امبراطورية المايا، التي تركزت في الأراضي المنخفضة الاستوائية التي تُعرف الان ب غواتيمالا،  وصلت ذروة سلطتها ونفوذها بحلول القرن السادس الميلادي و تفوقت حضارة المايا في الزراعة والفخار والكتابة الهيروغليفية، والتقويم والرياضيات، تركت وراءها كمية مذهلة من الهندسة المعمارية الرائعة والأعمال الفنية الرمزية.وبحلول عام 900 ميلادية كانت معظم المدن الحجرية العظيمة لحضارة المايا قد تم هجرها و منذ القرن التاسع عشر و العلماء يناقشون سبب هذا الا نحدار الكبير .

تحديد موقع حضارة المايا

كانت حضارة المايا واحدة من المجتمعات الأصلية الأكثر هيمنة في أمريكا الوسطى "Mesoamerica “(وهو مصطلح يستخدم لوصف المكسيك وأمريكا الوسطى قبل الاحتلال الإسباني في القرن السادس عشر). وخلافا لغيرها من السكان الأصليين المتناثرة في أمريكا الوسطى، كانت المايا تتركز في كتلة جغرافية واحدة تغطي كل من شبه جزيرة يوكاتان وغواتيمالا الحديثة. و منطقة بليز وأجزاء من الولايات المكسيكية تاباسكو وشياباس؛ والجزء الغربي من هندوراس والسلفادور. وأظهر هذا التركيز أن المايا ظلت آمنة نسبيا من الغزو من قبل شعوب أمريكا الوسطى الأخرى.

وضمن هذه المساحة، عاش المايا في ثلاث مناطق فرعية منفصلة ذات اختلافات بيئية وثقافية متميزة: الأراضي المنخفضة في المايا الشمالية في شبه جزيرة يوكاتان؛ والأراضي المنخفضة الجنوبية في منطقة بيتن في شمال غواتيمالا والأجزاء المجاورة من المكسيك وبليز وغرب هندوراس؛ و مرتفعات مايا الجنوبية، في المنطقة الجبلية من جنوب غواتيمالا.   اكثرها شهرة هي حضارة المايا في منطقة الاراضي المنخفضة الجنوبية حيث بلغت ذروتها خلال العصر الكلاسيكي لحضارة المايا (250 الى 900 ميلادية) و بنو المدن الحجرية العظيمة و المعالم الاثرية التي بهرت المستكشفين و العلماء في المنطقة.    أُولى حضارات المايا ( 1800 قبل الميلاد الى  250 ميلادية)   وتعود أولى مستوطنات   حضارة المايا إلى حوالي 1800 قبل الميلاد،  أو بداية ما يسمى فترة ما قبل الكلاسيكية أو التكوينية. وكانت أولى حضارات المايا حضارة  زراعية حيث كانوا يزرعون  المحاصيل مثل  الذرة  والفاصوليا والاسكواش والكسافا  (مانيوك). وخلال الفترة الوسطى ما قبل العصر الكلاسيكي التي استمرت حتى 300 قبل  الميلاد.

بدأ مزارعو المايا بتوسيع وجودهم في المناطق المرتفعة والمناطق المنخفضة. وأيضا شهدت الفترة الوسطى ما قبل العصر الكلاسيكي  صعود أولى حضارات أمريكا الوسطى ، أولمكس.

استمدت حضارة المايا عددا من الصفات الدينية و الثقافية فضلا عن نظام الاعداد و التقويم الشهير من حضارة ال اولميك كما فعلت الشعوب الاخرى في امريكا الوسطى مثل زابوتيك، توتوناك ، توتيهواكان و أزتيك.

بالإضافة إلى الزراعة، كان للمايا ما قبل الكلاسيكية سمات ثقافية أكثر تقدما مثل بناء الهرم، وبناء المدينة،و الحفر على  المعالم الحجرية.

كانت مدينة ميرادور المندثرة في عصر ما قبل الكلاسيكية، في شمال بيتن، واحدة من أعظم المدن التي بنيت في الاأمريكتين ما قبل كولومبوس. حجمها جعل مدينة تيكال عاصمة مايا الكلاسيكية تبدو اصغر و ان وجودها  يثبت أن حضارة المايا ازدهرت بقرون قبل العصر الكلاسيكي.

المدن الحجرية : العصر الكلاسيكي لحضارة المايا ( 900-250 ميلادية )

يُعتبر العصر الكلاسيكي الذي بدأ بحدود 250 ميلادية هو العصر الذهبي لامبراطورية المايا . كبرت حضارة المايا الكلاسيكية لتشمل بحدود 40 مدينة من ضمنها مدينة  تيكال، واكساكتون، كوبان، بونامباك، دوس بيلاس، كالاكمول، بالينكي وريو بيك،  يبلغ عدد سكان كل مدينة ما بين 5,000 و 50,000 شخص و قد وصل عدد سكان المايا الى 2,000,000  في ذروتها.

و كشفت حفريات مواقع حضارة المايا على الساحات والقصور والمعابد  و الاهرامات، فضلا عن المساحات المفتوحة للعب مباريات الكرة التي كانت طقوسية وذات أهمية سياسية لثقافة المايا.  مدن حضارة المايا تدعمها أعداد كبيرة من المزارعين وعلى الرغم من أن المايا تمارس نوعا بدائيا من زراعة "القطع والحرق" و لكنهم اظهرو ايضاً أدلة على اساليب زراعة أكثر تقدما، مثل الري والتراس.

كانت حضارة المايا دينية للغاية، حيث كانوا يعبدون آلهة مختلفة تتعلق بالطبيعة، بما في ذلك آلهة الشمس والقمر والمطر والذرة. في الجزء العلوي من مجتمع المايا كانوا الملوك، أو "كوخ أجاو" (اللوردات المقدسة)، الذي دُعي بأنه مرتبط بالآلهة و يتبع نظام الخلافة الوراثية. وكان يُعتقد أنهم يعملون كوسطاء بين الآلهة والناس على وجه الأرض، ويقومون باداء الاحتفالات الدينية والطقوس المهمة جدا لثقافة المايا.

بنت حضارة المايا الكلاسيكية العديد من المعابد والقصور على شكل هرمي مدرج و تزيينها باالكتابة و النقوش التوضيحية. وقد اكسبت هذه الهياكل حضارة المايا سمعتها كفنانين العظماء لأمريكا الوسطى. وبالاضافة الى اعتمادهم على الطقوس الدينية، حققت المايا أيضا تقدما كبيرا في الرياضيات وعلم الفلك، بما في ذلك استخدام الصفر وتطوير نظام تقويم معقد على أساس 365 يوما. وعلى الرغم من أن الباحثين الأوائل استنتجوا أن المايا كان مجتمع مسالم متكون من الكهنة والكتاب، و لكن بعد الفحص الدقيق للعمل الفني و الكتابة والنقوش على جدران معابدهم اظهرت الادلة الجانب الأقل سلمية من ثقافة المايا، بما في ذلك الحرب بين مدن حضارة المايا وأهمية التعذيب والتضحية البشرية لطقوسهم الدينية.

بدأ التنقيب الجاد لمواقع حضارة المايا الكلاسيكية بحدود ال 1830 وبحلول أوائل القرن العشرين، تم فك شفرة جزء صغير من نظام الكتابة الهيروغليفية، و بذلك عُرف المزيد عن تاريخهم وثقافتهم. معظم ما يعرفه المؤرخون عن المايا يأتي من ما تبقى من العمارة والفن، بما في ذلك المنحوتات الحجرية والنقوش على مبانيهم واصرحهم . كما قامت حضارة المايا بصنع اوراق من لحاء الشجر و قاموا بكتابة الكتب باستخدام هذا النوع من الورق وتعرف بالمخططات والمعروف انه تم العثور على اربعة من هذه الكتب او المخططات.

 الحياة في الغابات الاستوائية

كانت واحدة من العديد من الأشياء المثيرة للاهتمام حول حضارة المايا هي قدرتها على بناء حضارة كبيرة في مناخ الغابات المطيرة الاستوائية.  بالعادة ازدهرت الشعوب القديمة في مناخات أكثر جفافا، حيث تُشكل الإدارة المركزية للموارد المائية (من خلال الري وغيرها من التقنيات) أساس المجتمع. (كان هذا هو الحال بالنسبة إلى توتيهواكان في المناطق المرتفعة من المكسيك و المعاصرين للمايا الكلاسيكية). و مع ذلك كان هناك عدد قليل من الانهار الصالحة للملاحة في الاراضي المنخفضة لحضارة المايا الجنوبية و التي استخدمت للتجارة و النقل و كذلك لم يكن هناك حاجة واضحة لنظام الري.  

وبحلول أواخر القرن العشرين، لخص الباحثون أن مناخ الأراضي المنخفضة كان في الواقع متنوع بيئيا. وعلى الرغم من أن الغزاة الأجانب أصيبوا بخيبة الأمل بسبب النقص النسبي في المنطقة من الفضة والذهب، إلا أن المايا استفادت من الموارد الطبيعية العديدة للمنطقة، بما في ذلك الحجر الجيري (للبناء)، والصخور البركانية (للأدوات والأسلحة) والملح. كما تحتفظ البيئة أيضا كنوز أخرى للمايا، بما في ذلك الحجر الاخضر ( و هو حجر يستخدم في التزيين و الزخرفة ) و ريش الكيتزال (يستخدم لتزيين الأزياء الراقية لنبلاء المايا) وكذلك الصدف و الذي كان يستخدم كأبواق في الاحتفالات والحرب.

الانحدار الغامض لحضارة المايا

منذ أواخر القرن الثامن وحتى نهاية القرن التاسع، حدث شيء غير معروف زعزع حضارة المايا. واحدا تلو الآخر، تم التخلي عن المدن الكلاسيكية في المناطق المنخفضة الجنوبية، وبحلول عام 900.، انهارت حضارة المايا في تلك المنطقة. السبب في هذا الانخفاض الغامض غير معروف، على الرغم من أن العلماء قد وضعت العديد من النظريات المتنافسة.

ويعتقد البعض أن بحلول القرن التاسع كانت حضارة المايا قد استنفذت البيئة المحيطة بها لدرجة انها لم تعد قادرة على الحفاظ على عدد كبير جداً من السكان .ويرى باحثون آخرون في المايا أن الحرب المستمرة بين مناطق المدينة المتنافسة أدت إلى كسر التحالفات العسكرية و والعائلية (عن طريق الزواج) و التجارية بينهما و كذلك كسر النظام التقليدي للسلطة الحاكمة. كما تضاءلت مكانة اللوردات المقدسة، و الذي ادى االى حدوث فوضى في التقاليد المعقدة من الطقوس والاحتفالات و تلاشيها.   وأخيرا، قد تكون بعض التغيرات البيئية الكارثية كالجفاف الشديد لمدة طويلة جدا هي التي محت حضارة المايا الكلاسيكية. احتمال ان تكون مدن مثل تيكال قد عانت من الجفاف حيث كانت مياه الأمطار ضرورية للشرب وكذلك لري المحاصيل .

وقد أدت هذه العوامل الثلاثة، وهي زيادة عدد السكان والإفراط في استخدام الأراضي والحرب المتوطنة والجفاف، دورا في سقوط المايا في المناطق المنخفضة الجنوبية. اما قي مرتفعات يوكاتان، واصلت بعض مدن المايا - مثل تشيتشن إيتزا، أوكسمال وميابان بالازدهار في فترة ما بعد الكلاسيكية ( 1500-900 ميلادية). وبحلول الوقت الذي وصل فيه الغزاة الاسبان، كان معظم حضارة المايا يعيشون في القرى الزراعية، و كان قد دُفنت المدن الكبرى تحت طبقة من الغابات الاستوائية.

_______________

ترجمة : سالي الحميري

المصدر : http://www.history.com/topics/maya