عندما بلغ نبأ انتحار مارك أنطونى الزوج الأخير لكليوباترا ومعرفتها بأخبار إنتصار أوكتفيان وزيادة تدفق وتوغل جنوده بالبلاد وإقتراب هزيمتها، خارت عزيمتها وأنهارت وأزداد الوضع سوء عندما علمت أن أوكتفيان يسعي لينال منها مرتين، تارة بإنتصاره عليها وأخرى بالتنكيل بها وإحضارها ذليلة أمام شعبها في موكب نصره...


وطلبت جثة زوجها فأحضرها الجنود وعند هذه اللحظة لم تتمالك نفسها وطلبت من كل الخدم والحرس أن يخرج ويترك الغرفة لترثي زوجها قبل أن تُشيع جنازته..




فبدأت قائلة: "أشفق على حالي، لست أرثيه فإننى لا أصل إليه كما باعد الفراق بيني وبين محبوبي، فبات حالى يرثينى وأنا أرثي محبوبي في عالمه الآخر من مرأة نافذتها متجهة نحوه ولا يسعنى أن أصل إليه منها..


أرثيه بلا أمل وبكل الألم عل الرثاء يخفف من حمل ووطأة الحزن المستكين فى أعماق قلبي، عل ما يدور بخاطري يصل إلى خاطره في العالم الآخر، عل قلبه يستشعر النار المتأججة فى فؤادى، أو علنى أزحف إلى عالمه واتخطى مرآتي ذات النافذة الواحدة فأرانى معه فى هذه اللحظة، اااه لو كان من الدمع رصيد أنفقه على رفاهية نهاري فإن الليل بطوله لا ينتهي ولا الذرف معه ينتهي، فما الحزن بمنجلى وما لى إلا الوحدة مؤنسى.



قد ملكت رجال يهابهم جموع الخلائق وتحت أمرتى تحركت رماحهم وأصهلت جيادهم وتشدقت سرائر الصحارى بخطاهم، وقد ملك قلبي رجل ، ملكه وتملكه وصار ولعي به ينهش فىّ حتى لم يعد بداخلى أحد او شيء سواه، حتى جنى بى أشد وأعنف جناية، تركنى ورحل إلى عالم آخر، أرى عيناه المغلقتان وأنظر فيهما آملا أن يفتحهما ولكنه لا يتحرك، أنظر إلى إصبع من أصابعه علها تتشنج قليلا من تيبس موته، ولكن أصابعه لا تتحرك..


وملامحه راكدة، وصورة إبتساماته في مخيلتى واضحة...جناية يستحق عليها العقاب، يستحق أن تقام له العدالة ويقدم بين يد القضاة كجانى وأقف انا الضحية، و فيها يُقضى إليه أن يعاقب فيعود للحياة لأخذ حقي منه ويعذب بيني ومعي ولا يغادرني ابدا، فوالله هذا هو عقابه وهذا ما يستحقه.


ولكن من يا ترى أخادع؟؟، أأخادع نفسي؟؟، أنا أعلم أنه لن يعود أبداً، فإنه أمامى جثة هامدة وأنه بعد ساعات قليلة ستشيع جنازته وسأقف انا الأرملة الحزينة أودعه، ولست أقوى على وداعه أمام جموع الناس، يكفيني إنشقاق قلبي إثر مصرعه، لماذا فعلت بي هذا وأنت تعلم أنك وحدك من سيطر وأستحل هوايا..."


سكتت قليلاً ثم قالت في توجع: "ورحلت وتركتنى.."


"رحلت وتركتنى وحدي أمام أوكتفيان وجنوده لا أملك من العدد ولا العتاد ما يجعلنى أوقفه، يتحرك هو بجنوده ليصل إلينا و سيجرعنى مرارة الإنكسار مرتين، الأولى وأنا أشيعك بين شعبي والثانية وأنا أشيع تاجي وشعبي، سيلف حول عنقي طوق العبودية موصوماً بعار الهزيمة وحزن الفراق...وما كنت لأرغب بأي منهما...


ولا أرغب حتى بتشييعك...فما لى حول لأقف بين جموع الناس مأخوذة برحيلك، يتلفتون ويلمزون بأحقر الكلام وأذله، ويكفينى إنكساراً ما حل بنا ولا أرغب بأن أُذل بعد هذا...."


وبدأت تنظر فى أركان الغرفة وأستردفت: " ما لى أري بعد رحيلك الموت يقف شامتاً ضاحكاً منى، يعرف ما أرتكبه وهو على يقين أني لا طاقة لى به، فهو يصطاد ولا يمكن إصطياده، ولكننى أشتم شماتته وأحس هالاتها تنبعث من أركان هذه الغرفة الواسعة فتشعرني بضيق وغيط وحزن وهم لم أجد له مثيل ولا يتواجد فى معاجم العلماء مصطلح واحد يضمه...حتى وإن تحركت من هذه الغرفة وأنطلقت إلي هذا الفضاء الواسع لازمنى نفس الشعور ولم أجد لى حول فى التخلص منه


 ولكننى حقاً أرغب فى الخلاص..."


وعند هذه اللحظة ضمت بيديها كأس يحمل ما بداخله من هلاك و وضعت اليد الأخرى على صدر مارك وتجرعت كأسها فى ضراوة ومرت الثانية تعقبها الآخرى حتى تملك منها السم وسقط الكأس من يديها وهوى رأسها على صدره ترثيه من حزنها وكلماتها حتى ماتت.