلان قوة إقليمية ويؤثران في مجريات الأحداث بالمنطقة، تحدثا عن غزة والجرائم التي ترتكب بحق سكانها وعن الإرهاب ومن صنعه ومقاومتهما له وعن املهما في تغيير الواقع واندحار القطبية الواحدة الى عالم متعدد الاقطاب، ينعم بالأمن والاستقرار.
استمعت الى كلمتي الرئيسين متمعنا المحتوى، مثمنا ما توصلا اليه على كافة الاصعدة، الاقتصادية والصناعية واستفادتهما من العلوم التطبيقية في مجال التصنيع الحربي برا وبحرا وجوا، من خلال تسخير امكانياتهما لخدمة شعبيهما والمحافظة على كيانيهما من التشتت والفرقة بين مكوناته العرقية لتبقى الدولة السياسية الضامن والحامي للشعب.
في نفس الوقت انتابني شعور بالاسى والحزن لما وصلت اليه احوالنا، نحن نعيش في اسوأ حال رغم اننا تحصلنا على استقلالنا الذي كتبنا له عديد الاناشيد وصنعنا الرايات المزخرفة بعدد دولنا التي رسموها(اختطوها) لنا ضمن اتفاقية سايكس- بيكو، لم نعد امة بل أصبحنا امم، ورغم ذلك لم يستطع أي منا ان يحافظ على كيانه السياسي المزعوم، يدرك اعداءنا جيدا ان أيا منا لن يستطيع ابناء قوته التي من خلالها يستطيع المحافظة على كيانه السياسي، لتبقى هذه الكيانات على ارتباط وثيق بهم.
هناك العديد من المحاولات التي بذلت لأجل لم شمل الامة ان لم تكن اندماجية فأقله تكتل سياسي اقتصادي عسكري لكن تلك المحاولات باءت بالفشل ,لان هناك من الرؤساء من يرى في انضمامه الى التكتل انتقاص من قيمته, جامعتنا العربية فقدت مبرر وجودها, لم تفعّل فقرة الدفاع المشترك بدستور الجامعة ,القائمة السوداء التي تضم الشركات المتعاونة مع الكيان الغيت ,وحل محلها التطبيع دون قيد او شرط ,امكانيات دولنا مجتمعة تفوق امكانيات جارتينا, أما عددنا فانه اضعاف مضاعفة لشعبيهما, وفي التعليم لدينا خبراء ومستشارون في مختلف المجالات, لكن ما تنقصنا هي ارادة البناء والاستقلال الحقيقي عن الغير.
غزة تدك بمختلف انواع الاسلحة وتكاد تسوى مبانيها بالأرض ساستنا يتفرجون، اما شعوبنا فهي مهزومة من الداخل، رغم الامكانيات تعيش في فقر مدقع، الأموال الطائلة تتمتع بها فئة محدودة، السلاح منتشر بشكل لا يوصف لبث الخوف وعدم الاستقرار، ليعيش حكامنا النعيم الارضي. نكتفي بالدعاء لغزة، وشعبها يتضور جوعا وفي أمس الحاجة الى شربة ماء، نحن نثغوا كالشياه، نجتر ما يلقى الينا من رديء الطعام.
الفرس والروم يصنعون السلاح للدفاع عن كيانيهما ويبيعانه للغير للاستفادة، بينما نحن نشتري السلاح بأثمان باهظة ولا نقو على صيانته، واستخدامه فيما بيننا وفي النهاية يصبح خردة نصدره الى الخارج بأسعار زهيدة.
للأسف الشديد وبعد مرور 14 قرنا، لا زلنا نعيش عصر الجاهلية الاولى، فبعضنا ولاؤه لهذا الطرف وبعضنا الاخر لذاك الطرف، والقلة محايدة لا تقو على فعل شيء.